القضية الكوردية في سوريا أمام فرصة تاريخية…

القضية الكوردية في سوريا أمام فرصة تاريخية...

سمكو عبد العزيز

قطعت القضية الكوردي في سوريا شوطاً كبيراً ومرحلة الحماية المؤقتة وإدارة الأزمات. وتطرح هذه القضية الآن تساؤلاً حول جوهر الوجود الوطني-القومي، في وقتٍ باتت فيه خريطة الدول على وشك التفكك ورسم خارطة جديدة.

الكورد اليوم ليسوا مجموعة لاجئين نازحين من المهاجرين الباحثين عن ملجأ، بل هم أصحاب الأرض أنفسهم. يمتلكون الخبرة والتنظيم والقوة ومجتمعًا منظمًا. ولكن، مع الأسف، لا يزال هذا الوجود في طور الاعتراف عالقاً في ظلّ الصراع بين السلطة القائمة والحقوق القانونية.

المفارقة الكبرى هي أن الكورد حالوا دون انتشار الإرهاب والتفكك الاجتماعي، لكن هذا الدور لم يُفضِ إلى كسب الهوية السياسية. لقد فتح العالم الخارجي لنا أبواب الأمن، لكن أبواب السياسة لا تزال موصدة مغلقة.

ينظرون إلينا ويروننا كاحتياجات ومتطلّبات، لا كشركاء. هذا المفهوم يُشكّل تهديدًا وخطراً استراتيجيًا علينا، لأنّ كلّ ما هو حاجة يتمّ التضحية به في سبيل المصالح المتغيرة.

من الواضح في قاموس الدولة أنّ أي قوة لا تُصبح قانونًا ستُصبح عبئًا، وأنّ أي وجود غير معترف به سيبقى ضعيفًا دوماً، حتى لو امتلك القوة والسلاح.

الكورد في سوريا في لبّ وجوهر هذا الصراع والاضطراب. توجد أرض، لكن الأرض التي لا تملك سجل طابو لا يُمكن حمايتها. توجد مؤسّسات، لكنها لا تزال وقتية تفتقر إلى دستور.

الخطر القاتل هو تفكيك مشروعنا تدريجيًا من الداخل والعمق، لا أن يُدمر بهجوم عسكري أو عملية عسكرية.

يُعدّ الدعم الأمريكي خير مثال على ذلك في هذا الوقت الوجودي، فهو قوي عسكريًا لكنه غامض معقّد سياسيًا.

هذا يُبقينا في حالة جمود وركود. نعيش حاضرًا قويًا، لكن مستقبلنا غامض مجهول. وتأريخنا حافلٌ بدفع فواتير هذا الانتظار.

من جهة أخرى، لم تُصبح القضية الكوردية بعدُ مشروعًا سياسيًا معترفًا به، لذا تنظر إلينا الدول الإقليمية ولا سيما تركيا، كتهديد، لا كجيران أو شركاء.

ما لم نحظَ بمكانةٍ ونمتلك كياناً رسمياً، سنبقى في مرحلة الدفاع ولن نتمكن من أخذ زمام المبادرة.

لا يكمن العقدة العميقة لجوهر القضية في كيفية حفاظ الكورد على وجودهم وهويتهم، بل في كيفية تحويل هذا الوجود إلى إنجاز ومكسب وطني إلى الأبد.

يكمن الجواب في الخطاب: دعونا لا نقول إننا عامل سلام، بل دعونا نقول إننا أصحاب حقوق.

الأمن والاستقرار واجب ووظيفة مُوكلٌة إلى الحُراس، أما الحقّ فهو هوية أصحاب الأرض.

يجب أن يجعل المشروعُ الوطني القوةَ العسكرية في خدمة الأهداف السياسية، لا العكس.

السياسة الكوردية الرشيدة والعقلانية ليست حربًا عبثية ولا إذلالًا واستسلاماً.

الحرب غير المخطّط لها مقامرة بمصير شعب، والتسوية والاندماج استسلام صامت.

الخيار الثالث هو تحديد مصالحنا بعقلانية، وعقد تحالفاتنا باتفاقيات وعهود سياسية مكتوبة، لا بوعود شفهية.

التهديد والخطر الأكبر على الكورد في سوريا هو البقاء في هذا الظرف الوقتي الانتقالي والمرحلي.

عندما ينعدم الإيمان بالمستقبل، وتتحوّل الإنجازات والمكاسب إلى مجرّد ذكريات، ويبدأ الفشل من قلب الإنسان، آنذاك، فإنّ انعدام القرار يهزّ وجودنا وكياننا أسوأ وأفظع من أيّ سلاح.

باختصار، الكورد في سوريا أمام فرصة تاريخية. أدوات القوة متوفرة، لكنّ القوة وحدها لا تصنع الحقوق ولا تكتسبها.

ما نحتاجه هو قرار وطني-قومي واضح يجعل القانون هو الفيصل، ويحوّل التجربة والخبرة مستقبلاً.

التاريخ لا يُعاقب الأمم والشعوب على ضعفها، بل يقسو عليهم على الفرص الضائعة.

نحن الآن في خضمّ فرصة ذهبية سانحة، والكرة لا تزال في ملعبنا.

مقالات ذات صلة