مستقبل روجآفا كوردستان… من خطيئة الكانتونات إلى حقيقة الفيدرالية

مستقبل روجآفا كوردستان... من خطيئة الكانتونات إلى حقيقة الفيدرالية

منذ تسعينيات القرن الماضي، تدور منطقة الشرق الأوسط في خضم زوبعة تفكك وعملية إعادة بناء. خلقت هذه الأزمة فرصاً وكذلك مخاطر بالنسبة للكورد، هذه المرحلة من الأزمة العاصفة بالشرق الأوسط والتي كانت مركزها العراق تمخّضت عن ولادة إقليم كوردستان-جنوب كردستان وتحوّله إلى كيان اتحادي-فيدرالي.. أما المرحلة الثانية، والتي كانت مركزها في سوريا فقد بدأت في عام 2012، وهي الآن في صميم النقاش والجدل حول ما ستتمخّضه المرحلة الثانية بالنسبة للكورد.

كونفرانس كورد روجآفا كوردستان والآمال والتطلّعات الواقعية

عندما كتبت هذه الأسطر والجمل لم يكن مؤتمر وحدة الصف والموقف الكوردي في روجآفا كوردستان قد استهلّ بعد، وهذا المؤتمر لن يكون مؤتمراً حاسماً للكورد في روجآفا فحسب، بل هو كذلك لجميع الكورد في كافة أجزاء كوردستان، ورغم آمالنا الكبيرة وتطلّعاتنا الكثيرة واللامحدودة من الناحية العاطفية، إلّا أنّه ليس بمقدورنا السعي وراء تطلعات وهمية دعاية ونصبها أمام أعيننا، بل يتحتّم علينا أن نكون واقعيين في آمالنا وطموحاتنا وأهدافنا في المقام الأول. ويمكن أن يصبح هذا المؤتمر أساساً ولبنة أولى لتشكيل مؤتمر وطني لجميع أجزاء كوردستان الأربعة، لكن مهمته الرئيسية الآن تتمثّل في تهيئة الأرضية وفتح الطريق أمام توحيد مطالب المجلس الوطني الكوردي في سوريا (ENKS) وحزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD)، فالحركتان رغم اختلافاتهما العميقة جدّاً من حيث التنظيم والاستراتيجية والفكر، قد اعتمدتا الآن مبادئ مشتركة لمواجهة الأوضاع الحالية ومجابهة الفترة الراهنة.

فقد وقف المجلس الوطني الكوردي في سوريا في المكان المناسب والصحيح منذ بداية الثورة السورية. فلم يكن داعماً لنظام الأسد، ويتمتّع بقوته العسكرية، لكنه يعاني ضعفاً من حيث التنظيم والانضباط الحزبي، وبقي المجلس صامداً واقفاً على قدميه أمام التطورات كما هو الآن بفضل دعم الرئيس بارزاني، ولا صحة لاتّهامات حزب العمال الكوردستاني بكك للمجلس بالخيانة والعمالة.

بينما حزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD) يعدّ هيكلاً بككياً تمّ بناؤه في بداية الأحداث السورية عام 2013، فقد انخرط حزب العمال الكوردستاني في جبهة وتحالف الأسد وإيران، وبطبيعة الحال انخرط حزب الاتّحاد الديمقراطي في أطر حزب العمال الكوردستاني بكك، ولكن عندما انضمّت الولايات المتّحدة والدول الغربية إلى الصراع على الساحة السورية، تمزّق قناع النظام السوري عليهم تدريجيًا، بمعنى أنه رغم أن حزب الاتّحاد الديمقراطي كان صنيع حزب العمال الكوردستاني ومرتبطاُ به إلّا أنه بسبب أمريكا والظروف والأوضاع الراهنة تمّ تغيير مسار هذا الحزب شيئاً فشيئاً، لكن رغم هذا بقي الاتّحاد الديمقراطي مرتبطاً بالعمال الكوردستاني بأكثر من 100 رابط، لكننا لا نستطيع أن نتجاهل قوته العسكرية وانضباطه التنظيمي.

وكما قلنا نرى أن المجلس الوطني الكوردي يقف في المكان الصحيح، ولكن النظام والانضباط ضعيف وهشّ، بينما حزب الاتّحاد الديمقراطي يقف في المكان الخطأ، لكنه يتمتع بنظام قوي وانضباط شديد.

بعد سقوط نظام الأسد وانهياره، شمّر الرئيس بارزاني وقوى روجآفا كوردستان عن ساعد الجدّ لجمع هاتين القوتين تحت مظلة واحدة ولقائهما عند نقطة مشتركة، بمعنى أنه حتى في كونفرانس الوحدة كانت الإرادة الخارجية هي التي فرضت عليهما ضغوطاً أكبر من إرادتهما، فلو كان الأمر بيد كوادر حزب العمال الكوردستاني بكك في حزب الاتّحاد الديمقراطي أمثال آلدار خليل لما أبصر مثل هذا المؤتمر النور ولم يكن لينعقد على الإطلاق، ولما كانت قد ظهرت مثل هذه الوجوه في مناقشات وحوارات المؤتمر. بمعنى أنه ليس من قبل المحتلين فحسب، بل هناك أطرافاً محسوبة على الكورد ايضاً لم ترغب في عقد مثل هذا المؤتمر ومستاءة منه ومتضايقة، وعلينا أن نرى هذه الحقائق ونتقبلها وألّا نبني آمالنا العظيمة على أن هذا المؤتمر سينهي حقبة مريرة من الصراع والتحدّي وحلّ عموم المشاكل والخلافات بين هاتين القوتين. لذلك يجب علينا أن نبني آمالنا على ثلاث نقاط:

  • يجب تحرير روجآفا من انعدام التسمية وإخفاء والهوية.

يجب على روجآفا كوردستان أن يتمتّع باسمه الحقيقي، فعوض المفاهيم المغلوطة والغامضة التي تفتقد للهوية مثل شمال شرق سوريا، يجب أن يمثّل روجآفا حقيقة الكورد وكوردستان على الساحة، ففي الماضي ونتيجة العبارات الأيديولوجية المشبوهة والمغرضة لعبد الله أوجلان والأجندة المظلمة لحزب العمال الكوردستاني بكك لم يتمّ استخدام اسم روجآفا كوردستان كما هو، بحيث وصل الأمر عام 2017 أن يحقّق رئيس مجموعة حزب الشعوب الديمقراطي، أحمد يلدرم، مع الصحفيين الذين استخدموا اسم روجآفا كوردستان، فقال: “لا يجوز لكم استخدام اسم روجآفا كوردستان بعد الآن. هذه المنطقة هي شمال سوريا!” فيجب على هذا المؤتمر أن يتحرّر من هذه الإخفاءية وانعدام الاسم والهوية، فعندما يضع اسمه بشكل صحيح وسليم، فسوف يعبّر أيضًا عن طموحاته ومطالبه بشكل صحيح.

  • نموذج الكانتونات كانت عملية تضليل وخداع… ويجب المطالبة بالفيدرالية.

هناك من يريد أن يقدّم لنا إنجازات ومكاسب روجآفا كوردستان على أنها إنجازات حزب العمال الكوردستاني بكك، وهذه رؤية خاطئة عارية عن الصحة تماماً، نعم، قد تكون هناك لمسات لنضال مقاتلي حزب العمال الكوردستاني في روجآفا كوردستان، إلّا أن الوضع هناك مرتبط تماماً بالوضع الدولي. ومنذ عام 2011، سعى حزب العمال الكوردستاني حثيثاً إلى الحفاظ على وحدة الدولة السورية، واستخدم عشرات الأساليب الخداعية الاحتيالية لمنع تحقيق المطالب الكوردية والكوردستانية، وجميعنا يتذكّر جيداً عندما قال دوران كالكان ذات مرة: “عندما نقول الكورد في العالم الجميع يتذكّرون البارزاني، لذلك، دعونا لا نستخدم كلمة الكورد في روجآفا كوردستان!”.

ويتمّ استخدام نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية ونموذج الكانتونات في روجآفا كوردستان منذ 13 عامًا. وهذا مرتبط بحاجة وضرورة حزب العمال الكوردستاني إلى إبقاء روجآفا كوردستان بلا استراتيجية. ولم يتمكن هذا النموذج والطراز الجديد من الحكم من تحويل الإنجازات والمكتسبات الكوردية لـ مؤسّسة رسمية، وباتت إدارة حزب الاتّحاد الديمقراطي نفسها تطالب علانية بالفيدرالية، ولكن يجب ألّا ننسى أنه تمّ ضياع هذه الأعوام الـ 13 بالنسبة للكورد، وبالنسبة لمستقبل روجآفا كوردستان فإن الحلّ الحقيقي والأكثر واقعية هو المطالبة بالفيدرالية. فالفيدرالية ستخلق كياناً آمناً دستوريًا كما ستخلق عنوانًا إقليميًا ودوليًا لروجآفا كوردستان، فالصرح الفيدرالي سوف يسمح للكورد بالحفاظ على أنفسهم في معترك هذه الفوضى والاضطرابات والاستعداد للمستقبل…

  • يجب بناء التعاون مكان التحدّي والثقة مكان التسقيط والتشويه…

ما زال حزب العمال الكوردستاني بكك مستمراً في ممارسة سياسة تسقيط وتشويه حركة البارزاني، ولو لم يتمّ بناء تعاون سليم وتنسيق صحيح بين حزب الاتّحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي في سوريا فلن تتحقّق الوحدة. لا ينبغي لطرف أن يقول نحن أرباب كلّ شيء، ينبغي بناء الثقة والتعاون والشراكة والتآزر مكان هذا، المنافسة السياسية والسباق السياسي شيء آخر، والخطوات الرامية إلى تغيير قدر الكورد ومصيرهم أيضاً شيءٌ آخر ومغاير، وكان من المفترض عقد هذا المؤتمر قبل عام 2013، ولو تمّ تنفيذ اتّفاقية أربيل ودهوك عام 2013 لكانت الأوضاع مغايرة تماماً والنتائج مختلفة، ولكن للأسف الشديد، فإن العمال الكوردستاني بكك احتال على جميع الأطراف وأغلق الطرق أمام الوحدة.

الشيء الصحيح الذي ينبغي لروجآفا كوردستان فعله هو أن يقرّر مصيره بنفسه. لا يجوز التضحية بروجآفا كوردستان من أجل جزء آخر من كوردستان أو من أجل حزب واحد. لهذا السبب، يتعيّن على حزب العمال الكوردستاني أن يتخلى أولاً وقبل كل شيء عن ادّعاءاته بالحقوق والسيادة والصاحب لروجآفا كوردستان، للحركة السياسية للبارزاني تاريخ عريق في النظامين الفيدرالي والكونفدرالي. وقد تبنّت نموذج الفيدرالية منذ بداية الألفية الثانية، ورغم كلّ عيوب هذا النظام، فهو نموذج حكم يمكن للجميع الاستفادة منه، لذلك، علينا أن نرى أن التعاون والتنسيق بين روجآفا كوردستان وأربيل سيجلب الحرية للكورد، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون بمثابة شمعة أمل في دمقرطة الشرق الأوسط.

الخلاصة: يجب تصحيح الأخطاء القديمة وبناء مستقبل مشترك ومشرق، وكما قلنا كان من المفترض أن يعقد هذا المؤتمر قبل 13 عامًا، ولكننا لا نزال قادرين على تلافي هذه العملية، ويبدو أن الأطراف السياسية الفاعلة في روجآفا كوردستان متّفقة على حلّ فيدرالي، ورغم كونها خطوة متأخرة ولكنّها قيمة وجديرة، مبارك هذا الكونفرانس لعموم الكورد وعلى وجه الخصوص شعب روجآفا كوردستان الذي قدّم تضحيات كبيرة مقابل هذا الإنجاز، ونأمل أن تتنعّم قلوب جميع الكورد بنسيم حرية واستقلال روجآفا كوردستان…

مقالات ذات صلة