اندلعت اشتباكات بالأسلحة في محيط مدينتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، اللتين تشهدان حضوراً لسكان من الطائفة الدرزية وطوائف وأديان أخرى، إثر هجوم مجموعات مجهولة، فجر اليوم الثلاثاء، ترفع شعارات دينية وطائفية على المدينتين، تصدّت لها فصائل أهلية، حسبما ذكر شهود عيان ووسائل إعلام محلية، اليوم الثلاثاء.
وارتفعت حصيلة الضحايا في الاشتباكات العنيفة في مدينة جرمانا إلى 12 قتيلاً وأكثر من 15 جريحاً، غالبيتهم من الطائفة الدرزية، وفق مصادر محلية، من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، وأن الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب وجود إصابات حرجة.
وشهدت جرمانا منذ ساعات الصباح الأولى حالة استنفار أمني غير مسبوقة، مع استمرار تبادل إطلاق النار بين مجموعات مسلّحة عند حواجز متفرقة، أبرزها حاجز النسيم ومنطقة المليحة، وقد انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر سقوط قذائف على أحياء سكنية، بينها حي التربة، دون الإبلاغ عن إصابات في تلك المناطق. وفي بلدة صحنايا المجاورة، وردت أنباء عن محاولة اقتحام لنقطة أمنية عند القوس والبنك العربي، مع تسجيل إصابتَين على الأقل.
وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا” إنّ قوات الأمن العام انتشرت على أطراف مدينة جرمانا “منعاً لأي تجاوز حاصل، وذلك في إطار الجهود الرامية لضبط الأمن وتعزيز الاستقرار في المنطقة” حسب البيان.
وأعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الثلاثاء، عن وقوع “تطوّرات أمنية خطيرة” في مدينة جرمانا، مشيرة إلى انتشار مكثّف لقوات الداخلية والدفاع في محيط المدينة بهدف منع وقوع اشتباكات.
وتأتي الاشتباكات على خلفية انتشار تسجيل صوتي يحمل إساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم، نُسب إلى أحد شيوخ الطائفة الدرزية الذي نفى من جهته تماماً في مقطع فيديو مسجّل أن يكون الصوت الظاهر في التسجيل صوته.
وقالت وزارة الداخلية السورية في بيانها إنها “تتابع باهتمام بالغ” انتشار هذا التسجيل، وأكّدت أنه تبين من خلال تحقيقاتها الأولية أن “الشخص الذي وُجهت إليه أصابع الاتهام لم تثبت نسبة الصوتية المتداولة إليه”، وأكّدت الوزارة أن العمل جار لتحديد هوية صاحب الصوت وتقديمه للعدالة لينال العقوبة التي يستحقها، وفقا للبيان.
وشدّدت الداخلية في بيانها على “أهمية الالتزام بالنظام العام، وعدم الانجرار إلى أي تصرفات فردية أو جماعية من شأنها الإخلال بالأمن العام أو التعدي على الأرواح والممتلكات” كما أكّدت على أن “الدولة قائمة بدورها الكامل في حماية المقدسات ومحاسبة المسيئين إليها بكل حزم ومسؤولية” محذّرة من “أي تجاوز للقانون سيقابل بإجراءات صارمة لضمان حفظ الأمن والاستقرار”.
ورغم إطلاق هذه التحذيرات، لم تلق هذه الدعوات آذانا صاغية عند بعض الفصائل التي وصفها شهود عيان بـ “المتشدّدة” ضمن وزارة الدفاع السورية، ونشرت وسائل إعلام محلية مقاطع فيديو لعناصرها وهم يطلقون شعارات طائفية أثناء الاشتباكات.
يذكر أن انتشار التسجيل الصوتي كان قد أدى إلى قيام مجموعات طلابية في محافظتي حمص ودمشق بالاعتداء على مساكن لطلاب ينحدرون من محافظة السويداء قبل أن يتدخل الأمن ويعيد الاستقرار بعد التوتر الذي جرى، وفق ما ذكرته وسائل إعلام سورية محلية، كما شهدت بعض المحافظات احتجاجات محدودة رُفعت في بعضها شعارات طائفية حسبما أظهرت مقاطع متداولة منذ الأمس على وسائل التواصل الاجتماعي.
وسارعت المرجعيات الدينية والوجهاء في السويداء ودرعا ودمشق إلى إصدار بيانات استنكارية، مؤكّدة رفضها لأي إساءة إلى المقدسات الإسلامية، مع تحذيرها من محاولات “إشعال الفتنة الطائفية” ففي بيان صادر عن عشائر آل عامر والنوفل والقيسية والشريطي، جرى التأكيد على أن “الدين لله والوطن للجميع” مشدّدين على أنّ التسجيل الصوتي “مشبوه ويهدف إلى زعزعة الاستقرار”.
وأتى هذا التوتر بعد أكثر من شهر على أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري قتل خلالها نحو 1700 شخص غالبيتهم من العلويين، سلطت الضوء على التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة في سوريا بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات عقب إطاحة الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر.
المرجعية الدينية الدرزية في جرمانا تندّد بـ “هجوم غير مبرّر”
وقالت الهيئة الروحية لطائفة المسلمين الموحّدين الدروز في جرمانا في بيان تلقته فرانس برس “إنّنا إذ نستنكر أشدَّ الاستنكار أيَّ تعرض بالإساءة إلى النبي الأكرم.. فإننا نعتبر ما تمَّ تلفيقه من مقطع صوتي بهذا الخصوص.. مشروعَ فتنةٍ وزرعاً للانقسام بين أبناء الوطن الواحد”.
كذلك، ندّدت بـ “الهجوم المسلّح غير المبرّر على مدينة جرمانا الذي استُخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، واستهدف المدنيين الأبرياء، وروَّع السكان الآمنين بغير وجه حق”.
ورأت أن “حماية أرواح المواطنين وكرامتهم وممتلكاتهم هي من أبسط مسؤوليات الدولة والأجهزة الأمنية” محمّلة “السلطات المسؤولية الكاملة عمّا حدث، وعن أي تطورات لاحقة أو تفاقمٍ للأزمة”.