من غاز صدام إلى جوع بغداد.. فقط تغيرت أدوات القتل

من غاز صدام إلى جوع بغداد.. فقط تغيرت أدوات القتل

بقلم: كوردستان مزوري

العراق الجديد “ما بعد 2003″، “الشراكة الوطنية”، “الديمقراطية”.. كلمات تطلقها الألسن في بغداد كثيراً، لكنّها لا تصمد لحظة واحدة أمام الواقع اليومي الذي يعيشه الكورد.

فالحقيقة الصادمة والبسيطة التي يعرفها كلّ كوردي، ويشعر بها في طابور الخبز والصيدلية والمدرسة، هي أن شيئاً لم يتغيّر. فقط تبدّلت أدوات القتل.

في عهد صدام حسين، كانت الطائرات تقصف، والدبابات تجتاح، والمخابرات تخطف، والسجون تبتلع الكورد بالجملة. كانت الحرب صريحة، والعداء معلناً.

أمّا اليوم، في ظلّ دولة تُسمّي نفسها “ديمقراطية”، تُمارَس الحرب بأدوات أبرد، قطع رواتب، تعطيل الميزانيات، خنق الصادرات النفطية، ومماطلات ممنهجة من المحكمة الاتّحادية التي أصبحت أداة سياسية بامتياز.

صدام خنق حلبجة في خمس دقائق، أما اليوم، فبغداد تخنق شعب كوردستان بالشهر والسنة.

تنتظر العائلات راتب معلم أو طبيب أو شرطي، بينما المسؤول في بغداد يبتسم خلف الميكروفون ويتحدّث عن القانون والدستور، وهو يعلم جيداً أن ما يفعله ليس سوى نسخة “ناعمة” من سياسات العقاب الجماعي، صدام كان عدوا واضحاً ، أمّا اليوم، فالعدو يلبس ربطة عنق، ويجلس على كرسي الدولة، نفس العقلية، نفس الغطرسة، صدام كان يرى الكورد خطراً يجب محوه، واليوم، بغداد تراهم تمرّداً يجب تجويعه، باختصار فقط تغيّرت الوجوه، لكن العقلية المركزية، العنصرية، الشوفينية، التي لا تحتمل شريكاً كورديا قوياً، مازالت تحكم العراق من وراء ستار.

الفرق الوحيد؟ صدام كان يقتلنا دفعة واحدة. أما اليوم، فنُقتل ببطء، بالجوع، وبالإهانة اليومية التي تقول لنا أنتم لا تستحقّون الحياة الكريمة، إلا بإذْن المركز.

الدبابة صارت بنداً في الموازنة. السجن صار وقفاً للراتب. والغاز صار صمتاً سياسياً خانقاً، يتخفّى وراء شعارات “الدولة الواحدة” و “السيادة”.

الحكومات التي جاءت بعد 2003 لم تختلف كثيراً في الجوهر، بل فقط غيّرت تكتيكاتها. كانت الدبابة هي الأداة، فأصبح القرار الاقتصادي هو السلاح. كانت الحرب تُخاض في الجبال، فأصبحت تُدار في قاعات المحكمة الاتّحادية.

لكن النتيجة واحدة: إخضاع الكوردي، بأي وسيلة.

رسالتي إلى بغداد من قلب كوردستان…

إلى من يجلسون في بغداد، إذا كنتم تعتقدون أن الكورد سينكسرون بالجوع، فأنتم لا تعرفون من نحن. الكوردي الذي صمد أمام السلاح الكيمياوي، لن يُهزم بورقة مالية، وإذا كنتم تظنّون أن بإمكانكم إعادة كوردستان إلى حظيرة “المركز” بالقهر البطيء، فأنتم لا تفهمون أن هذا الشعب خُلق حرّاً، وسيبقى كذلك، ولو كان الثمن جوعاً.

نحن لا نطلب صدقة من أحد. نحن نطالب بحقّنا الكامل، الدستوري، الإنساني، الذي لن يسقط بمرور الوقت، ولن يُنسى بالتجويع.

ولتعلموا جيداً:

كوردستان لن تسقط، لكنّ ما يسقط حقّاً هو قناعكم.

مقالات ذات صلة