بات مستقبل وسلطات ميليشيات الحشد الشعبي محور خلاف حادّ وجدل واسع بين القوى المحلية على مستوى الدولة العراقية وكذلك الإقليمية والدولية.
فالولايات المتّحدة تُعبّر بوضوح وصراحة عن رفضها لمشروع قانون الحشد الشعبي المطروح في البرلمان، محذّرة من أن إقراره سيُدخل العراق في وضع معقد.
في هذا السياق، لم يكد يمرّ أسبوع دون أن يعقد القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد، ستيفن فايغن، اجتماعات مع قادة سياسيين عراقيين، ينقل خلالها هذا التحذير.
إلا أن الميليشيات العراقية الشيعية المسلّحة والولائية تصرّ على تمرير مشروع القانون، متجاهلة التحذيرات الأميركية وأي مواقف دولية أخرى.
يقول النائب عن الإطار التنسيقي، فالح الخزعلي: “نرفض التدخّل الأميركي في تشريع القوانين التي من شأنها حفظ المؤسسة الأمنية”.
ورأى أن قانون الخدمة والتقاعد وقانون هيئة الحشد الشعبي، هما لـ “تحويل هذه القوة إلى عمل مؤسّساتي خاضع لإرادة وإدارة الدولة العراقية” حسب قوله.
وشدّد الخزعلي على أنهم حريصون على تمرير هذا القانون…
وتشهد أجواء البرلمان حالة من التوتّر، إذ يتغيب عدد من النواب عن الجلسات تحسباً من تمرير المشروع، وسط تحذيرات من أن إقراره قد يضرّ بمصالح الكورد والسنّة، بل وحتى الشيعة أنفسهم.
وكشف نواب آخرون أن الولايات المتّحدة وجهت “تهديداً صريحاً” بشأن تمرير القانون، ملفتين إلى أن القانون “يمنح شرعية لفصائل مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة ويخصّص لها ميزانية ضخمة، في حين هناك مناطق لا يستطيع رئيس الوزراء الدخول إليها”.
وتساءل هؤلاء النواب مستغربين “لا نفهم ما هذا القانون الذي يمنع رئيس الوزراء ولا يستطيع زيارة مناطق مثل جرف الصخر وعدة أماكن أخرى…” محذّرين من أن هذا الموضوع “حسّاس جداً جداً”، و”أكبر المتضرّرين، عكس ما يقول الآخرون، هم الشيعة أولاً، ثمّ السنة، ثمّ الكورد”.
وبحسب مشروع القانون، سيعمل الحشد الشعبي بالتنسيق مع وزارتي الدفاع والداخلية، دون أن يكون تابعاً رسمياً لوزارة الدفاع.
كما يمنح المشروع رئيس الهيئة صلاحيات عليا تشمل رسم السياسات العامة ومراقبة نشاطات التشكيل.
وشدّد خبراء سياسيون ومختصّون في الشأن العراقي على أن تمرير قانون الحشد الشعبي بصيغته المطروحة حالياً، خاصة البنود التي تمنحه استقلالاً مؤسّسياً ومالياً وتنظيمياً، يعيد توجيه مسار الإصلاح الذي كانت الحكومة قد اعلنته من هدفه المعلن نحو تكريس نموذج “المؤسّسات المتوازية” داخل المنظومة الأمنية، وهو ما يعيد إنتاج الازدواجية التي سعى الإصلاح إلى معالجتها من الأساس.
وأوضح الباحث السياسي العراقي، عبد الله عباس، بأن مسار الإصلاح الأمني الذي أعلنت عنه الحكومة يتأسّس على 3 مرتكزات رئيسية، يتمثل أولها بإعادة هيكلة الأجهزة بما يضمن وحدة القيادة والسيطرة، ضبط الموازنات لضمان الشفافية وتحديد الأولويات، وتطوير القدرات القتالية في إطار قيادة مركزية موحدة.
وأكّد عباس على أن: “منح الحشد استقلالاً تشريعياً في ظلّ غياب توافق سياسي شامل، ومع استمرار الانقسام بين القوى الممثلة في البرلمان، يعني عملياً إقرار صيغة دائمة لوجود مراكز قوة متعددة داخل الدولة”.
ويرى عباس أن “هذا الأمر من شأنه أن يضعف سلطة قيادة القوات المسلّحة على المدى الطويل، ويعقّد القدرة على رسم سياسة أمنية موحدة تُنفذ على كامل الجغرافيا العراقية”.
كما أشار الباحث السياسي العراقي إلى أن “الإصلاح الأمني لا يقتصر على دمج القوى المسلّحة في البنية النظامية، بل يتطلب أيضاً تحييد المؤسسات الأمنية عن الصراع السياسي، وضمان ولائها الكامل للدولة بدل الولاءات الفصائلية أو الحزبية”.
وأردف بالقول: “وفي هذا السياق، فإن إقرار القانون من دون معالجة إشكالية الولاءات وتداخل النفوذ السياسي مع العسكري، لن يؤدّي إلّا إلى إعادة إنتاج الإشكالات الأمنية التي تسعى الحكومة إلى تجاوزها، وربما يمنحها غطاءً قانونياً يصعّب، لاحقاً، أي محاولة لتفكيكها أو إعادة دمجها.”
وتابع بأن “قانون الحشد الشعبي بصيغته المطروحة، يكشف بوضوح أن مسار إصلاح المنظومة الأمنية في العراق ما زال رهيناً لمعادلة القوى السياسية والعسكرية على الأرض أكثر من ارتباطه برؤية مؤسّسية واضحة لبناء الدولة، فالتشريع في صورته الحالية لا يحسم مسألة توحيد القيادة والسيطرة بقدر ما يؤطّر واقعاً قائماً لمراكز قوة متعددة داخل المنظومة الأمنية”.
ويرى محلّلون سياسيون أن منح ميليشيات الحشد استقلالاً تشريعياً، وفق المشروع المطروح، يعني فعلياً وجود مؤسّسة ذات قيادة وأركان، وتمويل، وهيكل تدريبي خاص بها، وكلّ ذلك خارج منظومة الجيش التقليدي، وأن التجارب الدولية أثبتت أن وجود مؤسّسات أمنية موازية، حتى وإن كانت رسمية بحكم الأمر الواقع أو من الناحية القانونية، يؤدّي في المدى المتوسط إلى ازدواجية السلطة وتنازع الصلاحيات، ومن أمثلة ذلك المثال اللبناني مع (حزب الله) والمثال الإيراني مع (الحرس الثوري)، وهذا ما يؤكّد كيف يمكن لقوة عقائدية مسلّحة أن تتحوّل إلى فاعل سياسي-أمني مستقل، يملك قدرة تعطيل أو فرض قرارات الدولة في لحظات حرجة.
الخارجية الأمريكية تحذّر بغداد بشأن قانون الحشد الشعبي
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد وجّهت رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى الحكومة العراقية على خلفية تمرير قانون الحشد الشعبي، مؤكّدة أن إقرار هذا القانون يُعد خطوة عدائية تتعارض مع مصالح الولايات المتّحدة، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية شاملة على العراق.
ووفقاً لتقارير صحفية، فقد هدّدت واشنطن بإجراء تحقيقات في خلفيات السياسيين العراقيين الذين دعموا مشروع القانون، وأشارت إلى احتمال وقف الدعم والمساعدات المخصّصة للقوات الأمنية العراقية.
كما تضمّن التحذير تهديداً بفرض عقوبات على صادرات النفط العراقية، وهو ما قد ينعكس سلباً وبشكل خطير على الاقتصاد العراقي.
وأكّدت الخارجية الأمريكية أنه في حال دخول القانون حيز التنفيذ، فإن العراق سيكون عرضة لعقوبات اقتصادية صارمة، كما لوّحت بوقف تام للدعم والمساعدات الفنية والأمنية، إلى جانب البدء في إجراءات عقابية ضد بيع وتصدير النفط.
جدول أعمال البرلمان العراقي لجلسة الغد يخلو من قانون الحشد
هذا، ونشر مجلس النواب العراقي، اليوم الاثنين، جدول أعمال جلسته المقرّرة ليوم غد، فيما تضمن الجدول 10 فقرات، ولم يتم إدراج قانون “الحشد الشعبي” ضمن جدول أعمال الجلسة.