من الأكثر خيانة في باكور كوردستان أوجلان أم الجحوش-جاش؟

من الأكثر خيانة في باكور كوردستان أوجلان أم الجحوش-جاش؟

قرار حزب العمال الكوردستاني بكك بحلّ نفسه وفسخه، قرار يجب على جميع الكورد أن يدعموه، إذ يمنح هذا القرار الكورد فرصة أخرى لإنشاء مسار وطني-قومي حرّ لأنفسهم، ومن المهم جداً أن يتمكن الكورد من إنقاذ أنفسهم من الخراب والدمار والإرهاب العاطفي والفكري الذي صنعه وأحدثه حزب العمال الكوردستاني بكك في عقول وذهنية الشعب الكوردي من خلال مفاهيم مثل “الحرب، السلاح، الشهداء والمقاومة…”.

ولكن علينا أن نرى الحقيقة المتجسّدة في أن آثار حزب العمال الكوردستاني على المجتمع الكوردي لن تنكسر وتنتهي بسهولة وسرعة، لأن الدولة ورغم أنها تريد أن يحلّ حزب العمال الكوردستاني بكك نفسه ويفسخ تنظيمه ويتخلّى عن سلاحه ويسلّمه، لكنها في الوقت نفسه لا تريد انتهاء سيطرة حزب العمال الكوردستاني على الكورد وتحكّمه بهم، لأن الدولة تسيطر على عموم الكورد وتتحكّم بهم من خلال حزب العمال الكوردستاني. لذلك فهي لا ولن تسمح بنشوء حركة تحرّرية مستقلة خارج أطر حزب العمال الكوردستاني بكك في كوردستان. وفي الوقت نفسه، لا يريد قادة حزب العمال الكوردستاني التخلّي عن سلطتهم ونفوذهم الراهن، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من المناضلين والسياسيين والكوادر ورجال الأعمال في تركيا وأوروبا وأماكن أخرى الذين يستمدون الريع السياسي والاقتصادي من وجود حزب العمال الكوردستاني ويستفيدون منه، وهذه الحقيقة تظهر لنا أنه لا الدولة ولا الأطراف المحيطة بحزب العمال الكوردستاني بكك لن تتقاربا كثيراً من التنظيمات والكيانات الكوردية الأخرى والتي ستتأسّس بعد انهيار العمال الكوردستاني، بل باستطاعتنا القول أنهما سيعاديان هذه الحركات والتنظيمات الكوردية.

بمعنى، حتى لو تخلّى حزب العمال الكوردستاني عن سلاحه، فإنه لن يتخلّى عن موقفه الذي يعتبر المعوّق الرئيسي أمام الكورد من التحرّر من هذه المصيدة، ولكي يتمكّن الكورد من تخليص أنفسهم من هذه المصائد والمكائد عليهم أن يقوموا بتحليل واسع وشامل لجميع المفاهيم والشعارات التي زرعها حزب العمال الكوردستاني في عقول الكورد وذهنيتهم خلال الـ 40 عاماً الماضية، وبالأخص الـ 20 سنة الأخيرة منها، على سبيل المثال، يجب تعريف مصطلحات ومفاهيم (الخيانة والخونة) والوقوف عليها مرة أخرى ومن جديد، والحق نقول: من هو الخائن في كوردستان؟

من الضروري عدم غلق الزرّ الأول بطريقة خاطئة…

إذا لبست قميصاً وقمت بغلق أزراره، فلو قمت بغلق الزر الأول من قميصك بطريقة خاطئة، فجميع الأزرار الأخرى ستغلق بطريقة خاطئة ولن تستقيم، كذلك، حزب العمال الكوردستاني بكك، فإذا لم تفهم حقيقة بداية الحزب وتأسيسه بشكل صحيح وسليم، فإن أي تحليل ودراسة و… متعلقة بالحزب بعدها ستكون خاطئة، وإذا أردت تحليل ودراسة حزب العمال الكوردستاني بكك فيجب عليك أولاً أن تعلم أن عبد الله أوجلان وحزب العمال الكوردستاني لم يكونا معصومين بريئين منذ بدايتهما، فعندما نقول بأن الدولة التركية أسّست حزب العمال الكوردستاني على يد أوجلان فإننا نتعرض للهجوم والانتقاد. سواء من الدولة نفسها أو حزب العمال الكوردستاني فكلاهما يهاجمان، في الوقت نفسه، هناك بعض الاستياء من جانب بعض الناس، الأمر ليس بهذه السهولة، فقد فَقَدَ الآلاف من الناس حياتهم حول حزب العمال الكوردستاني بكك. انضمّ 5-6 أشخاص من بعض العائلات إلى حزب العمال الكوردستاني. فعندما تقول إن أوجلان أسّس حزب العمال الكوردستاني بدعم من الدولة وإيعازها، فقد لا يتمكّن المرء من تقبّل هذه الحقيقة بمشاعره وأحاسيسه، فهم في الوقت نفسه، يخشون أن انهيار النظام الذي يستندون عليه ويعتمدونه، لذلك فهم مستاؤون غير راضين، ولكن نعم، ما لم تعرفوا حقيقة بداية حزب العمال الكوردستاني، فلن تتمكّنوا من اتّخاذ خطوة صحيحة وسليمة من أجل الكورد.

الانتقاد الموجّه لحزب العمال الكوردستاني ليس في ارتكابه بعض الأخطاء في تكتيكاته وسياساته

أخطاء وأذناب حزب العمال الكردستاني ليست أخطاءً سياسية وتكتيكية. لقد قام حزب العمال الكوردستاني بشكل متعمد وموجّه بإبعاد وإخراج الحركات الكوردية والكوردستانية بعيداً عن محورها ومسارها، لذلك فإن أكبر عائق أمام النضال الوطني-القومي للكورد هو أوجلان والتنظيمات والهياكل التي يقودها، ولكي يتمكّن الكورد إنجاح نضالهم وكفاحهم الذي دام قرناً من الزمان. يجب عليهم إزالة وهدم وإلغاء هذا النظام الذي تمّ إنشاؤه باسم أوجلان. فتعالوا معاً نكشف مرة أخرى عن دور حزب العمال الكوردستاني بكك من خلال بعض الحقائق التأريخية.

الدولة التركية عجزت عن صهر الكورد وإذابتهم في بوتقتها…

الدولة التركية كيان لا يتعدّى عمره قرناً من الزمان. وهذا يعني في الأساس أن الأشخاص الذين نراهم في تركيا الآن ليسوا أشخاصاً ولدوا في الشرق الأوسط، وهم ليسوا من الأتراك الأصليين. 10% من السكان هم من الأتراك القادمين من آسيا الوسطى، في حين أن 90% الباقية هم من اللاز والروم والغجر والأرمن والألبان والبوسنيين والبلغاريين وغيرهم من الشعوب من غير المسلمين، وقد أصبحوا جميعهم أتراكًا، بعضهم اندمج وانصهر بين الأتراك وأصبح تركيًا بمحض إرادته دون اضطهاد وقهر، لكن وضع الكورد مختلف تمام الاختلاف عن هؤلاء، فقد بدأت عمليات انصهار الكورد وإذابتهم في بوتقة التتريك في نهاية الإمبراطورية العثمانية أثناء فترة الاتحاد والترقي. ويشتهر السلطان عبد الحميد بمقولته الشهيرة عن الكورد، فكان يقول: “يجب علينا أن نلين مشاعر الكورد في داخلنا، يجب أن نذيبهم وننصهرهم وجعلهم ملكاً لنا” فكانوا يدركون آنذاك جيداً أن الكورد ليسوا مثل بقية الأمم والشعوب، ولن يستسلموا لهم بمحض إرادتهم، لذلك استخدم عبارة “سنجعلهم ملكاً لنا”.

فبدأت الدولة التركية في بداية تأسيسها بصهر الكورد ثقافياً وجسدياً، في عام 1938 لغاية أوائل الستينيات، كان الصمت قد خيّم على الكورد والكوردايتي، ولكن، التغييرات التي حصلت في العراق وعودة الملا مصطفى البارزاني من روسيا إلى كوردستان، والمطالبة بالاستقلال وبدء النضال المسلّح للحركة التحررية الكوردية أعادت الروح إلى القضية الكوردية وبعثتها من جديد، كلّ هذا كان يشكّل كبرى مخاوف الشعب التركي، وقرّرت تركيا مثلما قال السلطان عبد الحميد الثاني بتليين الكورد استهلالاً لصهرهم.

تأسيس ثلاث منظمات للأتراك لانصهار الكورد وإذابتهم

ولمواجهة هذه المخاوف والمخاطر والتهديدات، أرادت الدولة التركية تشكيل ثلاث منظمات لاحتلال الكورد داخلياً وتليينهم، وشمّرت عن ساعد الجدّ في بداية سبعينيات القرن الماضي، وبدأ الخراب والانهيار في المجتمع الكوردي من ثلاث جهات.

الأول كان حزب العمال الكوردستاني بكك، الذي بدأ بخطابه اليساري الراديكالي وجمع الكورد حوله، ولكن، ونتيجة لـ 47 عاماً، كان مشروع التتريك والهوية التركية هو الهدف الرئيسي والمقدس.

الثاني كان حزب الله وهدى بار. بعد ثمانينيات القرن الماضي، قامت هذه الأحزاب بحشد الكورد وجمعهم حولها باستثمار مشاعرهم الإسلامية، وقاموا بتتريكهم في أطر مفهوم (الأمة).

الثالث، يمكننا عمومًا أن نسميهم (جحوش-جاش) هذا القسم كان على النقيض من القسمين الآخرين، فهؤلاء قاموا بحماية أيديولوجية الدولة بشكل علني ومباشر. فالفرق بين هذا القسم والقسمان الأول والثاني هو أن القسمين الأولين قاموا بهذه الأعمال والممارسات بشكل غير مباشر وغير علني، لكن الجحوش-جاش قاموا بهذه الممارسات وهذه المهام بشكل علني ومباشر، ولكن لم يضفي هؤلاء الجحوش الشرعية على مهامهم ووظائفهم بعبارات أيديولوجية كوردية، بل بقوا إلى جانب الدولة بشكل علني وصريح.

هل يقدر (جحش-جاش) من جولميرك أن يضر بالكورد بقدر ضرر أوجلان؟!

إذا فكّرنا في هذه التشكيلات والكيانات الثلاث، فهي معادية لبعضها البعض وقد سفكوا دماء بعضهم البعض وأراقوها، ولكن، جوهر هدف ثلاثتهم جميعاً هو خدمة تركيا. لذلك، لا يستطيع هؤلاء الثلاثة تعليم بعضهم البعض دروساً في الوطنية والقومية والكوردايتي، كما لا يجوز لأحدهم أن يسمّي الآخر خائنًا. وحتى لو كان بعض أفراد جماهيرهم وأنصارهم على علم بهذه الحقيقة، فهؤلاء هم أدوات ووسائل لحماية مستقبل تركيا. وإذا فهمنا هذه الحقيقة في هذا الإطار ومن هذه الزاوية، آنذاك، تتفنّد باراديغما ونظرية حزب العمال الكوردستاني بكك والتي تقضي بأن الجميع خونة سواي!

عندما ينتهي الصراع والاشتباكات، لن نترك الجحوش-جاش عاطلين، سننزع منهم السلاح ونمنحهم العصي ليقوموا بتربية الحيوانات…” ينبغي عدم فهم الموضوع بطريقة خاطئة، لا نُبرئ لا الجحوش ولا غيرهم… أو ندافع عن أي قوة تحمي سياسة الدولة التركية. بل نحتقرهم ونعاديهم، فالخطأ خطأ والباطل باطل والحقّ حقّ والصحيح صحيح، هذه هي الحقيقة، فهناك بعض الخونة والعملاء في كوردستان أسوأ وأخطر من الجحوش-جاش.

فلا يسخط أو يغضب أحد، فلم يضرّ أحد قادة ورؤساء الجحوش-سروك جاش- في جولميرك لم يضرّ بالقضية الكوردية مثلما فعل عبد الله أوجلان، لم يتسبّب رئيس جاش بقتل الكورد بقدر من تسبّب أوجلان بمقتلهم على الإطلاق، فعلى الأقل قوات الجحوش قوات محدودة، ولا يتبنّون أي إيديولوجيات، لا يتلاعبون بعقول الناس ولا يتحايلون عليهم، والكلّ يعلم من هم الجحوش-جاش، وكم يتقاضون من الرواتب، فهذا واضح ومعلن للجميع، لكنّ أوجلان جحش-جاش سري مخفي، فقد قال أوجلان خلال محاكمته: “نحن حماة وحدة الدولة التركية وحدود المعاهدة الوطنية-ميساقا ملي”. وهذا القول وحده يكفي بأن نسمّي أوجلان جحشاً-جاش، فكلّ من يحمي الدولة التركية يطلق عليهم عمومًا اسم جحش-جاش، جوهرهم واحد لكن الأشكال مختلفة ومغايرة.

كل من يعتبر نفسه جزءاً من الدولة التركية ويقطع الطرق والسبل أمام الأمة الكوردية فهو جاش.

قال أوجلان خلال محاكمته عام 1999: “الكورد جزء من جميع الشعوب الأخرى داخل الأمة التركية، فقط ثقافتهم ولغتهم مختلفة” هذا ما قاله أوجلان في محكمته. بمعنى أن أوجلان يقبل أن يكون الكورد جزءاً من الأمة التركية. فيا تُرى: ما هو الفرق بين أوجلان وجاش؟!

السيئ هو أنه يمكنك الإطاحة بنظام الجحوشية-جاشاتي في تركيا خلال يوم واحد، ولكنك لا تستطيع إنهاء وهدم جحوشية-جاشايتيا- أوجلان المتقمّصة في الثورية والخراب الفكري والذهني الذي أحدثه بين الكورد لسنوات، لهذا نقول إن أوجلان جاش خطير، لأنه بنى أيديولوجية شعبية جماهيرية ونظّمها.

لذلك، يجب على الكورد ومثقفيهم أن ينبذوا ويرفضوا سواء الجحوش الذين يحملون السلاح للدولة التركية أو جحوشية-جاشاتيا عبد الله أوجلان التي يمارسها بالفكر والقلم، فـ أساس الوطنية والإخلاص والنضال ضدّ الخيانة ومحاربتها تُبنى هكذا…

مقالات ذات صلة