أبلغت وزارة الخارجية الاتّحادية العراقية، سفير المملكة المتّحدة لدى بغداد عرفان صديق، اعتراضها الرسمي والشديد على التصريحات الإعلامية الأخيرة التي أدلى بها في لقاء متلفز يوم الجمعة، والتي اعتبرتها الحكومة العراقية مخالفة للأعراف الدبلوماسية وتشكّل تدخّلاً في الشؤون الداخلية للبلاد.
وخلال اجتماع رسمي عُقد في مقرّ الوزارة، اليوم الاحد (10 أب 2025)، أعرب وكيل الوزارة للشؤون الثنائية العراقية، السفير محمد حسين بحر العلوم، عن قلق الحكومة العراقية العميق من هذه التصريحات، مؤكّداً أن “ما صدر عن السفير البريطاني يتعارض بشكل واضح مع أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تلزم الممثّلين الدبلوماسيين باحترام قوانين وأنظمة الدولة المضيفة والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية”.
وزارة الخارجية شدّدت في بيانها على ضرورة الالتزام بالتواصل الدبلوماسي البنّاء، والتمسّك بمبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، داعية السفير البريطاني إلى الامتناع عن أي تصريحات أو أنشطة مماثلة مستقبلاً، والتصرّف بما يعزّز العلاقات الودّية بين البلدين.
وكان السفير البريطاني عرفان صديق قد صرّح في لقاء تلفزيوني بأن الحاجة إلى ميليشيات الحشد الشعبي في العراق قد انتفت، مشيراً إلى أن “الفصائل المسلّحة التي كانت جزءاً من الحشد لم يعد لها دور كما كان خلال الحرب ضدّ داعش” وأضاف بأن “الحكومة العراقية تطالب بانسحاب قوات التحالف الدولي لأن الحرب انتهت، وبالتالي فإن الحاجة إلى الحشد الشعبي لم تعد قائمة”.
تصريحات السفير أثارت ردود فعل غاضبة داخل الأوساط السياسية العراقية، حيث اعتبرتها جهات متعدّدة مرتبطة بأجندات دول إقليمية تجاوزاً غير مقبول على السيادة الوطنية، خاصة أن الحشد الشعبي في نظرها يُعدّ مؤسّسة رسمية ضمن المنظومة الأمنية العراقية، وقد لعب دوراً محورياً في مواجهة تنظيم داعش خلال السنوات الماضية.
وتأتي هذه الأزمة الدبلوماسية في وقت حسّاس، حيث تسعى بغداد إلى تعزيز علاقاتها الدولية على أساس الاحترام المتبادل، وسط تحديات أمنية وسياسية داخلية، وتوتّرات إقليمية متصاعدة.
وتُظهر هذه الأزمة الدبلوماسية أن ملف ميليشيات الحشد الشعبي لم يعد قضية داخلية عراقية خالصة، بل أصبح ملفاً إقليمياً ودولياً بامتياز، فبينما تحاول الحكومة العراقية فرض سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها، تواجه ضغوطاً سياسية من فصائل وميليشيات الحشد وحلفائها الذين يرفضون المساس بسلاحهم.
وتُضاف إلى ذلك التدخّلات الخارجية، التي لا تقتصر على تصريحات السفير البريطاني، بل تشمل مخاوف أميركية وغربية من تنامي نفوذ الميليشيات المسلّحة المدعومة من إيران، والتي تعتبرها واشنطن تهديداً لأمن المنطقة.
وهذا التجاذب بين الرغبة في بناء دولة ذات سيادة كاملة، وحقيقة وجود فصائل مسلّحة قوية لها ارتباطات إقليمية، هو ما يشكل التحدي الأكبر أمام استقرار العراق في المرحلة الراهنة.