الطرف الذي بدأ بلعبة الشطرنج -إبداعاً ولعباً- في الشرق الأوسط هو دولة إیران، وتشیر المعلومات علی أن إیران إخترعت لعبة الشطرنج في القرن السادس ولعبت، فمن الواضح أنها خبیرة الشطرنج، وإستقت سیاستها من هذه اللعبة وتدیرها علی منوالها، وفي لعبة الشطرنج الجانب الأقوی هو الذي یمتلك أکبر عدد من البیادق -الجنود-، فهؤلاء الجنود یحاربون من أجله، ویحمونه، ویعارضون الأطراف الأخری، أما (الوزیر والملك والحصان والفیل والقلعة) فیحتمون بالجنود -البیادق-، وکل جندي -بیدق- له حق في تغییر دوره بالتحول إلی وزیر أو حصان أو قلعة إذا تقدم إلی الأمام وحارب بجرأة وإخلاص، ومعروف أن لعبة الشطرنج لا تُلعب من غیر بیادق، فکذلك السیاسة، فلا نجاح للسیاسة من غیر جیوش وجنود.
وإیران وخلال تأریخها کانت صاحبة الجیوش والجنود، واستطاعت تسجیل الإنتصارات، وتنوّعت جیوشها وتمثلت في الأشخاص والتنظیمات، بل حتی في بعض المرات العشائر، والأمثلة: ففي أول دولة کوردیة کان القائد العسکري (هارباکوس)جندیاً إیرانیاً ویخدم إیران، ولهذا أصبح سبباً في إنهیار الدولة الکوردیة، کما إستمرت إیران في صناعة جنود کهؤلاء لها علی مرّ الزمن.
بعد عام 2000 إیران سلّمت رقعة الشطرنج لقاسم سلیماني وهو أدار اللعبة
قاسم سلیماني کشخصیة إستراتیجیة
یُعرف قاسم سلیماني کشخص مقرّب من قبل الکورد، والکورد في شرق کوردستان کانوا یعرفون قاسم سلیماني کظالم مستبد سنة 1979، في مهاباد، والکورد في جنوب کوردستان تعرّفوا علی سلیماني في ثمانینیات القرن المنصرم خلال الحرب العراقیة الإیرانیة، والکورد في غرب کوردستان تعرّفوا علیه خلال أحداث الربیع العربي، وخلال الـ 50 سنة الماضیة نستطیع القول أنه لم یظهر شخصیة بقوة تأثیر سلیماني علی العالم کله.
فـقاسم سلیماني لم یکن قائداً عسکریاً فقط، بل کان شخصیة یبني إستراتیجیة في المنطقة، وعموماً هو من وضع إستراتیجیة لإنجاح مشروع “الهلال الشیعي”، ومما لاشك فیه أنه وخلال بناء إستراتیجیته هذه عبر سلیماني المناطق الکوردیة کثیراً، وکان یعرف التنظیمات والأحزاب الکوردیة جیداً، کما کان له علاقات وطیدة مع الکثیر من هذه التنظیمات، وبعد عام 2003 وانهیار نظام صدام، إشتغل سلیماني علی التنظیمات الکوردیة، وحاول إضعاف تأثیر الکورد بل تجریدهم من أي تأثیر لتقویة وإنجاح السلطة الشیعیة في العراق، کما حاول بشتی الوسائل التقدم علی المذهب السني -سنيوا المذهب-، وبعد عام 2014 تقرّب من الکورد أکثر؛لحاجته الماسة إلی إستخدام أراضي کوردستان لإنجاح مشروع الهلال الشیعي، کما کان یکافح ویناضل من أجل تجرید الکورد من أي واقع في شمال العراق في نفس الوقت.
بیادق قاسم سلیماني هم الإتحاد الوطني وحزب العمال الکوردستانيین
أراد سلیماني توسیع الهوة والفجوة بین الکورد، کما أراد توظیف الکورد کحرّاس علی طریقه حتی یقوم بما یرید، ولهذا حاول لمّ شمل الکورد ولکن في الجبهة الشیعیة، مستخدماً بعض المرات أسلوب الترغیب والبعض الأخری أسلوب الترهیب والتهدید، ولمحاولة الدیمقراطي الکوردستاني إفشال سیاسة سلیماني في کافة الجبهات والمحاور، أصبح الإتحاد الوطني والعمال الکوردستاني من جنود سلیماني وجیوشه، لذا خصص سلیماني موطأ قدم للعمال الکوردستاني البکک علی رقعته الشطرنجیة في العراق وجنوب کوردستان، فأقامت البکک علاقات وطیدة مع (العبادي) وبعض الوزراء العراقیین، وقام مسؤولوا البکک وقادتهم (ئيبري أوک ورزا آلتون) بعقد لقاءات واجتماعات في بغداد والسلیمانیة مع الساسة العراقیین الشیعة الموالین لإیران حول خارطة سوریا وغرب کوردستان، والعراق وجنوب کوردستان وحیاکة المؤامرات وعقد الإتفاقات!
والمثال علی ذلک، مقاتلوا البکک الذین دخلوا مدینة کرکوك عبّرتهم إیران، لأن إیران أرادت وجود قوة للبکک في کرکوك کممثل للکورد ضمن الجبهة الشیعیة وتوظیفها في الجبهة، فنستطیع القول أن البکک في کرکوك تُعتبر حراس إیران، فعندما أراد سلیماني والقوات الإیرانیة إحتلال کرکوك وإقتطاعها من جنوب کوردستان کانت قوات البکک متمرکزة في داقوق، وبعد تقدّم الجیش العراقي وبعد 4 ساعات فقط إنسحبت قوات البکک لتتمرکز في مخمور! لأنه تم إعلامهم بأن القوات العراقیة ستهاجم کرکوك، فاتفق لاهور شیخ جنک مع قادة وممثلي البکک في السلیمانیة وخططوا لإنسحاب قواتهم من کرکوك وإخلائها للقوات العراقیة.
وقد قام سلیماني وإیران بإعداد خطة هجوم جدیدة علی لوحة شطرنجهم، تمثلت في تمرکز البکک في سنجار تحت إسم مستعار، تحت إسم وحدات حمایة سنجار، وهذه الوحدات لیست تنظیماً کوردیاً، بینما وحدات حمایة سنجار تحرس مشروع الهلال الشیعي في سنجار، وهي مرتبطة رسمیاً بالحکومة العراقیة، وهي جزء من تنظیمات الحشد الشعبي الشیعي، وتستلم رواتبها من الحکومة العراقیة، وتمت إحتواؤها في برامج الحشد الشعبي، وقد قامت البکک یوم الـ 9 تشرین الثاني 2018 ولقطع الطریق أمام قائمقام مدینة سنجار من الدخول للمدینة والقیام بمهامه الرسمیة، قامت البکک بتوظیف بعض النسوة والأطفال وإعطائهم لافتات وشعارات تندد بدخول القائمقام إلی المدینة، وفي الوقت نفسه أعطت البکک المجال لمیلیشیات الحشد الشعبي الشیعي بتثبیت مقاره ومراکزه العسکریة، فتمرکز مقاتلوا الحشد الشعبي من البصرة والنجف وو في سنجار، بینما لم یُعطَ أي مجال للبیشمرکة لدخول سنجار والتمرکز في المدینة! فالیوم قوات حمایة سنجار والحشد الشعبي تعملان معاً في إدارة سنجار، والبکک أدارت سیاستها خلال الـ 4 سنوات الأخیرة علی هذا المنوال ولتحقیق هذا الهدف، لإظهار حکومة کوردستان للکورد الیزیدیین علی أنها حکومة سیئة وأن البیشمرکة أعداء ولا ضرورة لإقامة دولة کوردیة، کما أن سنجار لیست کوردیة بل عراقیة وتابعة للعراق، وهي ما زالت تنادی بهذه الإدعاءات حتی أوقعت سنجار تحت قبضة وهیمنة وسلطة الحشد الشعبي الشیعي.
فعند التأمل بأول نظرة، قد یعتقد أي أحد بأن البکک حررت شعب کوردستان من تنظیم داعش، غیر أنها أساساً ووراء الستار جزء من منفذي مشروع الهلال الشیعي في کوردستان، فقد تمّ تمرکزها في جنوب کوردستان لخدمة مشروع الهلال الشیعي في کوردستان، لکي لا یقابل هذا المشروع أي إعتراض في کوردستان، فلو تابعنا إعلام البکک بعد عام 2014 لوجدنا أن هدف البکک المنشود کان یتمثل في التشهیر بحکومة جنوب کوردستان وإظهارها بمظهر العدو اللدود، کما حاولت بشتی الوسائل خلق حالة من الإکتئاب وعدم الثقة لدی الشعب الکوردستاني بحکومتهم، والعمل وفق أجندة عراقیة وفي خدمتهم، کما دافعوا وناضلوا من أجل وحدة الأراضي العراقیة.
ولا حاجة هنا للکتابة عن الإتحاد الوطني الکوردستاني ودوره علی رقعة شطرنج سلیماني، والخدمات التي قدمها الإتحاد لمشروع الهلال الشیعي، فالإتحاد وفي مؤامرة خبیثة باعت کرکوك لإیران، کما کان الإتحاد بمثابة مستشار للدولة العراقیة للقضاء علی حکومة کوردستان وتدمیر الإقلیم، فلا ننسی (عادل مراد) أحد مسؤولي الإتحاد ودوره السيء عندما طلب من (نوري المالکي) عندما کان رئیساً للوزراء، بقطع حصة کوردستان من الموازنة وقطع رواتب موظفي الإقلیم، معلّلاً آنذاک بأن حکومة إقلیم کوردستان لا تقدر علی إدارة نفسها فتستسلم للحکومة الفدرالیة، وتسقط کوردستان عن بکرة أبیها.
والتأریخ سیکتب دوماً عن علاقات الإتحاد الوطني الکوردستاني ینك والعمال الکوردستاني البکک مع قاسم سلیماني، والآن سنعود للموضوع الرئیسي، فنقول “کان قاسم سلیماني بمثابة إستراتیجیة وقائد وکذلك دبلوماسیاً لرقعة الشطرنج للسلطات الشیعیة” وقد قُتل قائد شطرنج الشیعة، غیر أن رقعة الشطرنج باقیة، وبیادقه -جنوده- (الإتحاد والعمال الکوردستانیین) کیف سیقومون بدورهم بعده؟ فهل سیخدمون کوردستان منطلقین منه کمبدأ وأساس جدید؟ أم سیحاولون تفطیس السلطة الکوردیة لصالح السلطات الشیعیة؟
من الضروري علی الکورد في هذه المرحلة متابعة رقعة الشطرنج ومتابعة الحقائق ومجریاتها.