هیکلیة المجموعة الآیدولوجیة لأوجلان والبکک کباقي التنظیمات الیساریة والمارکسیة المبنیة علی الدیمقراطیة المرکزیة، ولهذا الغرض وعلی هذا الأساس یتم عقد المؤتمرات والکونفرانسات وتشکیل اللجان المختلفة، غیر أن إهتمامهم الزائد عن الحد بالمرکزیة أضعف جانب الدیمقراطیة بشکل کبیر وأهمله، وفي هذا الإطار یبرز دور الرئیس ویترفع علی الحزب وبهذه الطریقة مالت البکک وانحرفت عن الأسس التنظیمیة المارکسیة وخرجت منها.
البکک تری زعیمها ئابو أعظم وأسمی من کوردستان والکوردایتي
بشکل عام ألصقت البکک القومیة والوطنیة والتنظیم بوجود رئیسها وزعیمها، فشعار “ئابو– کوردستان” إنما هو نتاج هذا التفکیر الخاطيء والمنحرف وانعدام الدیمقراطیة، وهذا ما تسبب وبالأخص بعد إعتقال أوجلان أن تکون کافة إعتصامات واحتجاجات کوادر ومؤیدي البکک مبنیة علی مثل هذه الشعارات “لا حیاة بدون الزعیم” و”یحیی الزعیم ویحیی الرئیس” وبهذا تضع البکک أوجلان قبل کوردستان والکوردایتي، کما تربي وتثقف کوادرها ومؤیدیها علی هذه الأفکار والقیم، بحیث أصبح هذا الشيء حقیقة وواقعاً لا شك فیه، وقد ضحت البکک بکل شيء من أجل هکذا شعارات، فالبکک وبهذه الشعارات جعلت کوردستان والکوردایتي وکافة القیم الوطنیة ضحیة لـ ئابو وأنهوها في سبیله، کما تری البکک بأنه لا معنی لأیة کوردستان مستقلة ولا فائدة منها بدون وجود زعیمها ئابو!
وهذا ما یُعتبر نمطاً فکریاً حدیثاً في تأریخ الأمة الکوردیة، فتقیید کل القیم والمباديء وجمعها في شخصیة واحدة، والتفکیر بأن هذا الشخص وحده یستطیع تحریر کوردستان وإیصالها لبرّ الأمان، وأنه ینبغي علی الکل إخضاع إرادتهم لهذا الشخص والإیمان به إیماناً مطلقاً، غیر أن هذا الشيء لیس بالشيء الجدید في العالم، فقد وجدت مثل هذه الأنماط الفکریة من قبل، فقد وجدت في دول مثل إیران زمن الشاه “رضی بهلوي”، فشعار “الله، الملك، الوطن” إنما جاء لیقدس الملك علی الوطن، فبعد الله یأتي جلالة الملك ثم الوطن، وهذا ما رسخ في فکر البکک وعندهم أن أوجلان أقدس وأسمی وأبرك من الوطن.
لا یقبل بأي شخص في تنظیمات البکک ما لم یذعن ویخضع إرادته لأوجلان
في البکک مثل ما في باقي الأحزاب والتنظیمات المشابهة لها في الآیدولوجیة وعلی منوالها في نمط التفکیر، أن الرئیس وحده من یقرر، وعلی الکل الإلتزام بهذه القرارات طاعة عمیاء، فخلاصة الأمر بین کلمتین “سمعاً وطاعة” فیجب علی الکل الإمتثال لأوامر الزعیم القائد من غیر تردّد، وسواء في ذلك الأعضاء المرشحین للرئاسة والقیادة في المؤتمرات وغیرهم من الکوادر والأعضاء العادیین، ولا یحق لأحد إظهار تردده أو إمتعاضه من قرارات وأوامر الزعیم، بل وصل الأمر إلی أن البکک لا تقبل في صفوفها من لا یذعن إرادته للزعیم أوجلان، وأن لا یری ذاته وشخصیته في ذات وشخصیة الزعیم أوجلان! وبهذا الصدد یقول جمیل بایك في کتابه الموسوم “تأریخ من النار” والذي کتبها عن تأریخ البکک، وبشأن دور الرئاسة في البکک، یقول: رئاستنا شرعت بکتابة نظریة الثورة، وشکلت المجامیع وأسستها، کما أنها بنفسها قامت بتربیة هذه المجامیع، ولحد الآن تقوم القیادة برئاسة التنظیم، وعندما کانت الأوامر والتعلیمات تصدر إلینا، کان هذا کافیاً لنا أن نلتزم بها في الحال ونطبقها وننفذها بحذافیرها، من غیر أي نقاش، وهذا جانب هام في البکک.
فالإیمان المطلق بالزعامة والولاء لها في البکک لیس شیئاً عادیاً وظاهرة طبیعیة بحیث یستطیع الإنسان أن ینظر إلیها کتنظیم، فالرئیس في البکک فوق کل شيء وهو فوق الحزب ومبادئه، بحیث إذا إلتحق أي شخص بالبکک فیجب علیه القبول بأوجلان والإیمان به أولاً، وکما أشرنا قبل قلیل أنه یجب علیه أن یری نفسه في ذات أوجلان، ویری شخصیة أوجلان فوق کل شيء، فوق الحزب وفوق الوطن، أي أن یکون أوجلان أقدس وأسمی وأبرك حتی من کوردستان نفسها! وبهذا الصدد یقول جمیل بایك: “في التنظیم، یتم تقبّل الرئاسة والاستسلام لها في المرتبة الأولی، أنظروا إلی رئاسة لینین، فحتی عام 1912 وبعد رئاسة لینین یتم القبول بها، نعم تم القبول به في الجماعة البلشفیة، غیر أنه وفي الحزب الإشتراکي الروسي لم یکن هناك شيء کهذا، غیر أنه وفي تأریخنا تم قبول الرئیس والإستسلام له ومنذ الیوم الأول”.
ولو أخذنا هذه الرؤیة بنظر الإعتبار ومن الناحیة السلبیة، لرأینا: “أنه إذا إلتحقت بهذا الحزب وهذا التنظیم، فیجب علیك تسلیم إرادتك للحزب، وأن تقول بأنك علی إستعداد تام لأیة مهمة متی ما کانت وأینما کانت! وأنا علی أتم الإستعداد لخدمة هذا الحزب ومصالحه”، وهذا مدلول ومعنی الشخص الحزبي، ولا یقبل بأي أحد خارج هذا الإطار والنمط من التفکیر.
وقد یکون بسبب هذا النمط من التفکیر ما صدر عن جمیل بایك عام 1996 من إیعاز بإعدام 7 مقاتلین لهذا التنظیم بطریقة لا مسؤولة ووحشیة، عندما رفض هؤلاء المقاتلین الإنصیاع لأوامر بذهابهم لمنطقة تمت تعینها لهم والقیام بواجبهم فیها، وطلبهم بتغییر تلك المنطقة بمنطقة أخری، غیر أنه وبعدما وصل الخبر لمسامع جمیل بایك، قال بایك: “إجعلوا الأحجار في سراویلهم وألقو بهم في النهر!” وهذا مجرد مثال حي من أمثلة لا تُعد ولا تُحصی مما فعله جمیل بایك بالشباب الکورد في هذا التنظیم!
ویقول بایك في کتابه هذا في معرض آخر: یستطیع الزعیم القائد أن یغیر قرارات المؤتمر حسبما شاء، بل حتی ترشیح أعضاء اللجنة المرکزیة إنما هو شکلي وروتیني! کما یستطیع الزعیم إقالة الأعضاء الذین تم ترشیحهم من قبل المؤتمر من مناصبهم، ولإثبات کلامنا هذا فلننظر إلی قرار المؤتمر الثاني للبکک هذا: “اللجنة المرکزیة المنتخبة لم تکن رسمیة! ولکي تکون لجنة مرکزیة رسمیة ینبغي علیها النضال والکفاح والعمل لمدة سنة کاملة؛ لکي تفرض نفسها بشکل فعلي وواقعي، وتم منح هذه الصلاحیات للزعیم القائد!” أي أن العضویة القیادیة هي وحدها کانت عضویة رسمیة وغیرها کانت مجرد عضویة شکلیة.
ومثل هذه الأشیاء لا تُری إلا داخل هذا التنظیم وهذا الحزب، فتبني مبدأ الحزب والثورة فوق کل شيء في البکک، یجنبها الوقوع في أیة مواقف خطرة.
وباختصار، نستطیع القول أن بناء هیکلیة البکک المتمثلة بتأسیس المکتب السیاسي “الهیئة الرئاسیة” و “الجنة المرکزیة” و “القیادة” إنما هو حبر علی ورق، ولا یفهم منها أن الرئیس وکوادر وأعضاء البکک یؤمنون بمؤسسات البکک والقرارات الجماعیة، إذ الأسلوب المتبع والوحید في هذا التنظیم ینحصر في أن یقرر الزعیم القائد وینفذ غیره هذه القرارات من غیر سؤال وجواب!