حزب العمال الكوردستاني البكك وتوهّماتها الأيدولوجية في محاربة الحركة القومية في شرق كوردستان

حزب العمال الكوردستاني البكك وتوهّماتها الأيدولوجية في محاربة الحركة القومية في شرق كوردستان
  • بقلم: زمناكو موكرياني

خلال الأيام الماضية انتشر موضوع على مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا عامة، حاول كاتبه أو كتّابه إظهار سيناريو الحزب الديمقراطي الكوردستاني لشرق كوردستان بشكل آخر وقولبته بقالب خاص، غير أن الموضوع خرج عن مساره وبات أقرب لرواية خيالية من كونه موضوعاً واقعياً، والهدف الرئيسي منه هو إضفاء الشرعية على ضرب الأحزاب والأطراف الوطنية والمقاومة المناضلة في شرق كوردستان من جانب منتجي إرهاب “أخوة الشعوب” في الأيام المقبلة.

الشبكات المقربة من حزب العمال الكوردستاني البكك جعلت من الموضوع “وكأنّهم عثروا على خلية نحل مليئة بالعسل الطبيعي في جذع شجرة!”

ولهذا قامت الشبكات المقربة من حزب العمال الكوردستاني البكك بنشر الموضوع على نطاق واسع “وكأنّهم عثروا على خلية نحل مليئة بالعسل الطبيعي في جذع شجرة!” وصبغ الموضوع بصبغة شرعية حسب مرامهم وأهوائهم ما لا يبقي أدنى مجال للشكّ أن هذه الكتابات هي السياسة الرسمية للبكك، والموضوع خلق هنا وجهة سياسية كبرى من الضروري الكتابة عنها وإيضاحها.

فالكاتب أو الكتّاب المخفيين وراء الموضوع بدأوا ببداية مليئة بالتناقضات والخلافات مما حدي بالموضوع أن يسير في طريق رواية من نسج الخيال بحيث لو دقّقنا في قراءته لرأيناه يناقض نفسه بنفسه ويهدم ذاته!

فبداية تمّ وصف موضوع (الدولة-القومية) كشيء مصطنع ومنتج للأنظمة الرأسمالية ضد الإنسانية! وأنها فتحت المجال أمام العراقيل والخلافات المصطنعة كما أنها ضحّت بآلاف القرابين في مسيرتها هذه! والواضح أن كتّاب هذه المقالة نسوا أو تناسوا أن لحزب العمال الكوردستاني البكك‎ سنوات من الخدمة لمثل هذه الشعارات وأنها كانت تنادي بكوردستان مستقلة وأنهم كانوا يطالبون بتأسيس الدولة-القومية للكورد وقد قدّمت آلاف الكورد وضحّت بهم كقرابين تحت هذه الشعارات!

من الواضح أن كتّاب هذا الموضوع نسوا أو تناسوا أن لحزب العمال الكوردستاني البكك‎ سنوات من الخدمة لمثل هذه الشعارات وأنها كانت تنادي بكوردستان مستقلة وأنهم كانوا يطالبون بتأسيس الدولة-القومية للكورد وقد قدّمت آلاف الكورد وضحّت بهم كقرابين تحت هذه الشعارات!

وكذلك الآن فإضافة لكل التغييرات السريعة التي طرأت وما زالت تطرأ على استراتيجية البكك والتي لم تبلغ أعمار بعضها عاماً واحداً تغيّرت مرة اخرى ومن جديد! وخصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن البيئة الأصلية والأرضية التي تناضل عليها البكك هي أرض كوردستان وبين الشعب الكوردي!

فمما لا تحوم الشكوك حوله هو أن الغرب مؤسس الدولة القومية الطبيعية ونبعها، غير أن باقي المطالبات بتعريف الهوية وكذلك الدولة القومية في هذه المنطقة سواء تمكنت على أرض الواقع جيداً أم لا وعدد كبير من الأنظمة السياسية والحركات التحررية ورغم وجود ادّعاءات مغايرة ورؤى مختلفة إلا أن مصدر إلهامها كانت من موضة الدولة القومية وتأسست عليها، ولو كان الأمر هكذا فلو رفضت البكك أن يكون نضالها من أجل تأسيس (الدولة-القومية) فإنها تخضع شرعية أيديولوجيتها لتساؤلات وشكوك جمة من غير أن تشعر أو تنتبه لهذا!

فهنا ينبغي على الشعب مساءلة البكك أنه لو كان موضوع الدولة-القومية مسألة تعريف بالهوية وأنها في صميمها من اصطناع الأنظمة الرأسمالية وخططها فلماذا كانت البكك تطالب بتأسيس دولة كوردستان الكبرى المستقلة؟! ولماذا ما زالت تطالب بحلّ للقضية الكوردية في الشرق الأوسط حسب ما تدّعيه؟

‎في الوقت نفسه، فالبكك ونظرية عبد الله أوجلان التي تعرّفها كأداة لكسر معادلة المقاومة-الفشل والهزيمة- ومقاومة الكورد وكل هذا في الوقت الذي مرّت عشرات الأعوام ولم نر أية انجازات ملموسة لنجاح هذه الاستراتيجية وصلاح هذه النظرية! فهنا نتساءل: هل توجد بقعة أرض محرّرة في شمال كوردستان؟! أم هل هناك إدارة ذاتية ديمقراطية؟! فوضع شمال كوردستان أمام الأنظار وما زال مستقبل غربها يكتنفه غموض ولا يدرى أين يتّجه وأين المستقر! والفضل فيما يحصل هناك يعود غالبه لتلك الأنظمة السياسية الرأسمالية والتي تصوّر البكك نفسها كعدوّة لدودة لها!

هي تعتقد أنها وحدها على حق! الأيدولوجية والسياسة وكلّ ما يتعلق بها صحيح وغيرها على باطل وأعداءٌ!

الكل يعلم أنه لولا أمريكا لسقطت كوباني، وكذلك الآن لولا مساندتها لكان لزاماً على البكك أن تخضع لكامل شروط إتفاقية –بالاسم- مع نظام الأسد فبقاء الهوية القومية الكوردية على قيد الحياة في تلك المنطقة يعود لأسباب جمة، ووجود الأحزاب السياسية جزء بسيط من هذا الموضوع، ولا ينبغي لأحد في مدرسة البكك أن ينسى هذه الأشياء لو كان كاتب الموضوع صادقاً وموضوعياً، فدوران الأرض وتغييرات الحياة وازدياد البشر و.. من جملة هذه الأسباب.

فالنقطة الأهم والتي تبرز في هذه الرؤية هي التوهّمات التي تتغذى في أطر الأيدولوجية وتتقوى بها، والإيهام بأن البكك وحدها تواجه كافة الأنظمة الرأسمالية! فهي ترسم صورة أنه ينبغي على كل شخص وطرف وحزب سياسي أن يشتغل بها مهملاً غيرها من المواضيع والاهتمامات! وهذه النظرة المركزية والمحورية للبكك تتغذى على رؤية أيدولوجية وتتقوى بها بحيث جعلتها تترفع عن الأرض وتعتقد أنها وحدها الأيدولوجية الصحيحة والحقة! فسياستها وكل ما يتعلق بها هو الصحيح دون غيره بل أن الغير يأتي في صفوف الأعداء ولهذا السبب تنظر بعين مليئة بالشكوك لغيرها أشخاصاً كانوا أو أطرافاً أو أحزاب سياسية!

والواضح أن هذه خاصية غالبية الأنظمة الاشتراكية، فالبكك التي ترى نفسها كقطب معاكس لسياسة الأنظمة الرأسمالية نراها في غرب كوردستان كعساكر وجنود مشاة لكبرى الأنظمة الرأسمالية وأكبر ممثليها والتي هي الولايات المتحدة الأمريكية، كما تقوم البكك بتسجيل شكاواها لدى هذه الدول والأنظمة الرأسمالية والتي تعاديها حسب الظاهر وتطالب محاكمها بمساعدتها في نيل حقوقها فهي تسجل دعاويها في الإتحاد الأوروبي لتحاول استغلال الفرص التي تسنح لها هناك!

ولو كان الأمر هكذا فتشخيص الحزب الديمقراطي الكوردستاني البارتي كممثل للرأسمالية المعاصرة وتشخيص البكك كممثل للديمقراطية المعاصرة خاطئ من الأساس! فما يعانيه شعب جنوب كوردستان وجزء كبير من مشاكله التي يتعرض لها وتنأى تحت وطأتها هي بسبب عدم وجود أية أنظمة وفق الرأسمالية المعاصرة! فلم تكن هناك مؤسسات مثل الدولة-القومية هناك! بل كانت هناك دول تأسست قبل وجود أنظمة الدول المعاصرة.

فالجيش الموحد والحكومة الموحدة من إحدى المظاهر البارزة والخاصة لأنظمة الحكم في الدول العصرية، غير أننا نرى البكك تستخدم نفس الأسلوب بشكل غريب في غرب كوردستان! فليته كان باستطاعة جنوب كوردستان تأسيس نظام معاصر!

فلسفة البكك مبنية على أن: انعدامها مبني على عدم انعدام غيرها! أي وجودها مبني على انعدام غيرها!

عدا ذلك فـ”مصطلح” ممثل الأنظمة الديمقراطية والذي يطلق على البكك فهو في الأساس موضوع سياسي أكثر من كونه موضوعاً علمياً، فيجب أولاً تعريف الديمقراطية العصرية أو المعاصرة وبعدها الحكم على أصحية إطلاق هذه المصطلحات عليها، فالشكوك تحوم أصلاً حول ديمقراطية البكك حتى تكوم ممثّلة لها! فهي لغاية اليوم تحصّر حقوق النضال والكفاح السياسي والعسكري لنفسها فقط ولا ترى شرعية قيام أحزاب أخرى خارج أطرها التنظيمية، ففلسفتها مبنية على أن انعدامها مبني على عدم انعدام غيرها! أي وجودها مبني على انعدام غيرها! والأمثلة على ذلك أن كل طرف انشق عن البكك يُتهم بالخيانة وهذا في الوقت الذي يبدأ حديثهم بالحقوق الديمقراطية والحرية ويختتم بها! فلو كان الأمر كذلك فكيف لا يحق لعضو في تنظيماتك الانشقاق عنك؟ فهذا كمثل أن تقول بأن مصير كل أعضاء تنظيماتنا مرهون بنا بطريقة أبدية وأن تناضل في كنفها وتمارس سياستها فقط، فلو خرجوا من هذا الإطار وانشقوا عن البكك فليس لهم حق الحياة نتيجة خيانتهم العظمى!

فهذا الموضوع المليء بالتوهّمات والشكوك وضعت كافة الأحزاب السياسية الكوردية في شرق كوردستان في كفة ميزان والبكك وحدها في الكفة الأخرى، كما إتهمتهم وأدانتهم في مؤامرة لها بأنه ضد حزب العمال الكوردستاني البكك وكلها في جبهة الديمقراطي الكوردستاني البارتي، هذا في وقت أن بعض هذه الأحزاب أقدم من البارتي والبكك تأسيساً ووجوداً، وربما يعود جزء من هذا الشيء لبحث البكك عن بعض الشرعية هناك!

هناك نقطة خلاف أخرى ألا وهي أن الموضوع يصوّر الوضع السيء لجنوب كوردستان، ومما لا شك فيه أن جزءاً منه صحيح، غير أنه يتّجه في مساره نحو أن الديمقراطي الكوردستاني يحاول تغطية الوضع السيء في جنوب كوردستان بالتوجه نحو شرق كوردستان والتهجم على البكك، غير أنهم تناسوا أنه قد يسأل سائل أنه ما دام الوضع متأزماً ومشكلاً في جنوب كوردستان وبهذا الحجم الكبير، وبوجود هذا القدر من المشاكل والخلافات والعراقيل والمعاضل السياسية والاقتصادية الموجودة فكيف باستطاعة أحزاب الجنوب التوجه نحو شرق كوردستان واخضاعه لهيمنتها والتحكم فيه؟! كل هذا في وقت نرى الوضع السيء الذي يمرّ به جنوب كوردستان  والذي يغنيهم عن التفكير في شرق كوردستان أو أية بقعة أخرى منها! بل همّهم الرئيسي هو السيطرة على الوضع الذي يعيشونه وعدم انفلاته من أيديهم!

لماذا لا تقاوم البكك ضد إيران ولا تقوم بنضالها وكفاحها السياسي والمسلّح ضدها؟! هل هناك اتفاقات ومعاهدات بينهما؟ أم أنها تمركزت على الحدود لفرض الضرائب والإتاوات على الشعب المسكين على الحدود بين شرق كوردستان وجنوبها؟

يتضح من هذا أن تصوير شيطنة الديمقراطي الكوردستاني البارتي هو بمثابة نتاج ممارسة سياسة داخلية في جنوب كوردستان ومطلب لبعض الدول الإقليمية والتي يكررها حلفاء البكك ورفاقها، كما أنه يُعتبر أفضل الطرق وأسهلها لتغطية نقائصهم وهزائمهم المتوالية، ولو لم يكن الأمر كذلك فكيف يُفسّر تمركز البكك على حدود شرق كوردستان والجبال الواقعة بين جنوب كوردستان وشرقها وأن كلها خاضعة لهيمنتها برضى شفوي من إيران وسماح فعلي من كافة الأطراف في جنوب كوردستان، ولم يمنع أحد البكك من النضال والكفاح السياسي والمسلح ضد إيران في تلك الحدود، فلماذا لا تقوم به؟! فهل هناك اتفاقيات ومعاهدات مع إيران؟ أم أنها لن تفعل شيئاً كهذا وإنما تمركزت هناك من أجل أخذ الضرائب والإتاوات من أهالي شرق كوردستان ومنع الأحزاب الكوردستانية في الشرق من القيام بالكفاح المسلح والمقاومة ضد النظام الإيراني؟

أوضاع مأساوية للبكك في الشمال وتراجع الانتماءات والالتحاقات لنقطة الصفر!

فوضع البكك في شمال كوردستان سيءٌ للغاية، فحسب أقوالهم بأنفسهم أن نسبة مشاركة المقاتلين –كريلا- والانتماء لصفوفهم بلغت الصفر! كما أن الوضع في شرق كوردستان يسير في طريق المجهول، فبقيت ساحة شرق كوردستان أقرب النقاط وأفضلها للحصول على المقاتلين، ولهذا ينبغي على البكك فرض هيمنتها هناك، وكما هو معلوم أن فرض الهيمنة يحتاج لعاملين رئيسيين هما عامل الرضا والاستبداد “الترغيب والترهيب”.

والبكك تتهم المفكرين الأحرار في شرق كوردستان بالمرتزقة لهذا وذاك بمجرد مخالفتهم لها وللقضاء على الأصوات المخالفة والمغايرة، ولو كان ما نقوله غير صحيح فأي شخص أو حزب سياسي اتهمته البكك قام بمواجهتها بحرب مباشرة أو حاول ذلك؟! فهذه الاتهامات هي لخلق الخوف والرعب في قلوب الشعب واخضاعه لقراراتها، عدا ذلك ليست لديها سوى سيناريوهات خيالية لبناء نوع آخر من الثقة لدى شعب شرق كوردستان.

ومما لا شك فيه أن من امتهن انشغال الكورد بالكورد وخلق الخلافات والنعرات بين الشعب الكوردي والمجتمع الكوردستاني وتفنّن في هذا العمل فهو في خدمة مباشرة ومهمة فعلية لدول الاحتلال وبالأخص الدولة الإيرانية، وهو بعمله هذا يحاول لفت انتباه الشعب الكوردي وتوجيه نظره من عدوّه الحقيقي والاستراتيجي نحو عدوّ مصطنع ومزيف والذي يتمثل في الكورد نفسه!

على البكك ومؤيديها معرفة حقيقة “الكورد ليسوا أعداءاً لبعضهم البعض” والاعتراف بها

فينبغي على البكك ومؤيديها وكوادرها قبول هذه الحقيقة والاعتراف بها أن الكورد ليسوا أعداءاً لبعضهم البعض! وفي نهاية المطاف فإن أية خلافات بيننا هي مجرد اختلافات وصراعات شكلية وأن أعداءنا الحقيقيين في طهران وأماكن أخرى! وليسوا بيننا وفي كوردستان! فلو كانت البكك تعرف نفسها كصاحبة القضية الكوردية فعوض توجيه أصابع الاتهام والخيانة والعداء الوهمي والداخلي ينبغي عليها تحديد موقع الأعداء الحقيقيين والإشارة إليهم، فغاية الغرابة أنها وفي هذا الصدد وخلال هذا الموضوع الموسع لم تتحدث ولو بسطر واحد عن المحتل ومؤامراته الدنيئة ومؤامرات النظام الإيراني، غير أنها خصّصت الكثير من الصفحات للحديث عن العداء الداخلي بين الكورد بحيث شوّهتها بكتابة سوداء عن عداوة الكورد للكورد! ولو لم يكن هذا العمل من أقلام البكك لما جاز لها فسح المجال لمثل هذه المقالات بالنشر على وسائل إعلامها! ولو كان من عملها فهي كما قال الشاعر الكوردي محوي: الشكر على يقظة محوي … فهو عارف بأن الدنيا هلاك!

مقالات ذات صلة