لولا كوردستان لما كان العراق

لولا كوردستان لما كان العراق

بقلم… د. ليث شبر

أكتب هذا المقال كعراقي يفكّر بمصلحة العراق كلّه، دون أي ارتباطات شخصية أو سياسية بكوردستان أو قادتها أو أحزابها. لا أملك شقة ولا فيلا في كوردستان، ولا تجمعني مصالح تجارية أو علاقات شخصية مع رموزها. فكلامي هنا ينبع من إيماني العميق بوحدة العراق وعدالة قضية شعبه، بكلّ مكوّناته، وبضرورة النظر إلى كوردستان كجزء لا يتجزأ من هويتنا العراقية.

للأسف، شهد العراق على مدى عقود تغذية ممنهجة للعداء ضدّ إخوتنا الكورد، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. هذا العداء، الذي زرعه النظام السابق واستمر في أشكال مختلفة بعد 2003، يهدف إلى شقّ الصف العراقي وإضعاف نسيجه الاجتماعي. فالكورد، الذين تحمّلوا ظلم الحروب والإبادات الجماعية كحلبجة والأنفال، ظلّوا جزءًا صلبًا من هذا الوطن، يدافعون عنه ببسالة في مواجهة الإرهاب والتحديات. لكن بدلاً من تكريمهم، نرى محاولات مستمرة لتهميشهم، سواء عبر خطابات شعبوية أو سياسات رسمية تستهدف حقوقهم المشروعة.

هذا العداء ليس مجرّد خطأ سياسي، بل هو خيانة لمبادئ العدالة والإنسانية. فالكورد ليسوا “ضيوفًا” في العراق، بل هم أصحاب الأرض وشركاء في بناء الدولة. وتغذية الكراهية ضدّهم لا تخدم سوى أجندات خارجية تسعى لتفتيت العراق وإضعافه.

ومن أبرز مظاهر الظلم الذي يتعرّض له الكورد هو حجب رواتب موظفي إقليم كوردستان. هذه السياسة، التي تتذرع أحيانًا بالخلافات المالية أو الإدارية، هي في جوهرها عقاب جماعي يطال مئات الآلاف من العائلات الكوردية التي تعتمد على هذه الرواتب لتأمين حياتها اليومية. كيف يمكن أن ندّعي بناء دولة عادلة ونحن نحرّم مواطنينا من حقوقهم الأساسية؟ إن رفض دفع الرواتب ليس فقط انتهاكًا للدستور، بل هو إهانة لكرامة الكورد كشركاء في الوطن.

نحن، كعراقيين، نرفض هذا الظلم بشدّة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل بسياسات تستهدف مكونًا أساسيًا من مكونات شعبنا، وكأن الكورد ليسوا جزءًا منا. ولتعلموا إن دفع الرواتب ليس “منّة” من الحكومة الاتّحادية، بل هو واجب قانوني وأخلاقي يجب أن يُنفذ دون تأخير أو شروط.

بلا أدنى شك لولا الكورد، لما استطاع الشيعة تشكيل حكومة مستقرة في العراق بعد 2003. هذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها. فقد كانوا وما زالوا شريكًا أساسيًا في العملية السياسية، بعدما قدّموا تضحيات جسيمة في مواجهة الديكتاتورية والإرهاب، وكانوا صمام أمان لاستقرار العراق. وعندما واجهت بغداد تهديدات داعش، كانت قوات البيشمركة في طليعة المقاومة، تحمي ليس فقط إقليم كوردستان، بل العراق بأكمله.

الكورد لم يكونوا مجرّد “داعمين” لتشكيل الحكومات، بل كانوا عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على التوازن السياسي. وتحالفهم مع القوى الشيعية والسنية ساهم في بناء توافقات وطنية على رغم التحديات والخلافات. ولذلك فإن تجاهل هذا الدور أو محاولة تهميش الكورد في العملية السياسية هو خطأ استراتيجي سيؤدّي إلى إضعاف العراق ككلّ.

كوردستان ليست مجرّد إقليم جغرافي، بل هي قلب العراق النابض. فبدون الكورد، لا يمكن أن يكون هناك عراق موحّد وقوي. كما إن عدالة قضية الكورد هي عدالة قضية العراق بأكمله. ويجب أن نضع حدًا للخطابات العدائية، وأن نعمل معًا كعراقيين لضمان حقوق الجميع، بما في ذلك دفع رواتب موظفي كوردستان وتكريمهم كشركاء أساسيين في بناء الوطن.

أنا ليث شبر، عراقي أكتب هذه الكلمات بدافع الحبّ لوطني والإيمان بعدالة قضية شعبي بكلّ أطيافه. لنعمل معًا من أجل عراق يتّسع للجميع، عراق يحترم كوردستانه ويعتزّ بها كجزء لا يتجزأ من روحه.

مقالات ذات صلة