إعادة التأريخ .. والإعتراف غير المباشر بأنشطة وعمليات مدينة باسوور

إعادة التأريخ .. والإعتراف غير المباشر بأنشطة وعمليات مدينة باسوور

حزب العمال الکوردستاني عن طریق حرق الغابات والمصانع والمعامل وتفجیر السیارات … في عملیة إیهام بأن نار الحرب مستعرة في شمال کوردستان!

صباح یوم أمس حصل إنفجار في قریة “شاویشا -گولجي-” التابعة لمدینة “باسوور” وأصبح الإنفجار العنوان الرئیسي والبارز والساخن للصحافة والإعلام، کنا ننتظر تصریحات ناریة للبکک! أوالتحدث عن الإنفجار من قبل أجنحة البکک المسلحـة علی الأقل! ولهذا لم نقم بتحلیل الأحداث ومتابعتها علی أمل الحصول علی حقیقتها جاهزة! غیر أن البکک إلتزمت الصمت! لم تصرح! لم تبد أي موقف بطولي! عدا ما ورد من وسائل إعلام البکک -بطریقة غیر مباشرة ومبهمة- أنهم تقبلوا بالحادث! وفي الوقت نفسه تخبطوا تخبط عشواء في محاولة منهم لقول أن من قُتل في العملیة کان یستحق القتل وبلغ جزاءه العادل!

وکالات أنباء البکک (أوزگور بولتیکا ونوجە جوان) کانت تحاول التعریف عن ضحایا الحادث والکشف عنهم، فکانت تقول أن من قتل إثر العملیة هم حماة الأریاف والقری والمتقاعدین من مخابرات الدولة الترکیة، فکما في السابق أرادت التحدث باسم المصادر المطلعة والتي لها الحقوق والبدء -کما دأبت- بصناعة الأخبار الکاذبة والمفبرکة ونشرها!

فقد کتبت (نوجە جوان): فحسب الأنباء المحلیة التي إطلعنا علیها أنه وخلال أشهر فصل الربیع قامت جماعات من الخونة وبائعي أنفسهم بتنظیم صفوفهم ..!

ولم تنس وکالة (نوجە جوان) الخبر من الناحیة التأریخیة فتقول: قام هؤلاء الخونة والمرتزقة بتنظیم صفوفهم خلال تسعینیات القرن الماضي والقیام بالعملیات التجسسیة، کما شارکوا في العملیات الأمنیة، إضافة لعملیات قتل النساء والدعارة! کما قالوا علی مواقع التواصل الإجتماعي ومواقعهم الإلکترونیة: هؤلاء جحوش ومرتزقة وحماة الوطن والأریاف ویستحقون القتل وقد إنتقمنا منهم وأخذنا بثأرنا!

ورغم عدم الإعتراف الرسمي بهذه الأحداث من قبل البکک غیر أنه إکتشف أن البکک هي من قام بالحادث، لأن الحادث لم یکن مواجهة بین الدولة الترکیة والکورد، بل کانت قتل الکورد للکورد! فإعلام البکک تحاول إضفاء الشرعیة علی قتل الکورد وسفك دمائهم في حلهم وترحالهم!

وحول خطأ وخطیئة قتل الکورد للکورد إختصر القائد الکورد الملا مصطفی البارزاني القول فیها بـ: الکوردي الجید والأصیل یقتل الأعداء، فلو قتلنا المسیئین والأشرار من الکورد لما بقي أي کوري!

لماذا یُضحی بالکورد من أجل دمقرطة ترکیا؟

تحدید السيء والمصلح والخیّر والشریر خلال هذه الحرب موضوع لا طائل تحته، فخلال حرب البکک لـ 42 عام قتل الکثیر الکثیر، بل قُتل أکثرهم، والذین تضرروا خلال هذه الحرب أکثر من الکل بحیث فقدوا الأرواح والأملاك والممتلکات ویُتموا وثکلت فؤادهم وأصبحوا بلا وطن بلا مأوی بلا أمل هم الکورد فقط! الکورد لا غیرهم! فمن أحرقت قراهم هم الکورد! ومن قُتلوا خلال حرب الخنادق هم کانوا الکورد فقط! لأن من حُفر في قراهم الخنادق أیضاً کنا نحن الکورد! ومن جُوّع وشُرّد من علی أرضه وفي أحضان وطنه هم أیضاً نحن الکورد لا غیرنا! ومن یموت ویتقطع لأشلاء نتیجة حقول الألغام هم أیضاً نحن الکورد لا غیرنا! ومن یُقصف قراهم وأملاکهم هم أیضاً نحن الکورد لا غیرنا!

فمن أجل خدمة الدولة الترکیة بدایة یقوم أوجلان والمسلحون المرتبطون به بطلب المبارکات من الدولة الترکیة والسماح لهم بخدمة ترکیا العظیمة! وبعدها یقوم هؤلاء المخلصون للدولة الترکیة -أي البکک- بحرق القری الکوردیة بتهمة خدمة الدولة الترکیة! بقتل المخلصین الأبریاء من الکورد بتهمة الخیانة والتجسس لترکیا!! إنها فعلاً قصة تراجیدیة! فالبکک والمرتزقة کلاهما یخدمان الدولة الترکیة، وکلاهما یدافعان عن ترکیا ویحاربان عنها بالوکالـة! لیصل الأمر إلی أن یقول زعیمهم ئابو عام 2014 وذلك خلال مباحثات عملیة السلام بین البکک والدولة الترکیة: نستطیع ضم مقاتلي البکک -گریلا- ضمن القوات النظامیة للجیش الترکي ودمجهم فیها وهذا ما سیقوي الدولة الترکیة أکثر فأکثر!

فنستطیع القول أن إرتزاق أهالي القری ومواقف ورؤی أوجلان في ظلال ترکیا یستقون من فکر واحد وینبعون من نبع واحد! فکلاهما یناضلان ویحاربان من أجل إبعاد الضعف والوهن والخطر عن وحدة الدولة الترکیة والتضحیة بکل شيء ضد إنقسامها وتجزئتها، ومرکز الخلاف بینهما یتمحور في الإختلاف الفکري الحاصل في أن أحدهما یمیل للیمین والآخر یأوي للیسار المتشدد لا غیر!

مقتل 5 مواطنین کورد لیس انتصاراً للبکک والبکک یعلم ذلك أفضل من الجمیع

لو کان کما یقولون، ولو کان هؤلاء جحوشاً ومرتزقة أیضاً، مع کل هذا فمقتل 5 مواطنین کورد لیس إنتصاراً للبکک والبکک أعلم بهذا من الجمیع، فالبکک یستعمل هذا الحادث کعملیة دعائیة، تلك الأنشطة التي سکتت عنها جمیع وسائل الإعلام تستغلها، الفرق الإنتقامیة تقول: لقد قمنا بالعملیة الإنتقامیة، لقد قمنا بهذه الأنشطة، حرق الغابات والمصانع والمعامل والسیارات، کذلك تعلن هذه الفرق مسؤولیتها عن هذه الحوادث.

البکک ترید من وراء کل هذا إیصال رسالة مفادها أن الحرب دائرة في الشمال ومستعرة! غیر أن الحقیقة هي أنه لا توجد أیة حروب أو معارك في شمال کوردستان وترکیا، فحروب البکک ومعارکها سواء من الناحیة الإستراتیجیة أو من الناحیة التکتیکیة لا معنی لها! ولکي تغطي البکک فقدان المعنی والهدف من وجودها أو معارکها تقوم بالأنشطة والعملیات الإنتحاریة، الأنشطة التجویعیة، قتل المدنیین الأبریاء باسم الخیانة والإرتزاق والتجسس، ومع کل هذا لا تستطیع البکک الهروب والتحرر من المسؤولیة.

الموت سیسکت کل المتخاصمین المعادین

یوم الـ 31  من آذار وفي منطقة بازید التابعة لإقلیم ئاگري، قام مسلحوا البکک بعملیة إنتحاریة سموها بـ (سما کوجر)، لم تتحدث وکالات الأنباء والإعلام الترکي عن الحادث، غیر أنه ذاع خبر أن من قامت بالعملیة هي مقاتلة من مقاتلي البکک باسم “سما کوجر” وهکذا تم تقدیس الموت وتبریکه، لهذا لم یستطع أحد أن یتحدث عن هذا الموت! تحقق الموت والتزم الجمیع الصمت!

البکک هم الأولی وهم الأحق وینبغي علی الکل الإستماع إلیهم وطاعتهم، فالموت لیست وسیلة لإسقاط العدو أو تدمیره بل هي وسیلة لتکمیم أفواه الشعب الکوردي، لإسکات الکتّاب والمثقفین والسیاسیین، وهم بدورهم لم یعرّضوا مصالحهم للخطر فلم یواجهوا عاصفة السلطة الهوجاء کما لم یتحملوا مواجهة صعاب الموت! فقد سکتوا سابقاً وانعدمت المواقف منهم، فسکتوا أثناء حرب الخنادق، کما إلتزموا الصمت إزاء السیاسات الخاطئة والمعوجة للإنتخابات، ولم ینبسوا ببنت شفة تجا‌ه الرؤیة الفوقیة والتعبدیة للزعیم! فسکتوا والتزموا الصمت ولم یکن غریباً علیهم السکوت إزاء حادثة باسور بل کنا نتوقع سکوتهم بدایة.

نتساءل هنا: ما الهدف من قتل الکورد في هذا الظرف الحساس والمتوتر؟! 

الحق أن حادث مدینة باسور وللأسباب التي أشرنا إلیها وذکرناها لم تکن حادثة في محلها، فقد فقدَ الحدث أهم عنصرین له ألا وهما الوقت المناسب والضحایا المناسبین، والحق أنه لیس بحادث أصلاً وإنما هي عملیة ونشاط مسلح من أنشطة البکک، فلو نظرنا إلیها بنظر تکتیکي آني وقتي لرأیناها تصب بکامل أحداثها في مصلحة ترکیا، ففي هذا الظرف الحساس إزاء قانون الإنفاذ المصادق علیه من قبل البرلمان الترکي والذي یغور الأرض باحثاً عن سبب وجیه للتأثیر علی الرأي العام، فمثل هذه الأنشطة لا تصب إلا في مصلحة الدولة ولا تزید الدولة إلا تسلطاً وتجبراً وقوة.

ففي الوقت الذي ینشغل کل دول العالم بجائحة کورونا والآثار السلبیة له علی الحیاة والمستقبل لکل العالم، فمصیر الکورد في جنوب وغرب کوردستان مجهول ویسلك أخطر الطرقات وأوعرها في التاریخ، ناهیك عن حالهم في شمال وشرق کوردستان فبقوا وحدهم لا نصیر ولا داعم! فهم وضمائر دولهم! تلك الدول التي إنعدم فیها الضمیر وغاب في غیبوبة شبه أبدیة! لا أحد لهم لا قریب ولا ولي أمر ولا فرصة سانحة في الأفق! فنعید تساؤلنا ونکرر ما المصلحة التي نأملها أن تتحقق وما الدلالات والمعاني التي نرید إثباتها من قتل الکورد في مثل هذه الظروف الحساسة والمتوترة؟.

مقالات ذات صلة