رغم محاولات الحكومة العراقية حصر السلاح بيد الدولة، يفتح انخراط ميليشيات وفصائل الحشد الشعبي في جبهات خارجية، مثل اليمن، باب التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين بغداد وهذه الميليشيات المسلّحة الموالية لطهران، وما إذا كانت مرحلة التفاهم والحوار قد تنقلب إلى مواجهة مفتوحة، بحسب خبراء قالوا إن توريط تلك الميليشيات في صراعات خارجية يعمّق عزلتها، ويضع الحكومة في موقف حرج.
وكانت مصادر عسكرية عراقية كشفت عن وصول عناصر من بعض الميليشيات العراقية إلى اليمن، بهدف تقديم دعم فني وتقني مباشر لميليشيا الحوثي، في تصعيد جديد يعكس تطورًا نوعيًا في مهام هذه الميليشيات خارج الحدود العراقية.
وتصاعدت التحذيرات في العراق من أن يؤدّي هذا الانخراط المتزايد لميليشيات الحشد الشعبي في الجبهة اليمنية إلى انعكاسات خطيرة على الأمن الداخلي والاستقرار السياسي، خصوصًا في ظلّ مخاوف من أن تتحوّل الأراضي العراقية إلى ساحة ردّ فعل من قبل أطراف دولية لاستهداف ميليشيا الحوثي.
تعميق العزلة
ويرى مراقبون أن توريط الميليشيات العراقية في صراعات خارجية يعمّق عزلتها، ويضع الحكومة في موقف حرج، خاصة مع تزايد الضغوط الغربية لإعادة ضبط علاقتها بهذه الميليشيات المسلّحة، ومنعها من استخدام الأراضي العراقية كنقطة انطلاق لعمليات عسكرية خارجية.
وبدأ يتشكّل رأي عام عراقي بضرورة وضع حدّ لنشاط هذه الميليشيات المسلّحة، من خلال مواجهة منهجية تأخذ بعين الاعتبار جميع الوسائل المتاحة، سواء عبر الحوار السياسي أو تطبيق القانون بالقوة، بهدف تجنيب العراق تبعات الانخراط في صراعات إقليمية لا تخدم مصالحه، والحفاظ على سيادته واستقراره الداخلي.
هشاشة الدولة
ويرى ناشطون وسياسيون أن تجاهل هذا التمدّد الإقليمي للميليشيات قد يفتح أبوابًا جديدة للعقوبات الدولية، ويعزّز من هشاشة الدولة أمام تحديات أمنية متفاقمة على حدودها وفي عمقها الداخلي.
وفي هذا الإطار، قال الباحث في الشأن الأمني، حميد العبيدي، إن “الأطواق الإيرانية في المنطقة بدأت تتهاوى، فبعضها قد انكسر بالفعل، مثل حزب الله اللبناني، ونظام بشار الأسد في سوريا، وميليشيا الحوثي في اليمن، ما يشير إلى أن الدور قادم على الميليشيات العراقية التي باتت في عين العاصفة”.
وأضاف العبيدي بأن “المساعي السياسية الجارية حاليًا لتعديل قانون الحشد الشعبي، ينبغي أن تُستثمر كفرصة لإعادة هيكلة هذا التشكيل الأمني وتصفيته من الميليشيات المسلّحة غير المنضبطة، التي تستغل غطاء الحشد للعمل خارج إطار الدولة وأجندتها الوطنية”.
التمسك بالسلاح
وبرغم مزاعم المساعي الحكومية نحو إنهاء وجود الميليشيات المسلّحة الموالية لطهران، فإنها لا تزال تُبدي إصرارًا واضحًا على التمسك بسلاحها ومواقع نفوذها، ما يكشف وجود قناعة راسخة لديها بأنها أصبحت جزءًا من المعادلة السياسية والأمنية في العراق، وليست مجرّد ظاهرة عابرة يمكن إنهاؤها بقرارات إدارية.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات لحلّ ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية العراقية والموالية لطهران وحصر السلاح بيد الدولة، تفتح هذه الجماعات أبوابها أمام حركة الحوثيين، حيث أشارت تقارير أمريكية إلى أن الميليشيات الموالية لإيران وفّرت للحوثيين حضورًا متناميًا داخل الأراضي العراقية، لا سيما في محافظات ديالى وبغداد وكركوك.
ويثير هذا التحوّل مخاوف من تحوّل العراق إلى ساحة جديدة للصراع، واحتمالية تنفيذ ضربات أمريكية على مواقع الميليشيات بوصفها امتدادات لهيكل الحوثيين خارج اليمن.
عزل الساحات
بدوره، قال الخبير الاستراتيجي علاء النشوع إن “الضربات الأمريكية المدمّرة التي استهدفت البنية العسكرية للحوثيين في اليمن، تكشف عن تحوّل استراتيجي تقوده واشنطن لعزل الساحات وضرب القيادات الفاعلة وشل حركتها”.
وأكّد النشوع أن هذا “قد يتكرّر في العراق، خاصة في ظلّ تراجع القدرات الإيرانية وتخلّي طهران التدريجي عن بعض حلفائها في المنطقة، كما فعلت سابقًا مع حركة حماس وحزب الله اللبناني وبشار الأسد”.
وأضاف بأن “الميليشيات العراقية أصبحت في واجهة الحسابات الدولية، بعد أن فقدت إيران السيطرة الكاملة على مجريات الصراع”.
من جانبه، أكّد الخبير في الشأن الأمني العراقي رياض الجبوري، إن ممارسة الميليشيات العراقية أدوارًا تنفيذية عسكرية خارج الحدود، تطور يحمل في طياته مخاطر قانونية وأمنية كبيرة على العراق.
الجبوري قال إن “المعطيات الحالية تشير إلى تحوّل نوعي في طبيعة المهام التي تضطلع بها بعض الميليشيات العراقية، إذ لم تعد تكتفي بدور الداعم، بل باتت تُمارس أدوارًا تنفيذية عسكرية خارج الحدود، وهو تطور يحمل في طياته مخاطر قانونية وأمنية كبيرة على العراق”.
وأضاف الجبوري بأن “انخراط هذه الميليشيات في اليمن قد يفتح الباب أمام إعادة تصنيفها دوليًا كقوى إرهابية عابرة للحدود، خاصة إذا ما تمّ رصد أدلة على استخدام الأراضي العراقية كنقطة انطلاق لعمليات الدعم أو التخطيط، ما يضع الحكومة في زاوية حرجة أمام شركائها الدوليين ويُعرض سيادة العراق إلى تهديدات فعلية”.
وبانخراط ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية العراقية في مساندة الحوثيين، سواء عبر إرسال عناصر إلى اليمن أم تقديم دعم لوجستي وتقني من داخل العراق، تتصاعد الأسئلة حول عودة تلك الميليشيات للعمل وفق ما يُعرف بـ”وحدة الساحات” وما إذا كانت تتحرّك ضمن استراتيجية إيرانية موحّدة لفتح جبهات متزامنة تربك واشنطن وتعيد رسم معادلة الردع في أكثر من ساحة.
وكان عضو في الكونغرس الأمريكي من الحزب الجمهوري، انتقد القانون الجديد في البرلمان العراقي بشأن الحشد الشعبي، واصفًا إياه بـ “العبثي”.
وقال جو ويلسون، عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري والمقرّب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منصة (اكس): “قد يزداد الوضع سوءًا بإضفاء الشرعية على الميليشيات التابعة لإيران”.
وأشار إلى أنه “يجب حلّ ميليشيات الحشد الشعبي بالكامل”، مؤكّداً أن “ترامب سيجد الحلّ”.