ما الذي يحدث في حفتنين؟ النواقص والسلبيات والنقد… الحقائق والحلول

حفتنين – الجزء الأول

حفتنين حجر الزاوية لثلاثة أجزاء كوردستان

مع استمرارية عملية (مخلب النمر) التي نفّذتها تركيا في منطقة حفتنين، ما زال الشعب الكوردي يجهل الكثير من المعلومات حول حقيقة هذه العملية العسكرية لأن طرفي النزاع في الجنوب (الجيش التركي وحزب العمال الكوردستاني البكك) يحتكرون حقيقة هذه المعلومات وتفاصيلها ويبقونها في خانة (السرية التامة) وكل طرف يسرد الحكاية حسب هواه، فالأتراك يقولون بأنهم بالمرصاد للبكك وكالنمر ينقض عليهم أينما كانوا، والبكك من جانبها تقول بأنها ضيّقت هذه الدنيا الواسعة على تركيا، والحق أن الحقيقة غابت في حديث كلا الطرفين!

جبال حفتنين التي صانت الكورد وحمتهم منذ فجر التأريخ

منطقة حفتنين تقع في جزء مهم من جغرافية كوردستان، فهي تربط بين منطقة بوتان وبهدينان، يقطنها عشيرتا (سندي وگولي) إضافة لـ 7 قرى كلدانية وآشورية وسريانية فيها.

تتألف تضاريس حفتنين من جبال شامخة ووديان عميقة ووعرة وكهوف ومغارات طبيعية غاية في التحصّن، وهذا ما أدى لأن تكون هذه المناطق ذات الجغرافية الخاصة أن تكون صديقة الكورد منذ فجر التأريخ تحميهم من ألد أعدائهم، فمنذ المئوية الـ 19 و 20 قام كل المناضلين والمقاومين والثوريين ضد محتلي كوردستان بالتوجه نحو حفتنين والتحصن بها.

ورغم أن السكان الأصليين لهذه المنطقة من عشيرتي (گولي وسندي) منذ مئات السنين، إلا أن علاقات التعاون والعيش المشترك بينهما وبين عشائر الشمال (ژيركي، گويي، ألكي، شرنخي وقاشوري) كانت مستمرة، وكانت المنطقة حصناً مانعاً وملاذاً آمناً لكل الثوار والمقاومين من هذه العشائر ضد الاحتلال، فعشيرة (گويي) والتي تقطن (قلبان) في شمال كوردستان حاربت ضد الإنجليز عندما حاولوا احتلال المنطقة عام 1919، فقتلت ثلاثة من عساكر الإنجليز ذوي الرتب العالية ومستشارهم ما أدى لانسحاب الانجليز من منطقة حفتنين وهزيمتهم.

وعند محاصرة القادة المناضلين لحركة الحرية إحسان نوري باشا في انتفاضة (بيت الشباب) في الرابع من آذار عام 1924، توجّهوا نحو حفتنين وبقوا في منطقة كشان لغاية ربيع عام 1925 هو وحريمته (السيدة ياشار).

مقولة لا أصدقاء لنا سوى الجبال تنطبق على منطقة حفتنين وإن لم تكن صريحة فيها، فهي إحدى أقرب الأصدقاء للكورد

وكذلك رئيس عشيرة (گراڤي) أبو بكر شاكر آغا عندما قام بثورة “شبكا” عام 1925، حينئذ قررت تركيا ضده فأبدى استياءه وعدم رضاه وقاوم عساكر الأتراك الذين جاءوا لخلع عمامته ولبسه القبعة الغربية حسب القوانين التركية فوقف ضدهم وحاربهم وبدأ بالانتفاضة، وعندما تمت محاصرته توجه نحو حفتنين واستقر في منطقة كشان كذلك.

كذلك الدكتور (شفان) والذي توفي جراء حادثة مأساوية كان قد بنى مقرّه الأول في حفتنين.

فعلى النحو الذي توجهت عشائر (گولي ، سندي، ژيركي، گويي) وغيرها العديد من العشائر والحركات الأخرى نحو حفتنين نستطيع ذكر العشرات من الأمثلة الأخرى أمثال هؤلاء، فكما أن حفتنين هي حلقة الوصل بين منطقتي بوتان وبهدينان جغرافياً فكذلك هي من الناحية الثقافية والتراثية، فمناطق حفتنين وقلبان وشرنخ وبيت الشباب منطقة واحدة في نظر أهالي المنطقة، فرغم وجود حدود اصطناعية ومرسومة يدوية تفرق هذه المناطق عن بعضها شكلياً غير أن الكورد لم يقبلوا بهذه الحدود المصطنعة في فكرهم وشعورهم يوماً ما، فغطّوا هذه الحدود كالجرح الدامي في قلب وطنهم وعمقه، فلم يقطعوا علاقاتهم الأخوية يوماً، فمنطقة حفتنين بمثابة الفناء الخلفي لمنزل كوردي من عشيرة گويي يعيش في قلبان، وهي بالنسبة لأهالي بيت الشباب بمثابة مزرعة الجار، مع هذا فما زال هذا الجرح يدمي القلب ويسكب دمه قطرة قطرة، فاستشهاد 34 شاب كوردي عام 2011 من قبل المقاتلات الحربية التركية كان من نفس هذا الجرح الدامي، فهؤلاء الـ 34 شاباً من روبوسكي لم يعبروا حدود دولة أخرى أو وطن آخر! لأن حفتنين كانت كأقرب قرية جارة لهم، فحفتنين كما هي منطقة لجنوب البلاد فكذلك هي لشمالها.

فمقولة لا أصدقاء لنا سوى الجبال تنطبق على منطقة حفتنين وإن لم تكن صريحة فيها، فهي إحدى أقرب الأصدقاء للكورد، فقد تذوّق الكورد فيها طعم الحرية والراحة والأمان، والصداقة التي قدّمتها حفتنين للكورد لم تقدّمه لغير عشائر المنطقة وقبائلها، فلم يقدر أحد غيرهم على التحكم بجبال حفتنين، فلا الإنجليز ولا الأتراك ولا صدّام استطاع احتلال جبالها، نعم تقدّم الجيش التركي عام 1990 وعبر الحدود التركية غير أنهم تراجعوا بعدها، فأول مرّة يتم احتلال جبال حفتنين كان من قبل الجيش التركي 2018 إذ قام بعبور منطقة حفتنين واحتلال عمقها الجغرافي.

جبال حفتنين الشفرة الجيوسياسية الكوردستانية

حفتنين من الناحية الجيوسياسية الكوردستانية تُعتبر المفتاح أو الشفرة التي تجمع بين ثلاثة أجزاء من كوردستان (الجنوبية والشمالية والغربية) فهي تمتد طولاً لـ شرنخ وسلوبي وقلبان وتمتد نحو تَنيني وكَرا برانا وقلعة مم وإقليم بستا وجبل جودي شمالاً، ومن الجنوب فهي تتجه نحو قلعة قومرية وجبل متين، ولو نظرنا إلى سلسلة الجبال هذه لوجدناها تمتد لسلسلة جبال زاكروس والتي منعت الأسكندر الكبير من العبور والمرور، وفي عمق الجنوب تصل لجبل كاره ووصولاً لجبال لالش النورانية وجبال خيري المطلة على عقرة ونزولاً لجبل مقلوب شيخان لتصل لبوابة مدينتي الموصل وأربيل، وتجاه حفتنين يقع الجبل الأبيض -سبي- وجبل بيخير، وفي الغرب يصل لجبل قرجوخ في ديركا حمكو، ومن الجنوب يمتد ليصل لشنكال، فالأهمية الكبرى لحفتنين والتي لم يتحدث عنها أحد هي أنها بمثابة حلقة وصل بين هذه السلاسل الجبلية والتي تمتد لطرق كركوك والموصل، فهي بمثابة البلكونة المطلة على سهل نينوى، وهذا ما يجعل باستطاعة الإنسان هناك من الهيمنة على آبار النفط في سهل نينوى وكركوك، والطريق من حفتنين لجبل شنكال سالكة، وهذا الطريق يضم كل من زاخو وشنكال وتلعفر، والأتراك ما زالوا يرون أولويتهم بجبل شنكال من غيرهم، وهي في نفس الوقت مصادر لثروة الغاز الطبيعي، فمما لا شك فيه أن حفتنين ليست ما ذكر فقط، فمنها يمتد طريق ليصل إلى عمق الثروات النفطية في غرب كوردستان مروراً بالجبل الأبيض ووصولاً للنقاط الإستراتيجية في غرب كوردستان مثل (ديرك ورميلان) والمعروفة بالمناطق المليئة بالثروات النفطية، وهذا ما يُفهم منه أنهم بهذا سيقطعون الطريق بين جنوب كوردستان وغربها، وتتم التحضيرات منذ عام 2017 بفتح معبر حدودي جديد بالقرب من قرية عندي وري وموزلا في منطقة ديركي باسم قرية دشتي (أوفاكوي) نحو تلعفر، والهدف من فتح هذا المعبر الحدودي هو تجريد معبر إبراهيم الخليل الحدودي من أي تأثير! فهم بهذا يحاولون تجفيف منابع التجارة غير الرسمية بين الكورد وقطع الروابط الاقتصادية بينهم.

باختصار يستنتج مما كتبناه حول جغرافية حفتنين أن للعملية العسكرية فيها أهداف في مجالات شتى، منها الجيوسياسية والجيوستراتيجية والجيوبيئية، كما أنّ العملية تستهدف في الصميم حكومة إقليم كوردستان من الناحية السياسية، تلك الحكومة التي بعثت آمال الكورد من جديد كما أنها وَأَدَتْ الظلم والاضطهاد اللذان مورسا ضد الكورد منذ مئات الأعوام من قبل أعدائهم في كافة أجزاء كوردستان، فجلّ تفكير الدولة العميقة في تركيا منذ سنين مضت هو القضاء على هذا الجزء المحرّر وذبول شجرة الحرية والأمل فيه.

وفي الوقت نفسه فإجراء التحليلات السياسية وتقديم المقترحات وانتقاد السلبيات نراها من الواجبات الملقاة على عاتقنا، وسنتحدث عنها في الجزء الثاني من كتاباتنا…

ترقبونا…

مقالات ذات صلة