منذ أيام يتمّ عرض مسرحية في شوارع محافظة السليمانية بعنوان (الإضراب عن الطعام)، وكباقي المسرحيات، لهذه المسرحية أيضاً مخرجها وكاتب السيناريو وممثلون كما أنّ هناك من يموّلونها ويقومون برعايتها، أمّا المضربون عن الطعام الذين يتمّ تغذيتهم بالسيلان والمغذيات فهم مجرّد ممثّلون يلعبون أدوارهم في المسرحية لا غير.
في غضون ذلك، هناك من يريد أن يصوّر هذه المسرحية على أنها حركة شعبية وحركة ثورية واستياء شعبي، لكنّ الجيد في الأمر هو أننا لسنا بهذا المستوى من الغباء الذي يجعلنا نصدق مثل هذه الأشياء وهذه القصص، كما أنّنا لسنا عمياناً لدرجة تجعلنا لا نرى الحقيقة ولا ندرك كنهها. فما يحدث في السليمانية من احتجاجات وإضراب عن الطعام ليست سوى مسرحية، ولا نقول غير ذلك الكثير عن ممثلّي هذه المسرحية، لأنه من المحتمل أنه تمّ استغلال مشاعر هؤلاء أو ربما تمّ إقناعهم للقيام بهذه الأدوار مقابل مبالغ مالية أجرة على عملهم، بل انتقاداتنا موجّهة حصراً إلى الرعاة والمخرجين وكتاب السيناريو لهذه المسرحية، فراعي هذه المسرحية هو روح الجحوشية وخيانة 1966، ومن يدير هذه المسرحية هم حزب العمال الكوردستاني بكك والاتّحاد الوطني الكوردستاني، وبعض أعضاء الجبهة المعادية المناوئة للكورد.
من قطع الرواتب هو الدولة العراقية والمتعاون معها وشريكها هو بافل طالباني
إذا نظرنا عن كثب إلى هذه القضية، نجد أن هؤلاء الأشخاص يزعمون أنهم نظّموا هذه الفعالية وهذا النشاط بسبب قطع رواتبهم. لكن من قطع رواتبهم هي الدولة العراقية. ومن يتعاون مع العراق ويقف معها في هذه المعركة هو الاتّحاد الوطني الكوردستاني.
ففي وقته، طرح عادل مراد عضو اللجنة المركزية للاتّحاد الوطني الكوردستاني، على الدولة العراقية قطع موازنة إقليم كوردستان وعدم صرف رواتب موظّفي إقليم كوردستان، وقال: “آنذاك سترون كيف ستستلم لكم كوردستان!” أمّا بافل طالباني الذي عبّر عن دعمه لهذا الحراك ووضع كافة مؤسّسات الاتّحاد الوطني الكوردستاني في خدمة هذا الحراك وهذه الفعالية هو في الأساس من وقف مع العراق في قضية عدم إرسال الرواتب. فتوجه بافل طالباني الى المعتصمين في موقع الفعالية وأعرب عن دعمه لهم، فيبدو أنه بعدما خسر بافل بعد عرض مسرحيته الانتخابية يحاول عرض مسرحية المعتصمين المضربين عن الطعام لإخفاء هزيمته واستغلال الوضع لصالحه.
إن الدولة العراقية والنظام الشيعي، كـ نظام صدام حسين ومن قبله على مرّ الأزمان، لا يمكن أن يقبلوا بأن يعيش الكورد غير مضطهدين في العراق. رغم أنهم لن يقدروا على ذلك، فيحاولون التربع على أرض كوردستان كمستعمرين محتلين ناهبي خيرات كوردستان وأهلها، لذلك، فمنذ عام 2017، يحاولون الاستيلاء على كافة الموارد الطبيعية وثروات كوردستان السطحية والباطنية. لذلك فهم يستخدمون كافة مؤسّسات الدولة العراقية وقواتها العسكرية وحتى الميليشيات الشيعية كأسلحة ضدّ الكورد، فالعراق شمّر عن ساعد الجدّ في الاستيلاء على كوردستان ونهبها والقضاء على أي ثراء مهما كان ضئيلاً في عموم إقليم كوردستان.
سبب أزمة الرواتب هو نتيجة الاحتلال
إنّ أزمة الرواتب هي بمثابة سياسة العصا بيد الدولة العراقية تستخدمها ضدّ الشعب الكوردي، فرواتب موظّفي إقليم كوردستان لا تأتي من أربيل بل من بغداد، وبغداد تستخدم هذه الأزمة والمعضلة كحرب خاصة ضدّ الشعب الكوردي كلّ شهر في محاولة منها لتجويع الكورد وإشغالهم بما يمسّ عصب حياتهم وإرغام حكومة الإقليم على الاستسلام والخضوع… هذا هو جوهر قضية الرواتب وكنه هذه الأزمة.
هذه السياسة العراقية هي سياسة احتلال محض، وبعض الكورد يحاولون جاهدين التستّر على هذه السياسة المعادية للشعب الكوردي في الإقليم وإخفائها.
بعد سقوط نظام الأسد عاش العراق مخاوف كبيرة، تتجسّد في تقسيم العراق أو تحويله على أساس الديمقراطية، النظام الشيعي في العراق يتحرّك على أربعين وتر لإنقاذ نفسه، فها هو السوداني يرتحل بين إيران وأمريكا والسعودية من أجل دعم العراق والنأي به وإنقاذه من المستنقع الغارق فيه من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه!
فالدولة العراقية تهب النفط الكوردي وكل ثروات كوردستان للدول والشركات من أجل البقاء على قدميها. فباعت نفط كركوك لشركة بريتش بترول البريطانية في سبيل قطع الطريق أمام الكورد في ممارسة حقوقهم القومية-الوطنية، وسمحت لبريطانيا ببناء قاعدة عسكرية في بلدة القيارة/ الگيارة في الموصل، وقامت ببيع نفط خانقين لشركة صينية. بمعنى أن العراق يبيع النفط الذي يعتبر شرعياً للكورد وحلالاً كحليب الأم فقط لاستخدامه في إطالة عمره. بينما يحاول الجحوش-جاش إخفاء هوية الاحتلال للدولة العراقية كما فعل جحوش عام 66.
تسعى وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني جاهدة كلّ يوم في إضفاء الشرعية على ممارسات الدولة العراقية وتبريرها، تنشر أخباراً تقلّل من شأن حكومة أربيل وبيشمركة كوردستان والبارزانيين وتشويه صورتهم، ففي الوقت الذي تقطع الدولة العراقية موازنة إقليم كوردستان ولا ترسل رواتب موظّفي الإقليم تنشر وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني بكك أخباراً كاذبة تدّعي أن بارزاني لا يصرف الرواتب! وهذه المرة أيضاً زعمت أن الحكومة العراقية قامت بإرسال الرواتب إلى كوردستان. وهذا الولاء يشبه ولاء جراء الكلاب لأصحابها وأسيادها، وهذا هو صلب مهمة هذا الإعلام المعادي للكورد والموالي للدولة العراقية وسط دوامة الفوضى التي تعصف بالشرق الأوسط.
لو قام هؤلاء الأشخاص بالإضراب عن الطعام عندما تمّ تسليم كركوك للعراق عقب أحداث أبشع خيانة تاريخية تعرّض لها الكورد على يد الاتّحاد الوطني، لكان ذلك منبع فخر وشرف كبيرين للكورد أجمع.
لو أن هؤلاء الناس احتجوا عندما تم بيع نفط خانقين وكركوك للبريطانيين رغماً عن الكورد وأدانوا هذه الممارسات، لكنا قبّلنا أيديهم.
لو نظّم هؤلاء هذه الفعاليات عندما كانت مدن كوردستان وحقل كورمور تتعرّض لأبشع الهجمات الإرهابية وقصف ميليشيات الحشد الشعبي لكنا قبلنا أيديهم وأرجلهم، لكننا لا نكنّ أي احترام لأولئك الذين يصبحون موالين أتباعاً للدولة العراقية المحتلة باسم مسرحية الإضراب عن الطعام.
وعلى وجه الخصوص الاتّحاد الوطني وحزب العمال الكوردستاني بكك اللذان يبرّران احتلال الدولة العراقية بأجندتهما الخاصة القذرة، فلا نكنّ لهم أي احترام على الإطلاق.
وسيسجل التاريخ أن نفط كوردستان وثرواتها ومواردها الطبيعية كانت حلالاً للكورد مثل حليب أمهاتهم، وأن الدولة العراقية عندما حاولت الاستيلاء عليها ونهبها ومحاربة الشعب الكوردي بها… تعاون معها بعض الكورد كجحوش ومرتزقة ومطايا…