ماذا كنا نعمل لو كنا مكان الكورد؟!

ماذا كنا نعمل لو كنا مكان الكورد؟!
  • الدكتور محمد صالح الموسوي

نحن في الشرق الأوسط أبعد الناس عن الواقع، أنظر لنا نحن العرب مثلاً، أعطونا نصف فلسطين قبل ستين عام وبضمانات دولية فرفضنا، نريد الكل! ثم أخذوا منا كلّ شيء وجلسنا بعد نصف قرن نعقد القمم العربية ونتوسل بالأمم المتحدة لاسترجاع النصف الأول! تمعن بما أتى بعد ذلك: مجازر أيلول في الأردن، حرب لبنان المدمرة، هزيمة حزيران..القدس عبر عبادان ..ملايين القتلى وملايين الايتام!

فشلنا في بناء دول مستقرة ولغاية الآن نبحث عن السبب في السماء، ولدى الجيران وفي الفضاء الخارجي ولا نبحث في دارنا نفسها! إلى متى؟ إلى متى نتعامى عن الحقائق؟ إلى متى نبقى منهمكين بصناعة الأعداء؟

إنني أسأل سؤالاً بعيداً عن السياسة عن البارزاني والطالباني والمالكي وصدام ولكن قريباً من الضمير، وأرجو من كل ذي ضمير أن يتأمله جيداً قبل أن يجيب:

 ليتصور أي عربي العكس: ليتصور أن العرب هم القومية الثانية في العراق وان الكرد هم القومية الأولى وأن الكرد هم الذين دفنوا 180 ألف عربي مسالم من الحلة والسماوة والرمادي في يوم واحد، ليتصور العربي أن الكرد رشّوا أهله العرب المدنيين في الشرقاط بالغاز الكيمياوي ماذا ستكون ردود الفعل لأي شخص عربي؟ لنترك الجواب لأصحاب الضمائر الحية وننتقل للواقع: انهارت الدولة العراقية ودخل وحوش العرب والمسلمين الى العراق، آلاف من شيشانيين وسعوديين وفلسطينيين ويمنيين وسوريين وتونسيين وجزائريين ومغاربة ومصريين وأردنيين وليبيين وسودانيين وأفغان وعراقيين عرب من السنة والشيعة، كم كردي فجر نفسه؟!

 لقد كان العراق طيلة أربعين سنة في حرب داخلية ضد القومية الكردية وكانت بغداد وغيرها تعج بمئات آلاف الكرد من مؤيدي البارزاني، فهل شهدنا تفجيرات في الصدرية والكرادة؟ هل شهدنا اغتيالات واختطافات وتقفيصات؟! أو أسواقاً تختلط فيها لحوم البشر بلحوم البقر والطماطم والتفاح؟ ما لنا نترك الاستمتاع بالورد في حدائقنا ونتجه لخلق وصناعة المزابل؟ مالنا نبحث عما يخرب ويدمر؟ ألا يعني هذا اننا كما في كل مرة نقع ضحية لسذاجتنا وعصبيّتنا القبلية البدوية التي تستثار بمجرد صيحة ها ها ها ؟

لقد حطمنا النفطُ لقد سممنا النفطُ لقد قتلنا النفطُ وبَلَدَ عقولَنا، لدينا من النفط ما يكفي ويزيد لدينا نفط البصرة والعمارة ولدينا نفط الكوت والناصرية ولدينا موارد ثمينة في الرمادي والموصل وديالى، لقد شغلونا بقضية كردستان فأنهكنا أنفسنا وتفككنا الى الحد الذي وجدنا أنفسنا أمام مشكلة مختلقة لا اساس مادي لها سوى تخلفنا: سنة وشيعة فما الذي جنيناه من الإصرار على وطن واحد لم نكن نملك السبيل لبنائه؟

أليس مضحكاً أن الطريقة التي نتناول بها نحن العرب القضية الكردية تتناقض مع الحجج التي نسوقها للدفاع عن حقوقنا القومية ذاتها؟ أليس غريباً أننا نرفض مثلا سياسة الأمر الواقع، وتهويد القدس، وبناء المستعمرات وتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق الفلسطينية المحتلة التي تجابهنا بها إسرائيل في حين نقدس الامر الواقع الذي فرضه صدام ونتمسك بتعريب اماكن كردية عديدة؟ اليس غريباً أن نطالب بحق تقرير المصير للفلسطينيين وبناء دولتهم المستقلة بإرادتهم الحرة في حين يدخل مجرد الحديث عن حق تقرير المصير للكردي في باب المحرمات والكبائر؟

 أنا أسال لمن وقف ضد الفدرالية وضد المادة 140، لماذا؟ وما البديل؟ وما الخطر الذي ستشكله المادة 140 إذا كانت القيادة الكردية ترى أن “بتنفيذ المادة 140 والالتزام بالدستور سنبقى ضمن جمهورية العراق الديموقراطية حيث يكون النفط ثروة للشعب العراقي كله”

 أما كان على سياسيينا أن ينظّموا مؤتمرا شعبياً يوضح خلاله البارزاني موقفه ويؤخذ عليه كتعهد أمام الجميع ؟ لماذا تحايل المالكي على ذلك؟ وما الذي تعهد به في اربيل؟ إذا كنا غير راغبين بعراق فيدرالي يدار بالمشاركة فهناك حلّان: إما ان نعود الى همجية حروب الابادة التي ستفنينا كلنا، أو أن نختار الحل الأكثر تمدناً وعقلانية وهو التسليم بوجود مشكلة كردية قومية إقليمية نكون نحن المبادرين الى حلها فنكسب بذلك وإلى الأبد 40 مليون كردي الى جانبنا!

كردستان سوف لن تهرب للمريخ.. هي باقية في مكانها وأهلها سوف لن يلجؤوا إلى إسرائيل التي لا يربطهم بها أي رابط جغرافي أو اقتصادي أو تأريخي، بل لنا نحن الذين وقفنا الى جانبهم وساعدناهم بتلمس الطريق لتحقيق وجودهم القومي، هؤلاء سوف يعملون على استقرار المنطقة وازدهارها بالاشتراك معنا لان لا مصلحة لهم الا باستقرارها والا معنا! والتجربة التأريخية تقول إنهم في المستقبل سوف لن يتدخلوا ويرسلوا لنا المفخخاـت ولا الانتحاريين مثل اخواننا في القومية والدين الآخرين لأنهم لم يفعلوا ذلك في أي وقت آخر.. فكيف حين نكون نحن من أعانهم؟!

 أعرف إنني أعزف على وتر غير مسموع، وسط ضجيج الزعيق القوماني وصيحات ها ها ها ها، لكني أعود واقول إن قلبي يتمزق حين أرى أفعال داعش في الموصل، وأفعال جيش الاستهتار الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وخراب سوريا وحرائق الرمادي وتفكك العراق.. وأستغرب على هذه الخدمة التي نقدمها لنتانياهو … أعرف انني نشاز في الجوقة، لكن تأريخنا العربي علمنا أن نشاز اليوم هو النشيد الوطني في المستقبل… متأكد ان كلماتي هذه ستثير الحسرة في قلوب أحفادنا… مثلما بقينا نتحسر ونتحسر لأن أجدادنا رفضوا نصف فلسطين وتركونا عراة على قارعة الطريق، نخرج من أيلول أسودٍ لندخل نيسان أشدّ سواداً ونخرج من هذا لندخل في ثالث.. إلى متى يا عقلاء الأمة؟!

مقالات ذات صلة