الأمة الکوردیة تتوحد في وقت الضیق فقط!
إشتهرت مقولة بین الأوساط الکوردیة تفید بأن الکورد یمسکون أیدي بعضهم بعضاً في الأعراس والدبکات الشعبیة الکوردیة فقط، بل علی العکس من هذا فالأمة الکوردیة في صراع دائم وحرب خبیثة لا متناهیة وبلا حدود، ومع أن هذه المقولة تحتوي علی بعض الحقائق في طیاتها، غیر أنها لا تؤخذ کحقیقة تامة وکاملة، فقد ثبت في تأریخ الأمة الکوردیة أنها توحدت في غالبیة الأوقات الصعبة والتي تعرضت فیها للنکبات والنکسات، والأمثلة علی هذا کثیرة، ففي الهجرة الملیونیة للشعب الکوردي جنوب کوردستان نحو حدود ترکیا وإیران سنة 1991، قام الکورد في شرق کوردستان وشمالها بمدّ ید العون لشعب الجنوب وإخوانهم بما أوتوا من قوة، بعد هروبهم من أعتی أنظمة العالم المستبدة، نظام البعث المنحل، والإلتجاء إلی أجزاء کوردستان الأخری، کما عاملوهم أنقی التعاملات وأرقّها خلال عملیات الأنفال السیئة الصیت، ومدّوا لهم ید العون والمساعدة بکل طاقتهم.
وبالمقابل، فقد فتح کورد جنوب کوردستان أحضانهم لإخوانهم في الشمال، ففتحوا لهم أکبر المخیمات في منطقة أتروش ثم نقلوهم لمخیم مخمور، وآووهم کما لو کانوا علی أرضهم وفي منازلهم، وعلی أملاکهم.
وکذلك، عندما تأزم الوضع السوري، قام الشعب الکوردي في جنوب کوردستان باحتضان إخوانهم من غرب کوردستان، وتوجه الشعب الکوردي من غرب کوردستان نحو إقلیم جنوب کوردستان وکأنه منزلهم الثاني، وقام الشعب الکوردي في الجنوب بإیوائهم بل تقاسموا معهم ما یملکون، ومثل هذه الأمثلة کثیرة، غیر أن ماذکرناه قد یبدو أبرز ظاهرة تؤید ما نرید إثباته أن الأمة الکوردیة تتوحد أوقات الضیق إجتماعیاً.
وکذلك من الناحیة السیاسیة، فمساعدة بیشمرکة جنوب کوردستان ودفاعهم عن إخوانهم المقاتلین في مدینة کوباني، ظاهرة قد تکون منعدمة النظیر في التأریخ الحدیث والمعاصر للدول والأمم، وکذلك محاولات جنوب کوردستان الجادة في بناء سلطة تعددیة دیمقراطیة في غرب کوردستان ومحاولة إشراك کافة الأحزاب والأطراف الکوردیة في العملیة السیاسیة في غرب کوردستان، ومؤتمرات واتفاقیات دهوك وهولیر خیر دلیل علی ما نقول.
اکارثة 1 شباط ضد الشعب الکوردستاني
في الأول من شباط عام 2004، وفي کارثة وجریمة إرهابیة فریدة من نوعها، قام إرهابیان بتفجیر نفسیهما في الوقت نفسه وفي موقعین مختلفین في مدینة هولیر/أربیل العاصمة، في مقرّین رئیسیین لأقوی قوتین سیاسیتین وفعالتین ومؤثرتین، أدت العملیتان الإرهابیتان إلی إستشهاد نخبة فریدة من القادة الکورد وعدد کبیر من الحضور.
فقبل 16 سنة قبل الآن، وفي الأول من شباط عام 2004، حدثت جریمة مروعة أدمت قلوب المخلصین، وأدمعت أعینهم، في مؤامرة دمویة خبیثة من قبل الإرهابیین ضد الشعب الکوردي، فقد حدثت عملیتان إنتحاریتان إرهابیتان من قبل إرهابیين تابعین لجماعة “شیخ زانا” المعروفة بجماعة “الجهاد” الإرهابیة التابعة لتنظیم أنصار الإسلام، في مقرّي الإتحاد الوطني الکوردستاني الفرع الثالث، والفرع الثاني للحزب الدیمقراطي الکوردستاني، والأدهی والأمر من هذا أنه کان الیوم الأول لعید الأضحی المبارك، فقد قامت الجماعات الإرهابیة التابعة للإسلام السیاسي بإستشهاد 101 شخصیة کوردية، بل من قادة رفیعي المستوی للأمة الکوردیة ومواطنین عادیین، وضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل أفکارهم العفنة والنتنة والخبیثة.
وهذه العملیة الإرهابیة التي حدثت قبل 16 سنة من الآن في العاصمة هولیر، أدت لإستشهاد عدد کبیر من الکوادر المتقدمین والقادة من کلا الحزبین الکوردیین الدیمقراطي الکوردستاني والإتحاد الوطني الکوردستاني، وکانت الحادثة بمثابة ضربة قویة وقاضیة للأمة الکوردیة نظراً لتزامن الکارثة المفجوعة للیوم الأول من عید الأضحی المبارك، یوم إبراء الذمم والعفو والصفح عن البعض! غیر أن أعداء الأمة الکوردیة أجرموا مرة أخری بحقها بارتکاب أشد الجرائم وأبشعها بحق الحزبین الرئیسیین والممثلین للشعب الکوردي، والمؤثرین في کوردستان، وهنا تتبلور مسألة جوهریة:
لماذا تم إستهداف هذین الحزبین؟
لماذا لم تتم إستهداف الأحزاب الإسلامیة؟ مع أنها أیضاً کانت تستقبل الأهالي بمناسبة العید؟
الإسلام السیاسي خاوٍ وخالٍ من الکوردایتي
ومما یجرح القلب ویحزنه ما یصدر من الأحزاب والقوی التي تمثل الإسلام السیاسي، ففي کل سنة وخلال هذا الیوم بالتحدید، وبدل تقدیم التعازي واستذکار شهداء الأول من شباط والتأسف علیهم، أولائك الشهداء الذيى لا ینسی دورهم الفعال والمخلص في إدارة السیاسة الکوردیة وبالأخص في جنوب کوردستان، فبدل کل هذا تقوم هذه الأحزاب بمبارکة الیوم العالمي للحجاب الإسلامي للمرأة المسلمة!
فقد خلت قوی الإسلام السیاسي هذه من أیة معان للکوردایتي، وکل شيء مبارك عندهم غیر الکورد وکوردستان، فهذه القوی التي صلّت صلاة الغائب علی محمد مرسي الأمین العام للإخوان المسلمین في مصر، والتي تحدثت وتتحدث عن فلسطین والفلسطینیین، ومسلمي الإیغور الصینیین، ومسلمي میانمار، کما یدعو دعاتهم ومرشدوهم للشیشانیین، وغیرها الکثیر الکثیر من الأمثلة، غیر أنهم لم یتحدثوا بأي شکل من الأشکال عن شهداء کوردستان عامة وشهداء الأول من شباط في هذا الوقت بالتحدید، وهذا ما یخلق شکوکاً في محلها للأمة الکورد والکورد أجمع.