الإعلام العربي وأجنداته الخفية: كيف يُقصى الكورد إعلامياً؟

الإعلام العربي وأجنداته الخفية: كيف يُقصى الكورد إعلامياً؟

الجزء الأول

دعاية مغرضة

بقلم… ماهر حسن

ما يحدث اليوم في بعض القنوات الإعلامية العربية هو نفاق مفضوح، وازدواجية لا حدود لها. فإذا كنا جميعًا نسعى للعيش كـ “سوريين” كما يروّج البعض، فلماذا هذه الازدواجية المخزية؟ لماذا يتمّ تجاهل معاناة الكورد بشكل مستمر، ويُحاول تصويرهم كـ “تابعين” لا حقّ لهم في الدفاع عن أنفسهم؟ بينما في المقابل، إذا أصاب أصبع أحد العرب بأدنى ضرر، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، وكأنّما قيامتهم قد قامت! هذا التناقض العميق يكشف عن حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها: الإعلام العربي يدير ظهره للكورد في الوقت الذي يسعى فيه إلى تصعيد مواقفهم المطالبة بالحقوق.

ألم تسألوا أنفسكم، كيف يعيش الكورد في وطنهم؟ كيف يعيشون بين جدران من الظلم والتمييز؟ هل لأنهم يتحدثون لغة مختلفة، أم لأنهم يعتزون بهويتهم الثقافية؟ هل يستحقّ منهم أن يعاملوا بهذا الشكل الوحشي لمجرّد أنهم يطالبون بالحقّ في الحياة والحرية؟ ماذا عن المعاناة اليومية التي يتعرّضون لها على يد أولئك الذين يرفعون شعارات الوحدة والحرية وهم أول من ينقضون عليها؟ كأنما حقوق الآخرين لا تهم طالما لم تكن هذه الحقوق من نفس العرق أو الطائفة.

إن واقع الكورد في سوريا هو جرح مفتوح يعمقه الصمت الإعلامي العربي. فما يفعله الإعلام العربي الآن ليس مجرّد تجاهل لهذه المعاناة، بل هو في الواقع تواطؤ مع الظلم. الأبواق الإعلامية التي تندّد بالكورد في كلّ موقف، وتعتبر مطالبهم بالكرامة والعدالة “مؤامرة” و “تخريبًا” في نظرهم، هي نفسها التي ترفع صرخات الاستغاثة إذا أصيب أحد أبنائها بخدش بسيط. هؤلاء، الذين يتظاهرون بحبّهم للوطن، يتجاهلون حقيقة أن الوطن لا يكون بخير إذا كانت أجزاؤه مهدّدة بالاضطهاد والتهميش. أين هي العدالة حينما يتمّ تجنّب الحديث عن الانتهاكات المستمرة بحقّ الكورد وتقتصر الخطابات على إبراز معاناة الآخرين؟

إن تكرار هذه الازدواجية الإعلامية يجعل من الكلام عن “الوطن السوري” حديثًا فارغًا. كيف يمكن أن يكون الوطن واحدًا ونحن لا نعيش في عدالة واحدة؟ كيف يعقل أن يطالب الكورد بالصمت على حقوقهم، ويجب أن يكونوا “تابعين” في نظر البعض، في حين أن هذا “الوطن” يصرخ بآلامه إذا أصاب أحد أبنائه أي مكروه؟ ما هذه “الوطنية” التي تقوم على قمع جزء من شعبه وإرغامهم على الصمت؟ ما هذه “الوحدة” التي تقوم على تهميش أحد مكوناتها؟

إن الصمت على هذا الظلم، وتجاهل المعاناة الكوردية، هو بمثابة نفاق لا يُغتفر. لماذا نعيش في وطن واحد إذا كان بعضنا يعامل وكأنه ليس جزءًا من هذا الوطن؟ لماذا يطالب الإعلام العربي بترسيخ مفهوم “الحرية” لغيره في حين يغضّ الطرف عن معاناة شعب كامل؟ لماذا يجب على الكورد أن يقبلوا بأن تكون أصواتهم مغيبة، وأن يُحكم عليهم بالصمت أمام من يظلمهم؟ هل لأنهم أقلّ شأنًا؟ هل لأنهم ليسوا جزءًا من هذا الوطن في نظر بعضهم؟ أم أن الإعلام العربي يعتقد أن معاناتهم لا تستحق أن تُسمع؟

إذا كان الإعلام العربي يرفع شعار “الحرية” و”العدالة” للمجتمعات العربية، فما الذي يمنعهم من رفع نفس الشعارات عندما يتعلّق الأمر بالكورد؟ هل لأنهم في نظرهم أقلّ قيمة؟ هل لأنهم في مناطق لا تهمّهم؟ لا يمكن لهذه الازدواجية أن تستمر، ولا يمكن لنا أن نصدق بعد الآن أن هناك “وطنًا واحدًا” إذا كانت معاناة جزء كبير من هذا الوطن تهمش بهذه الطريقة. كيف يمكن للمواطن السوري أن يثق في وحدة وطنه إذا كانت بعض أطيافه تُقمع وتُستبعد؟ كيف يمكن الحديث عن “سوريا للجميع” في حين يتم تجاهل أنصاف الشعب الذين يصرخون من الظلم؟

إن مطالب الكورد لا تقتصر على “العيش كسوريين”، بل على أن يكونوا جزءًا فاعلًا في وطنهم، مع كامل حقوقهم وكرامتهم. كفى زيفًا، كفى نفاقًا. الوطن لا يُبنى إلا على أساس العدالة والمساواة. لا يمكن التحدّث عن وحدة وطنية حقيقية في ظلّ هذا التهميش المتعمد للحقوق الكوردية. نحن لا نطلب أكثر من أن نكون جزءًا من هذا الوطن بشكل حقيقي، لا أن نظلّ صامتين أمام الظلم على مرأى ومسمع من الجميع.

مقالات ذات صلة