قال رئیس الجمهوریة العراقیة الدکتور برهم صالح الیوم : أنا علی أتم الإستعداد لإقدم إستقالتي وأترک منصبي إذا أصرت الأطراف السیاسیة علی ترشیح (أسعد العیداني)، علی أن أکلف أحداً بتشکیل الحکومة لا یعبر عن إرادة الشعب العراقي المتظاهر، وخاصة إذا کانت هذه الشخصیة موالیة لإیران، ومع أن خطوة برهم صالح التکتیکیة تعتبر خدعة سیاسیة إلا أنه ضمن بها کرسي الحکم وکسب بها رضی الشعب المنتفض.
اعلن رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح ، اليوم الخميس، استقالته من منصبه اعتراضا على الضغوط السياسية التي تمارس ضده لاختيار رئيس للحكومة.
وقد أبدی رئیس الجمهوریة العراقي إستعداده للإستقالة من منصبه قائلاً : انني ارفض أن أخل بالدستور، وأکلف مرشحاً لا یمثل طموحات الشعب العراقي في المرحلة الراهنة.
وقد لوّح صالح الأسبوع الماضي بتقدیم إستقالته من منصب رئاسة الجمهوریة، والیوم أعلن عن إستقالته رسمیاً غیر أنه لم یقدمه لرئیس البرلمان لیکون أمراً واقعاً ورسمیاً ویتم إتخاذ الإجراءات الرسمیة تجاهها.
وفضل صالح إستعداده للإستقالة من منصبه علی الإخلال بالدستور العراقي والأسس الوطنیة.
وأضاف برهم صالح في الوقت نفسه : وصلتني عدة مخاطبات حول الكتلة الأكبر تناقض بعضها بعضا، مشيرا إلى أنه يفضل الاستقالة على تكليف مرشح يرفضه المحتجون بتشكيل الحكومة.
لماذا لم یکلف برهم صالح أسعد العیداني بتشکیل الحکومة؟
یعتبر أسعد العیداني مرشحاً لتشکیل الحکومة، فمن یؤیده ویقف وراءه؟ یقول عبد الله صالح الخبیر في الشۆون السیاسیة العراقیة في صفحته علی موقع التواصل الإجتماعي فیس بوك بأن أسعد العیداني هو نائب الأمین العام للمؤتمر الوطني العراقي والذي کان یترأسه سابقاً أحمد الجلبي، وفي الوقت نفسه فهو نائب رئیس مجلس إدارة بنك البلاد الإسلامي ، وأن آراس حبیب رئیس المؤتمر الوطني ورئیس بنك البلاد الإسلامي مدرج في قائمة العقوبات الأمریکیة التي طالت مسؤولین عراقیین متهمین بتهم مختلفة، کما أدرجت الخزانة الأمریکیة بنك البلاد الإسلامي على لائحة الإرهاب، ضمن قائمة عقوبات على مؤسسات مالية وأفراد في إيران والعراق.
ویتابع عبد الله صالح : آراس حبیب والمرحوم أحمد الجلبي متهمان في أمریکا بإعطاء معلومات خاطئة ومضللة للمخابرات الأمریکیة بشأن أسلحة الدمار الشامل، لهذا فاختیار شخصیة مثل أسعد العیداني نائب آراس حبیب لتشکیل الحکومة العراقیة الجدیدة یعتبر تحدیاً إیرانیاً للولایات المتحدة الأمریکیة، أي بمعنی أن الأطراف السیاسیة العراقیة وإیران وحتی هذه اللحظة یستخدمون الوضع العراقي المتأزم ساحة صراع إیراني – أمریکي، ولا یهمهم وضع الشعب العراقي، وأصبح الشعب مدرکاً لهذه الحقائق.
وبرهم صالح یحاول الظهور للشعب العراقي بمظهر الشخصیة التي لا تؤثر علیه الضغوطات الإیرانیة، کما لا یدع مجالاً لهم لإستخدام العراق کورقة ضغط بید الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة في خلافاتها مع أمریکا.
ما رأي الدستور العراقي بشأن إستقالة رئیس الجمهوریة؟
حسب المادة 75 من الدستور العراقي، والمختص برئیس الجمهوریة العراقیة :
المادة (75):
أولاً:- لرئيس الجمهورية تقديم استقالته تحريرياً إلى رئيس مجلس النواب، وتُعد نافذةً بعد مضي سبعة أيام من تاريخ إيداعها لدى مجلس النواب.
وهنا فعل برهم صالح العکس، فقد أعلن عن إستعداده لتقدیم إستقالته من منصب رئاسة الجمهوریة، ولم یبعث إستقالته الرسمیة لرئیس مجلس النواب العراقي.
المادة (75):
ثانياً:- يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه.
ثالثاً:- يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تأريخ الخلو.
رابعاً:- في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يَحل رئيس مجلس النواب، محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائبٍ له، على أن يتم انتخاب رئيسٍ جديد خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو، وفقاً لأحكام هذا الدستور.
والدکتور برهم صالح حصل علی منصب رئیس الجمهوریة علی حساب قائمة الإتحاد الوطني الکوردستاني، مع أن المنصب کان من نصیب الحزب الدیمقراطي الکوردستاني -البارتي-، وقد أعطی الدیمقراطي الکوردستاني هذا المنصب للإتحاد الوطني سابقاً حسب تفاهمات، غیر أن عملیة الإستفتاء غیرت کافة المعادلات، فبعدها رشّح الدیمقراطي الکوردستاني شخصیة لهذا المنصب، غیر أن برهم صالح حصل علی غالبیة أصوات أعضاء مجلس النواب، فحلّ علی هذا المنصب، وهذا ما یحتاج إلی تفسیرات وتحلیلات.
ففوز برهم صالح بمنصب رئاسة الجمهوریة یرجع للفترة التي أظهر فیها صالح نفسه للشعب العراقي کحامي للعراق ووحدته، وحقیقة الأمر أن العرب أهدوا هذا المنصب للإتحاد الوطني مقابل تقدیمهم مدینة کرکوک للجیش العراقي والحشد الشعبي، في مناورة ومؤامرة خبیثة بقیادة بافل طالباني ولاهور شیخ جنك وآراس شیخ جنک ومجموعتهم الخیانیة.
ففي التشکیلة الأولی والثانیة للحکومة العراقیة کان هذا المنصب من نصیب جلال الطالباني، وبعده أصبح فؤاد معصوم رئیساً للجمهوریة والذي یعتبر أسوأ رئیس جمهوریة حسب رأي الشارع العراقي والکوردستاني، وفي الدورة الرابعة تم توظیف برهم صالح لإدارة هذا المنصب.
وکان برهم صالح یشغل منصب النائب الثاني للأمین العام للإتحاد الوطني الکوردستاني، وبسبب الخلافات في الإتحاد، وبالأخص وجود خلافات مستعصیة له مع السیدة هیرو، أعلن برهم صالح إنفصاله واستقالته من الإتحاد عام 2017، وأعلن عن تشکیل حزب سیاسي جدید باسم (التحالف من أجل الدیمقراطية والعدالة)، وضم الحزب الجدید برهم صالح وعدداً من مسؤولي وأعضاء وکوادر الإتحاد الوطني المتقدمین، ذلك الحزب الذي عمّر سنة واحدة فقط!
وبعد إستقالة برهم صالح وتأسیسه لحزب جدید، حاول بافل طالباني إبن جلال الطالباني عدة محاولات لإستعادته، تمکن أخیراً من إستعادته لصفوف الإتحاد مقابل إهدائه منصب رئیس الجمهوریة العراقیة کعربون وفاء!
وعند دعایته لحزبه الجدید (التحالف من أجل الدیمقراطية والعدالة)، تجمع عدد کبیر من أعضاء وکوادر الإتحاد وأعضاء الإتحاد الإسلامي في کوردستان وبعضاً من أعضاء الحزب الدیمقراطي الکوردستاني، وصرح برهم صالح یومها قائلاً : السیاسة لا تبنی علی المکر والخدیعة، وکان لدي منصب في الإتحاد الوطني، کما وعدوني بمناصب کبری في الإتحاد، وقال بصدد منصب رئیس الجمهوریة : من المخزي والاحتقار وعدم التقدیر والحرمة أن یصبح الإنسان رئیساً علی حساب رواتب المعلمین المتقاعدین!
ومع إقتراب الإنتخابات وقدومها تجاوب برهم صالح لمحاولات بافل طالباني، وعاد لأحضان الإتحاد الوطني تارکاً رفاق دربه وأعضاء حزبه الجدید بلا رأس! فأصبح محط سخریة واحتقار وهوان لدی الشعب الکوردي والشارع الکوردستاني.
بهذه الخطوة .. ضمن برهم صالح کرسي الرئاسة
وخلال الأیام الماضیة وبعد مرور سنة وشهرین علی الدورة الرابعة لرئاسة الجمهوریة العراقیة، هدّد برهم صالح بالإستقالة من هذا المنصب، بسبب إنتهاء المهلة الدستوریة لاختیار المرشح لرئاسة الحکومة من قبل أکبر الکتل النیابیة في البرلمان العراقي، لتشکیل الحکومة العراقیة الجدیدة، والیوم بدأ بلعب لعبة سیاسیة أخری، ومناورة تعد الأولی من نوعها، ومقابل أن یقدّم إستقالته بطریقة رسمیة لمجلس النواب العراقي وجه رسالة للمجلس وأعلن للصحافة أن برهم صالح لم یکن مستعداً للإخلال بالدستور العراقي، وأنه لم یرض بالإلتفاف وراء مطالب المتظاهرین، وأظهر نفسه بأنه الداعم الرئیسي للمتظاهرین، ولهذا قدّم إستقالته! غیر أن الحقیقة هي أن هذه أغرب مناورة سیاسیة لبرهم صالح لکي یضمن من ورائها کرسي رئاسة الجمهوریة.
وحسب رؤیة المحللین للوضع العراقي وکذلك المقربین من رئیس الجمهوریة برهم صالح من الوسط الکوردستاني، أن برهم صالح یستعرض مناورة سیاسیة، الهدف منها ضمان بقائه في منصب رئاسة الجمهوریة، والظهور بمظهر الحامي للدستور والشعب العراقي، وإرضاء الشعب العراقي الذي خرج في تظاهرات واحتجاجات منذ الـ 25 من تشرین الأول لهذا العام، المطالبین بالإصلاحات السیاسیة الجدریة في البلاد، وإلغاء الطبقة السیاسیة الفاسدة، کما أنه قام بإیهام الصحافة والإعلام وأظهر نفسه بمظهر الوطني وحامي الدستور من الخرق.