حرية أوجلان الجسدية-تحرير أوجلان…

تصريح دولت باخجلي في 22 تشرين الأول عام 2024، بجلب أوجلان إلى البرلمان التركي وانتفاعه بحقّ الأمل… شغل الرأي العام الكوردي وحشر أوجلان في جدول أعماله، ذهنية الدولة العميقة في تركيا أرادت إنهاء المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الخمسينية-استراتيجية الخمسين عاماً- لأوجلان بهذا الشكل.

Saving Private عبد الله أوجلان

فيلم (Saving Private Ryan- إنقاذ الجندي رايان) الذي أنتج عام 1998، تدور أحداث الفيلم حول عملية إنقاذ جندي أمريكي يدعى (رايان) خلال الحرب العالمية الثانية، حيث يكلّف الرئيس الأمريكي كتيبة من 8 جنود من النخبة بالذهاب إلى قلب المعركة وراء خطوط العدو والبحث عن الجندي ريان وإنقاذه، تلقت الكتيبة حتفها من أجل رايان… الفيلم الذي يحمل العديد من الدلالات والرسائل السياسية، يمجّد في الواقع موت الناس من أجل (رايان) فـ (رايان) مجرّد مبرّر، فوراءه نظام وزيف… كذلك بالنسبة للكورد، فيتمّ اقتيادهم منذ 26 عاماً عمداً في عملية “إنقاذ وتحرير عبد الله أوجلان”. فإذا فكّرنا فيما قاله عبد الله أوجلان: “أريد أن أخدم بلدي كجندي” فباستطاعتنا القول إن مقولة “إنقاذ الجندي عبد الله أوجلان” أليق وأنسب بهذا الوضع.

المصيدة الخمسينية-مصيدة الخمسين عاماً- لـ آبو

بعد سبعينيات القرن الماضي، اتّخذت الدولة التركية قضية أوجلان كخطوة استراتيجية تجاه الكورد، الجزء الأول من هذه الإستراتيجية التي يمكن أن نسميها (مصيدة أوجلان) هو إستراتيجية تحويل عبد الله أوجلان إلى الـقائد آبو وقبوله من قبل الكورد.

بين عامي 1974 و1998، حاولت الدولة التركية تحويل أوجلان إلى قائد وزعيم للكورد، على مدى الثمانينيات، صوّرت جميع المؤسّسات اليسارية المركزية في إسطنبول، مثل يالتشين كوجوك… أوجلان وقدّمته كـ (قائد-زعيم) الكورد، فالدولة التركية كانت قد أدركت حقيقة الطبيعة الاجتماعية للكورد وعلمتها، فكلّما زاد كره الأتراك وحقدهم لشيء ما، زاد تعلّق الكورد به. لهذا السبب تمّ تقديم أوجلان للكورد على أنه شخص تخشاه وتهابه الدولة التركية ولا تحبه وتبغضه… خلال هذه السنوات، حاول مبشّرو الدولة التركية أمثال يالتشين كوجوك ودوغو برينجك قبول أوجلان باعتباره أب الكورد بين الشعب الكوردي، ورغم كلّ تأريخ أوجلان المظلم، ورغم علاقاته المشبوهة والسرية مع الدولة التركية، ورغم اغتياله لعموم رفاقه القدامى ليتفرّد بالسلطة… رغم كلّ هذا قدّمته الدولة التركية على أنه “القائد آبو” للكورد.

عبد الله أوجلان-حزب العمال الكوردستاني بكك-الدولة التركية: يجب أن يموت الكورد من أجل أوجلان

كان أوجلان يفكر أنه: “كلّما تجمع الكورد حوله أكثر، كلّما أصبح أكثر أهمية بالنسبة للدولة التركية ولا يمكن الاستغناء عنه أو إيجاد بديل له” بينما تنظر الدولة التركية إلى هذه المعادلة بنفس الطريقة: “طالما يموت الكورد من أجل عبد الله أوجلان، فهم سيظلون دوماً تحت سيطرة الدولة وتحكّمها”.

في 15 فبراير/ شباط 1999، عندما عاد أوجلان إلى حضن تركيا، اتّخذ حزب العمال الكوردستاني بكك قراراً مهمّاً للغاية: “لن نكون مقيدين بقرارات قائدنا طالما ظلّ في الأسر”. وكان هذا القرار الذي اتّخذته القيادة آنذاك صائباً، لأن أوجلان قال على متن الطائرة: “أريد أن أخدم بلدي” علاوة على ذلك، من المستحيل أن تصدر قرارات مستقلة من شخص معتقل وأسير…

أراد حزب العمال الكوردستاني بكك أن “يعلن عبد الله أوجلان زعيماً روحياً-معنوياً له” وفي الممارسة العملية هم من يتّخذون قرارات الحرب والسلام بأنفسهم، إلّا أن ردّ فعل أوجلان على هذا القرار الذي اتّخذته اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكوردستاني كان قويا للغاية. لأن الدولة التركية استثمرت فيهم كثيراً “لاستخدامهم للتحكّم بحزب العمال الكوردستاني وإخضاع الكورد” وإذا رأت الدولة اليوم أن آبو لا يستطيع القيام بذلك، فإن حقه في الحياة سينتهي، كما كانت الدولة التركية تريد أيضًا أن يقود أوجلان التنظيم، في مارس/ آذار 1999، أرسل أوجلان رسالة هدّد فيها الهيئة القيادية لبكك والمؤسّسات الأوروبية للتنظيم، وقال أوجلان “أنا لست قائداً معنوياً، بل أنا الزعيم والقائد السياسي والعسكري الفعلي”. وفي عامي 1999 و2000، أرسلت الدولة التركية رسائل إلى الهيئة القيادية للحزب في قنديل كما أرسلت لجنة قالت: إذا رفض التنظيم أوجلان، فلن يُترك أي مسؤول وقيادي حيّاً” وهذا ما أجبر حتّى الأشخاص المستقيمين المعقولين في بكك أيضًا إلى الانضمام إلى حملة “إنقاذ أوجلان” وتحريره.

كان شعب باكور كوردستان-كوردستان تركيا دائماً ما يُستغلّ ويُحفّز ويحمّس بشعارات الحرب والمقاومة والنضال… ورغم انتهاء الحرب والقتال، أصبح واضحاً مدى سهولة تمكّن حزب العمال الكوردستاني من شدّ الشعب والكوادر بمعنويات أوجلان. وقالوا إن أوجلان يتعرّض لعزلة شديدة فخرج الشعب إلى الشوارع وقالوا: “قيادتنا تتعرّض للتسميم” ونظّم الناس حملات الإضراب عن الطعام، ووصل بكك آنذاك إلى حدّ القول: “أوجلان يتحدّث ويخاطب باسمنا”.

الجزء الثاني من مصيدة أبو: حرية أوجلان الجسدية

خلق أوجلان شرخاً عميقاً في سوسيولوجيا الشعب الكوردي كما وألحق ضرراً كبيراً به، فتمّ القضاء على أسمى مؤسّسات المجتمع كالأسرة والمرأة والزوجة-الزوج والدين والمؤسّسات التاريخية وتجريدها من أي معنى، والضرر الآخر كان تجاه حرمة حياة الإنسان، فـ “أوجلان “قدس حرق الناس لأنفسهم”. بعد عام 1988، صنع أوجلان مجموعة من المريدين له المتعلّقين به داخل حزب العمال الكوردستاني بكك، وخاصة بين النساء، وصنع لنفسه درعاً من أرواحهم وأجسادهم، فشرع حرق الناس أنفسهم. الخطوة الأولى خطّتها (سمى بوجه) فأضرمت النار بجسدها في 21 آذار/ مارس 1998 في السجن. كانت قد حُكم عليها بـالسجن 22 عاماً، ويقال بأنها عوقبت لأنها كانت على علاقة حب مع مسؤول السجون في حزب العمال الكوردستاني. وتمّ توصيفها بـ (منعدمة الأخلاق والخائنة…) بسبب علاقتها هذه، وفتحت بحقّها قضية تحقيق ومساءلة، كما كانت سما تعاني من مشاكل نفسية ويأس، ومن أجل أن تثبت نفسها للتنظيم أضرمت النار بجسدها.

ولكن عندما أحرقت سما نفسها كان عبد الله أوجلان يمضي سهرة مظلمة مع نسوة أخرى في قصره!

ماذا كان يفعل أوجلان عندما كان الناس يضرمون النيران بأجسادهم من أجله؟

منذ ذلك اليوم، أضرم أكثر من 200 شاب كوردي النار بأجسادهم من أجل أوجلان.

قام حزب العمال الكوردستاني ووسائل إعلامه وأوجلان بتشجيع شباب الكورد وتشويقهم لحرق أجسادهم، بعدها، أقدم نحو 200 شخص على حرق أجسادهم غالبيتهم في السجون وكذلك في الجبال وأوروبا. كان البعض منهم صغاراً لدرجة أنهم لم يستطيعوا فهم معنى الحياة وكانوا واقعين تحت تأثير الدعاية. كان معظمهم ممّن يعانون مصاعب الحياة الشاقة وفي النهاية سئموا من الحياة ويئسوا منها واستسلموا للموت. بعضهم لم يعد بإمكانه تحمل جحيم السجن، وبعضهم كانوا لاجئين يعانون أزمات نفسية، والأمر الملفت هو أنه عندما كان الناس ينظّمون الفعاليات تحت شعار (لن تستطيعوا حجب شمسنا) كان أوجلان يقول على متن الطائرة: “أمي تركية… أنا على أتمّ الاستعداد لخدمة تركيا!”.

فعاليات تحرير أجلان بعد 15 فبراير/ شباط

بعد 15 شباط/ فبراير، وخاصة بعد عام 2004، كانت نسبة 90% من الأنشطة والفعاليات التي نظّمها حزب العمال الكوردستاني بكك في أوروبا وباكور كوردستان-كوردستان تركيا وروجآفا كوردستان كانت فقط من أجل أوجلان-الحرية الجسدية لأوجلان.

– في عام 2004، تمّ إطلاق حملة للإفصاح عن الذات في باكور كوردستان. وكتب آلاف الأشخاص رسائل تقول: “عبد الله أوجلان هو زعيم الشعب الكوردي. وهو إرادتنا”. وسلّموها للدولة التركية، وقد دعمت الدولة بنفسها هذه الفعالية.

– في عامي 2005 و2006 انطلقت حملة تحت عنوان “أوجلان إرادتي السياسية”. وتمّ إشغال الكورد بهذه الحملة لمدة عام.

– في عام 2007، بدأت حملة بعنوان “كفى” وقام الكورد بالفعاليات من أجلها لمدة عامين.

– في عام 2007، ادّعى حزب العمال الكوردستاني أن “زعيمه آبو تعرّض للسمّ في إمرالي”. أضرب الناس عن الطعام وأحرقوا أنفسهم احتجاجاً وإدانة لـ “تسميم أوجلان”. وفي عامي 2007 و2008، كان الكورد منشغلين بهذا الأمر. وقد مرّت 18 عامًا على هذا الادعاء والزعم ولا يزال أوجلان الذي يبلغ من العمر 76 عامًا يتمتّع بصحة جيدة!

– في عام 2009 انطلقت حملة تحت عنوان “السيد أوجلان”. وعبّر الناس عن أنفسهم بقولهم: “أقول لأوجلان المحترم”. وقد أشغل حزب العمال الكوردستاني الكورد من تركيا إلى أوروبا بخطاب “المحترم” لمدة عامين.

– في عام 2012 بدأت حملات الإضراب عن الطعام في السجون. وتم استخدام كوادر حزب العمال الكوردستاني في السجون كأدوات في يد الحزب وقت الحاجة، وفي هذا العام كانت هناك لقاءات بين حزب العمال الكوردستاني والدولة التركية، استخدم خلالها الحزب كوادره في السجن لمدة 68 يوماً في هذه الحملات.

– في عام 2012 انطلقت حملة جمع التواقيع من أجل الحرية الجسدية لأوجلان، وانشغل الكورد بها لمدة عامين.

– الإضراب الذي بدأته ليلى گوفن عام 2018 له تاريخ مظلم من جميع الجوانب، فقد انتحر سبعة أشخاص في السجون وواحد في أوروبا بسبب أوجلان.

– منذ عام 2012 لغاية 2024، نظّم حزب العمال الكوردستاني عملية في ستراسبورغ لمدة 12 عامًا باسم المناوبة، بدأت بالمسيرات الطويلة، وتمّ إشغال جماهير الحزب في أوروبا وتضليلهم بهذه الفعالية.

هذا الموجز واللمحة التأريخية تظهر كيف قدّمت الدولة التركية عبد الله أوجلان باعتباره زعيماً كوردياً وفق خطة استراتيجية محكمة.

فقد مرّ 26 عاماً وعوض أن ينظّم الكورد فعاليات وأنشطة من أجل اللغة الكوردية والثقافة الكوردية وحقوق شعبهم، انخرط الكورد في حملات تحرير عبد الله أوجلان ما أبعدهم عن أهدافهم الكوردستانية.

يرتبط اسم عبد الله أوجلان بجثامين شباب الكورد، بهذه الطريقة يتمّ إخفاء الدمار والكوارث التي صنعها أوجلان وتنظيمه، كما يتمّ التلاعب بعقول الكورد وخداعهم، ولن يستطيع علماء الاجتماع والمؤرخون الكورد من كتابة التاريخ الحديث والقريب لكوردستان ما لم يدرسوا هذه الفترة وهذه الحقبة عن كثب ويدرسوا ويحلّلوا استراتيجية (مصيدة أوجلان).

والآن تريد الدولة التركية قطف ثمار استراتيجية أبو التي استمرت لمدة خمسين عاماً. وتحاول استخدام أوجلان ضدّ الأمل الكوردي الذي نما في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا.

مقالات ذات صلة