ذکری تأسیس جمهوریة کوردستان الـ 74، والدروس المستفادة من الإنحراف عن فکر ومسار جمهوریة کوردستان، وفقدان وإضاعة الفرصة الذهبیة في غرب کوردستان.
یُعد تأسیس الجمهوریة القومیة والدیمقراطية لکوردستان من إحدی أهم القرارات الجریئة في التأریخ الحدیث والمعاصر للشعب الکوردي، وأحداث الآونة الأخیرة في غرب کوردستان توضح وتؤکد أن الإنحراف والإبتعاد عن فکر ونهج ومسار القادة الکورد الأوائل والمخلصین لا یستفید منه إلا المحتل ولا تصب إلا في صالحه، ولا مکسب وراءه غیر الفقدان والضیاع.
الیوم الـ 22 من ریبندان/کانون الأول، هو الذکری الـ 74 لتأسیس جمهوریة کوردستان، الجمهوریة القومیة-الدیمقراطية- علی ید قدوة الکورد (قاضي محمد) والحزب الدیمقراطي في ساحة (چار چرا) بمدینة مهاباد في شرق کوردستان، وبتأیید ودعم الثوار الکوردالأحرار في کافة أجزاء کوردستان الأربعة، وبالأخص الجنرال (مصطفی البارزاني) ورفاقه، الذین إستطاعوا إیصال السیادة القومیة للقمة، کما إستطاعوا إدارة حکومة قومیة-دیمقراطية- لمدة ما یقارب السنة.
ومع أن جمهوریة کوردستان لم تستطع الصمود والإدامة، وأجهضت في بکرة أبیها؛نتیجة المؤامرات الدولیة آنذاک، غیر أنها ترکت للکورد ونضالهم المشروع دروساً هامة وقیمة، أصبحت محط الإستفادة، وبمثابة خارطة للطریق للکورد في إدامة نضالهم القومي، بحیث إستفاد منها الکورد وکوردستان، ورأوا خیراً منها في کفاحهم ونضالهم علی مرّ العصور، کما تعرضوا للمآسي والکوارث حال حیادهم عنها.
جمهوریة کوردستان کانت قراراً ثوریاً وبطولیاً وجریئاً، لأن قرار الکورد بتأسیسها جاء في وقت کان محتلوا کوردستان یحاکون أخبث مؤامراتهم علی مرّ التأریخ للقضاء نهائیاً علی هذه القومیة وإبادتها، بل وصلوا في حیاکة هذه المؤامرات إلی أخطر مراحلها وأشدها بشاعة، لذا نستطیع القول أن جمهوریة کوردستان ورغم قُصر عمرها أهدت وقدّمت آلاف السنوات لکوردستان والقضیة الکوردیة المشروعة، کما أنها ضحّت بنفسها لإنهیار وتفکیك المؤامرات الرامیة لإبادة الکورد وتدمیر کوردستان.
وأهم أحداث کوردستان بعد زوال وإنهیار جمهوریة کوردستان، وإعدام القائد والقدوة والمؤسس لأول جمهوریة کوردستان، هذه الأحداث تکشف لنا أن الأفکار التي بُنیت علیها جمهوریة کوردستان نستطیع جعلها أساساً لبناء کیان قومي کوردي، وبناء کوردستان أخری، وأن الإنحراف عن مثل هذا الفکر والنهج سیؤدي بالضرورة إلی إذاقة مرارة الظلم والطغیان لقومیتنا علی ید المحتل الظالم.
ولإثبات نظرتنا ورؤیتنا هذه سنأتي بمثالین للحدیث عنهما، جنوب کوردستان وغرب کوردستان، في تسعینیات القرن المنصرم وبعد إرتکاب الأخطاء القاتلة والمهلکة التي قام بها نظام البعث المنحل والمحتل، قام الشعب الحر لجنوب کوردستان وبقیادة الثوار والمناضلین الأحرار الکوردستانیین بتحریر هذا الجزء من وطنهم کوردستان، في ثورة عظیمة، کسروا فیها أصفاد العبودیة، ووضعوا أسساً متینة وقویة لتأسیس حکومة کوردیة، وقامت أحزاب هذا الجزء من کوردستان علی العموم والحزب الدیمقراطي الکوردستاني خصوصاً -الذي تأسس في ظل جمهوریة کوردستان- بأخذ الأفکار القومیة والوطنیة لجمهوریة کوردستان بنظر الإعتبار وعلی محمل الجد، وأسسوا برلماناً وحکومة لهم، ورفعوا مجدداً العلم الذي رفعه القاضي وسلّمه کـ”أمانة” للجنرال مصطفی البارزاني.
وأصبحت الدولة القومیة في جنوب کوردستان القشة التي قصمت ظهر الأعداء ومحتلي کوردستان، وأحبطت العشرات بل والمئات من مؤامراتهم الخبیثة والنتنة التي حیکت ضدهم، لوجود إرادة قومیة دیمقراطية تساندهم وتدعمهم.
فأشعلت دول الإحتلال الحروب الداخلیة فیها، مارسوا کل أشکال الإرهاب فیها، أحدثوا التفجیرات، حاربهم بداعش، خلقوا کارثة 16 أکتوبر، حاکوا العشرات من المؤامرات الخبیثة والدنیئة، غیر أنهم لم یستطیعوا تدمیر کوردستان وإنهیارها، کما لم یستطیعوا إنزال العلم المرفرف في جنوب کوردستان، ذلك العلم الذي ورثته من جمهوریة مهاباد.
فکوردستان ما زالت صامدة نتیجة إرادتها وإرادة شعبها المنبثقة والمستوحاة من إرادة جمهوریة کوردستان، صنعوا الیوم حلم إستقلال کوردستان الذي کان بالأمس مستحیلاً بنظر العالم أجمع، بل حتی بنظر قسم من الکورد أنفسهم کان کـ خیال الشعراء، فقاموا بإجراء إستفتاء الإستقلال التأریخي والذي شارك فیه أکثر من 90% من شعب کوردستان، حیث صوّتوا بــ”نعم” لإستقلال کوردستان، وأوصلوا رسالة للعالم أجمع بأن إستقلال کوردستان لیس حلماً وخیالاً للشعراء، وإنما هي إرادة أمة، ومطلب شرعي لعشرات الملایین من شعب یعاني العبودیة والإضطهاد.
ومع أن مؤامرة 16 أکتوبر الخیانیة والخبیثة لم تدع نتائج إستفتاء الإستقلال تلقي بظلالها علی الأمة الکوردیة، ولم تدعها تری النور، بل قضت علیها في بکرة أبیها ووأدتها في صغرها، غیر أن ما لا یتطرّق إلیه الشکوک أن مکتسبات تلك القرار التأریخي والجريء لشعب کوردستان کانت نظیرة وموازیة لمکتسبات جمهوریة مهاباد، فأودت وأقبرت فکرة إذابة وإبادة هذه الأمة إلی الأبد، فالقرار کان وطنیاً قومیاً، ولهذا حظي بالقبول والدعم والترحیب الحار من قبل الکورد في کافة أجزاء کوردستان الأخری، وأقیمت الإحتفالات فرحاً.
إمیرالي وقندیل تضیّعان فرصة ذهبیة عن الکورد في غرب کوردستان
خلال السنوات الأخیرة، وبسبب قیام الإحتجاجات والتظاهرات في سوریا، لاحت فرصة ذهبیة لغرب کوردستان، ومع أن النظام السوري لبشار الأسد المحتل لغرب کوردستان لعدم إستطاعته أولاً وإطاعة لأوامر إیران وحسب إرشاداتها ثانیاً، سلّم غرب کوردستان لشریکته للبکک، ومما لا شك فیه أنه کان بإستطاعة البکک أن تجعل من هذا الجزء من کوردستان کیاناً مستقلاً بقرار جريء وحسب رؤیة وفکرة قومیة ووطنیة، غیر أنه من المؤسف أن سیاسة قادة البکک في (إمیرالي وقندیل) والتي تعادي دوماً أفکار ونهج جمهوریة کوردستان، هذه السیاسة تسببت في ضیاعة وفقدان هذه الفرصة الذهبیة التي لن تتکرر مرتین، بل وعرّضت غرب کوردستان لوضع مأساوي وکارثي، بحیث أصبحت عناوین الأخبار لا تمرّ علیها مرور الکرام، من غیر نشر أخباراً مفادها مقتل شباب کوردستانیین، أو ممارسة إبادة جماعیة بحقهم، أو تغییر دیمغرافي مورس بحقهم وعلی أرضهم من قبل المحتلین، مضیّعین بهذا أغلی فرضة ذهبیة، وجارحین في نفس الوقت قلوب القومیین والوطنیین الکورد في العالم أجمع.
فلو إنتهت البکک من التعاون مع المحتلین، وأخذت بنظر الإعتبار الأفکار الدیمقراطية والقومیة لجمهوریة کوردستان، وعلی نقیض القیام بممارسة الإرهاب وانتهاج الإعدام وبرمجة الإعتقالات، علی نقیض هذا قامت بفتح المجال للمناضلین في غرب کوردستان للمشارکة في بناء کیان کوردي، فهل کانت الأحوال کما هي الآن؟!
لو نبذت البکک آنذاك أفکارها المتطرفة والسلطویة الوحدویة، وفسحت المجال لبیشمرکة غرب کوردستان-روجافا- بالعودة إلی مناطقهم، وتشکیل جبهة موحدة للدفاع عن تربتهم ووطنهم، فهل کانت عملیة إحتلال غرب کوردستان بهذه السهولة؟!
لو منحت البکک نصف ثقتها التي منحتها للعرب، للکورد، وبدل إستخدام قوتها لتنفیذ مؤامرات الأعداء المحتلین (سنجار وکرکوك) وجّهت تلك القوة لتحریر نهائي لغرب کوردستان، فیا تری هل کانت عملیة إحتلال غرب کوردستان تتم بهذه السهولة التي رأیناها؟!
فالحق أن قیادة وإدارة حزب العمال الکوردستاني البکک کحزب وتنظیم في شمال کوردستان، لو لم تتدخل في شؤون غرب کوردستان، کتأسیس تنظیمات موالیة لها ورفع أعلامها الحزبیة الخاصة وصور زعیمها المسجون و…الخ، فبدل القیام بهکذا أعمال لو قامت بفسح المجال للکورد في غرب کوردستان وفسح المجال لتنظیمات وقادة وزعماء تلك المنطقة بإدارة أنفسهم ومنطقتهم وحمایتها والدفاع عنها، فهل کان من المعقول آنذاک أن تستطیع ترکیا غزو واحتلال هذا الجزء من کوردستان بالسهولة التي حدثت ورأیناها؟!
ولا نقصد بحدیثنا هذا الإلتفات عن الجرائم والکوارث والمآسي والأفعال الوحشیة للإحتلال الترکي والسوري تجاه الشعب الکوردي، فمما لا یتطرق إلیه أدنی شك أن ما تعرض له الشعب الکوردي في غرب کوردستان من کوارث وجرائم ضد الإنسانیة فإن المتهم الرئیسي والأول فيها هو دول الإحتلال الترکي والسوري، غیر أن الأخطاء والنواقص التي إرتکبتها قادة البکک لا ینبغي تجاهلها وغفرانها بهذه السهولة، وغض الطرف عنها! بل من الضروري کشف الستار عن السیاسات المعوجة والخاطئة والتي تثیر الشکوك والتساؤلات التي مارستها البکک وقادتها والتي لم تخدم غیر محتلي کوردستان ولم تفد غیرهم، والتي لیس وراءها أي مکسب لکوردستان ونضالها المشروع.
فالبکک وتحت ذریعة مخاوفها من حدوث الإقتتال الداخلي والأخوي لم تفسح المجال لقوات بیشمرکة غرب کوردستان/روجافا بالعودة إلی مناطقهم، ومما یجرح الإنسان أعمق وأکثر أن قادة البکک بدل التفکیر في کیفیات وحیثیات الدفاع عن غرب کوردستان واعتراض الغزو والإحتلال الترکي ومواجهته، إستخدموا قواتهم في إعتقال من قاموا برفع علم کوردستان الموروث من جمهوریة کوردستان؟!
السیاسات الخاطئة لقادة البکک نقلت غرب کوردستان من حضن محتل لحضن محتل آخر
قالت البکک : سننقل الحرب إلی أنقرة، غیر أننا رأینا بأم أعیننا إحتلال عفرین وغیرها من المناطق الکوردیة في غرب کوردستان، والحرب لم تنتقل لأنقرة، بل حتی لم یتم إطلاق عیار ناري في تلك المناطق!!
باختصار شدید، سیاسات قادة البکک الخاطئة والمعوجة نقلت غرب کوردستان من حضن محتل لحضن محتل آخر، وهذا مثل سیاسات البکک الکثیرة والتي لا تُعد ولا تُحصی والتي لم تخدم غیر المتطرفین القومیین الأتراك، والتي لم تسبب غیر الألم والمآسي للشعب الکوردي المضطهد، فکلنا أمل أن یقوم الوطنیون والقومیون المخلصون وحماة غرب کوردستان بکل جرأة وقومیة ووطنیة ودیمقراطية بجعل نهج وفکر ورموز جمهوریة کوردستان أسساً وقواعد للمراحل المقبلة من نضالهم وکفاحهم، وعدم فسح المجال مرة أخری بأن تکون أقدس موروث لدیهم کالأرض والوطن والإرادة بمثابة ألعوبة في ید تنظیمات وأحزاب کوردیة بالإسم فقط! تلك التنظیمات والأحزاب التي لم تخدم غیر المحتل ولم تعمل إلا في صالحه، ولم یسجّلوا شیئاً إیجابیاً في تأریخ الکورد! فقد حان الأوان بأن یثق قادة ومسؤولي غرب کوردستان بأنفسهم وقدراتهم وقاعدتهم الجماهیریة، ویعتمدوا علی أنفسهم، موضع موالاتهم واتباع قرارات إمیرالي وقندیل، علیهم أن یقرروا حق تقریر مصیرهم بأنفسهم وبکل جرأة، علیهم إدارة مناطقهم وقضیتهم بکل إخلاص ووفاء للوصول بوطنهم لمستقبل مشرق ومزهر ومأمول.
فلا شك أنهم بهذه الطریقة وحدها یستطیعون تجنب شعبهم ومجتمعهم ووطنهم الکوارث والمآسي أو الحد منها أو تقلیلها علی أبعد الإحتمالات، ومحاولة خلق فرصة أخری علی أمل رفع علم أول جمهوریة کوردستان بعد جنوب کوردستان أن یرفرف عالیاً حرّاً أبیاً.