هل يأخذ عبدي بكلام البارزاني؟

هل يأخذ عبدي بكلام البارزاني؟

بقلم… ماجد ع محمد

“من حقّ العاقِل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقولَ الحكماء، فالرأي الفذُّ ربما زلَّ، والعقلُ الفردُ ربما ضلَّ”

بعيداً عن الحديث عمّا تمّ التطرق إليه مؤخّراً في الاجتماعات الثنائية بين المجلس الوطني الكوردي (ENKS)  وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) فمَن يُمعن النظر في المشهد السوري عسكرياً لن يغيب عنه الدور الفاعل لتركيا التي تدعم منذ سنوات مجموعة من الكتائب السورية المخصّصة لمحاربة حزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD) سابقاً ومن ثمّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فيما بعد، وحتى إن لم تتدخّل قواتها بشكلٍ مباشر، فهي على الأقل تساند تلك الكتائب بالقصف المدفعي أو الطيران الحربي والمسيّرات، بل وهي جاهزة على الدوام إذا ما رأت أيَّ تراخٍ في الموقف الدولي للدخول بجيشها إلى المعركة ضدّ مسلحي (PYD) أو قوات (قسد)، وهي ما تزال مستمرة في نهجها إلى يومنا هذا، ومهيأة على الدوام لاقتناص أيّ فرصة تنال عبرها من تلك القوات، إن لم تجد قوات (قسد) أو قائدها العام مظلوم عبدي طريقة فعّالة لانتزاع الذريعة التي تتحجّج بها تركيا؛ أي تواجد كوادر من حزب العمال الكوردستاني (PKK) بين صفوف قوات (قسد)؛ وهنا لا نقول إنَّ تركيا محقّة أو لا، إنما ذلك الحزب هو الذريعة الدائمة لديها، إلى جانب أنها الدولة التي لها اليد الطولى في سوريا، ولها علاقات إقليمية ودولية واسعة، كما أنَّ معظم دول المنطقة وكذلك الأمر الدول الإقليمية بحاجتها بناءً على المصلحة المتبادلة وليس بناءً على حقّ تركيا في التدخّل، إذ أن تلك الدول عادةً لا تعارضها، وعلى الأغلب تغضّ أبصارها في ما تعمل عليه أنقرة على الحدود أو داخل سوريا، وهذه الجزئية يعرفها القاصي والداني، ولكن من أجل نزع فتيل الحرب في الفصل الأخير من عمر الثورة السورية، جاءت مبادرة مسعود بارزاني ليس حبّاً بتركيا، ولا كرهاً بحزب العمال الكوردستاني، إنما خشيةً من تكرار سيناريوهات عفرين ورأس العين وتل أبيض، وبالتالي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال لعب دور الوساطة بين تركيا و”قسد” التي تتعرّض المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى هجماتٍ عسكرية متكرّرة.

وحيال مبادرة البارزاني، فلنفترض جدلاً أنَّ حال مظلوم عبدي حاله هو حال بطل الفيلم الهندي (بي كي) أو بالإنجليزية  (PK)ذلك الرجل الذي قدِم من جهة الفضاء وتقطعت به السبل على الأرض، وكما هو حال (بي كي) الذي لا يعرف شيئاً عن أهل الأرض وعاداتهم وثقافاتهم ومواقفهم والمحطات الرئيسية لهم، ولنفترض أن مظلوم عبدي هو الآخر لا يعرف شيئاً عن شخصية البارزاني ومواقفه، ولا عِلم له بمسار الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ التأسيس إلى الآن، ولا شكّ في أن المعني بهذه القضية، أي (عبدي)، تهمهُّ المبادرة، لذا، مطلوب منه التعرّف ولو خطفاً على أهمّ المحطات الخاصة بالذي يودّ القيام بدور الوساطة بينه وبين مَن يُعاديه، وبما أن طبول الحرب تُقرع على تخوم سدّ تشرين ولا وقت لديه للغرق في بطون الكتب لمعرفة كل شيء عن البارزاني للاطلاع على تجربته، وبما أننا معنّيون بسلامة المدنيين وقلقون عليهم من تداعيات الصراع التناحري هناك، فبودنا تذكير السيد (عبدي) بموقفين صغيرين فقط للحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيميه، علَّه يستفيد من تجربتهم التاريخية، وبناءً عليه يُجنب مناطق نفوذه الموت والخراب والدمار.

فالموقف الأوَّل للحزب الديمقراطي الكوردستاني هو أن الزعيم الكوردي الراحل ملا مصطفى البارزاني، أي والد مسعود بارزاني، بعد أن توجّه إلى إيران ليكون إلى جانب قاضي محمد وهو يُعلن عن تأسيس الدولة الكوردية ذات الحكم الذاتي في ميدان (جار جرا) بمدينة مهاباد في 22 كانون الثاني (يناير) 1946، لم يفرض البارزاني نفسه على كورد إيران، ولا طالبهم بالمناصب السيادية، ولا استحوذ على المقدرات المالية للجمهورية، ولا وضعَ يده على مراكز القرار، ولا غدا وجوده الداعم عبئاً على أهل المكان، إنما قدَّم كلّ ما استطاع تقديمهُ، وفي اللحظة التي قرَّر فيها قاضي محمد الاستسلام مع كوكبة من قيادة الجمهورية لكي لا يطال الدمار المدينة كلّها، ولكي لا يتسبّبوا بارتكاب المجازر بحقّ المدنيين، لم يعارض البارزاني رغبة قاضي محمد، ولا ورَّطه في الحرب بدعوى أنه سيدافع عنه حتى آخر بيشمركة لديه، إنما التزم بكلّ ما اتّفقت عليه قيادة الجمهورية الفتية، وارتأى الاِنسحاب من المنطقة والتوجّه نحو الاتّحاد السوفييتي من أجل الحفاظ على أرواح الجماهير الكوردية عقب انهيار الجمهورية الفتية وإعدام قادتها بفعل توافق المصالح بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية آنذاك، أي بريطانيا، فرنسا، الاتّحاد السوفياتي والولايات المتّحدة الأميركية؛ وعلى (عبدي) إذن إفهام الكوادر القادمين من خلف الحدود بأن الشعب هو الأهمّ، وبالتالي الاقتداء بتجربة البارزاني قولاً وسلوكاً، إذا ما كانوا معنيين حقّاً بمصير المنطقة وسلامة أهلها وكرامة ناسها.

والموقف الثاني هو أنه قٌبيل هجوم أنصار الحشد الشعبي الموالي لإيران في 2022 على مقرّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد، لإضرام النار بالمقر وتدمير محتوياته، كانت مجموعة كبيرة من كورد بغداد قد أبدت استعدادها وجاهزيتها للقيام بتحويط المكتب بأجسادهم، وتشكيل طوق أمني بشري لمنع أنصار الحشد الشعبي من حرقه، إلاَّ أن قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني رفضت استخدامهم كدروع بشرية كرمى الحجارة، وقال البارزاني إن حياة هؤلاء أولى من ذلك المقر، إذ بإمكانهم بناء مقرّ آخر عوضاً عنه أو حتى أكبر منه، أما الضحايا فما الذي سيُعيدهم أو يُعوض أهاليهم؟ لذلك لم يسمح لهم حينئذٍ بأن يكونوا قرابين مكتبَ الحزبِ، لأن الإنسان لديه أهم من البنيان، وهذه السردية ينبغي أن يحشرها مظلوم عبدي في أقحاف كلّ الذين يأخذون المدنيين إلى سدّ تشرين ومواقع الاشتباكات وخطوط النار ليجعلوا منهم دروعاً بشرية من أجل البروباغندا (Propaganda) التنظيمية!

على كلّ حال، فالمواقف المماثلة للحزب الديمقراطي وقادته كثيرة ولا تُحصر في مقالة خاطفة، ولكنّنا نكتفي بهذين الموقفين فقط عسى ولعلّ قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي يُمعن فيهما النظر، ويستفيد منهما في المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة، فيقارن بين تصرفات كوادر إدارته مع الأهالي من المدنيين في سدّ تشرين وتصرفات قيادة الإقليم مع المدنيين الكورد في بغداد، وكذلك الأمر ليقارن بين ما يفعله الكوادر القادمون من خلف الحدود ممن صاروا الذريعة الدائمة التي تهدِّد مصير أبناء المنطقة من قِبل دولة جارة تحاول بشتى السبل استغلال تلك الذريعة لإنهاك المجموع بدعوى محاربة تلك الفئة، وبين كلّ ما قدَّمه البارزانيون لجمهورية مهاباد بدون أيَّ مقابل، وكيف كان تصرّفهم في الفصل الأخير من عمر الجمهورية المغدورة حفاظاً على حياة وكرامة مَن تبقى من المدنيين!

مقالات ذات صلة