تدور حرب في ثنايا رحى الحرب العبثية بين حزب العمال الكوردستاني بكك والقوات المسلّحة التركية في بهدينان، والتي تطوّرت إلى حرب تقنية باستخدام أحدث الأجهزة الحربية والعسكرية من الدرونات وصولاً إلى الكاميرات الحرارية… تنتشر مزاعم أن أحد طرفي الحرب دمّر الآخر وقضى عليه، في الوقت الذي يعلن فيه باستمرار طرفا الصراع تحقيق انتصارات عظيمة وإلحاق هزيمة مدوية بالطرف الآخر… وسط مزاعم دعائية أنه سيقضي على الآخر ويدمّره وما إلى ذلك…
إن دلّ هذا على شيء فهو لا يدلّ إلى على أن ما يزعمه كلا طرفي الصراع من القضاء على الاخر لا أساس له من الصحة، فحزب العمال الكوردستاني بكك والجيش التركي اللذان لم يتمكّنا من القضاء على بعضهما البعض طيلة 40 عاماً الماضية من الصراع والحرب الدائرة بينهما في أنقرة وآمد وجولميرك… هل سيقضيان على بعضهما البعض بنقل حربهما المزيفة والعبثية إلى أراضي إقليم كوردستان؟! أو سيدمّران بعضهما البعض في أنفاق الحرب في قرى كوهرزي وسركلي وتلة بهار وتلة آميديي؟! فالحقيقة هي أن الهدف الرئيسي والمستهدف الرئيسي من خلال هذه الحرب وهذا الصراع المزمن هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فكلّما اقترب الديمقراطي الكوردستاني من تحقيق أهدافه المتمثّلة في نهج البارزاني تحاول هذه الأطراف تقويض هذا المسار والقضاء عليه.
ورغم محاولات البعض من أعداء الكورد وكوردستان ووكلائهم وحلفائهم وشركائهم من الكورد الخونة تحريف هذه الحقيقة وتزييفها، إلا أن الحركة السياسية للديمقراطي الكوردستاني (PDK) والفكر السياسي والاجتماعي لنهج البارزاني هما المرتكزان والعاملان الرئيسيان الحائلان دون إنجاح المخطّط الاستعماري والاحتلالي في كوردستان. وهذا ما كان يقف وراء هجمات العثمانيين والبريطانيين والعرب والفرس وغيرهم، الذين أرادوا تقسيم الشرق الأوسط في القرنين التاسع عشر والعشرين دون أن يكون للكورد موطأ قدم فيه، وهم نفسهم من يهاجمون المسيرة الوطنية ونهج البرزاني.
بات من الواضح أن الهدف الرئيسي للصراع والحرب الدائرة على خط متينا-آميديي-گاره ليس حزب العمال الكوردستاني بكك، بل هو القضاء على الحزب الديمقراطي الكوردستاني وإضعافه، فحزب العمال الكردستاني بكك ليس عاملاً وعنصراً مناهضاً للاستعمار والاحتلال، فسياسة التتريك التي أعلنها عبد الله أوجلان في إمرالي كخط ديمقراطي- إيكولوجي- تحرير المرأة، هي حقيقة العمال الكوردستاني بكك، وأنه ليس حزبًا مناهضًا معادياً للاستعمار، بل هو حركة حامية حارسة لحدود المستعمرين الغزاة.
التنسيق الخفي لحرب بكك- القوات المسلّحة التركية (TSK): (Win-Win-Approach)
في الصراع المستمر بين حزب العمال الكوردستاني بكك والجيش التركي والذي بدأ في باكور كوردستان منذ 40 عامًا، لم نهزم أي طرف الآخر، كما لم ينهار أي طرف لغاية اليوم، وفي كل قفزة وخطوة أعلنها حزب العمال الكوردستاني بكك كـ “عام النصر” أو أعلنتها الدولة التركية أيضاً كـ “عام القضاء على الإرهاب” لم يتعرّض للدمار والانهيار سوى الكورد كأمة، فلو قيّمنا كلّ معركة أو مواجهة من الحرب المستمرة منذ عام 1990 ولغاية اليوم، لوجدنا أن الحرب بين حزب العمال الكوردستاني والجيش التركي مبنية على استراتيجية الفوز (الفوز للجميع- Win-Win-Approach) وأن أي طرف لم يوجّه الضربة القاضية للطرف الآخر، وأن هناك دينامية-ميكانزما منسقة بين طرفي الصراع.
عام 1999، هيمنت الدولة التركية وأحكمت قبضتها على حزب العمال الكوردستاني في شخص عبد الله أوجلان، بشكل كامل، كما هيمنت على شعب باكور كوردستان في شخص كلّ من حزب العمال الكوردستاني بكك وأوجلان، بل ليس باكور كوردستان فحسب، بل حاولت الدولة التركية فرض هيمنتها وسيادتها على باقي أجزاء كوردستان الأخرى وبالذات روجآفا وإقليم كوردستان من خلال أوجلان.
شنّ العمال الكوردستاني بكك حربًا في الأول من حزيران/ يونيو عام 2004، ما مهّد الطريق لصراع الدولة التركية ضدّ الإدارة الكوردية الشرعية في إقليم كوردستان، وبعد ذلك اليوم، جعل الجيش التركي إقليم كوردستان هدفه الرئيسي.
السبب الرئيسي وراء قيام أوجلان-حزب العدالة والتنمية الحاكم AKP-حزب العمال الكوردستاني بكك وباقي أذرع وأجنحة الدولة التركية… باستئناف القتال-حرب الخنادق عام 2015، وهدم عملية الحلّ والسلام وردم الهدنة القائمة آنذاك، كان من أجل تمهيد الطريق أمام احتلال الدولة التركية لروجآفا وإقليم كوردستان، ولو سارت عملية الحلّ والسلام لما احتلت عفرين ولما حدث ما يحدث الآن في إقليم كوردستان وبالأخص في منطقة برواري بالا وريكان-نيروه وخطّ نهيلي.
لو كانت الدولة التركية بحاجة إلى هدنة وقف إطلاق النار لأنطقت أوجلان وجعلته يتكلّم ويقول: “أنظروا، لا نقول حزب العدالة والتنمية AKP، بل نقول الدولة التركية، لأن الدولة التركية أكبر من AKP” نعم، لو كانت الدولة التركية بحاجة إلى وقف الحرب لتحدّث أوجلان كالببغاوات.
ولو أراد الكورد رؤية حقيقة الأحداث، فعليهم أن يفتحوا أعينهم على التطورات الجديدة في الشرق الأوسط، وألا يصدقوا الدعايات ومقاطع الفيديو حول “المقاومة والنضال والطائرات بدون طيار والمقاتلين-الگريلا الأبطال والأنشطة والفعاليات والعمليات… وما إلى ذلك” فلم تظفر أمّة بأهدافها من وراء الشعارات الفارغة والدعاية…
في حقبة ما قبل نهاية الربيع العربي ومعاداة الكورد
دخل الربيع العربي، الذي بدأ عام 2010، حقبة جديدة، وخاصة بعد أحداث الـ 7 أكتوبر، هناك جبهة من القوى السياسية تحاول خلق وحدة حول هدف مشترك ألا وهو “طرد الولايات المتّحدة الأمريكية من الشرق الأوسط”.
إحدى النقاط المشتركة في هذا الاتفاق الذي يهدف إلى توحيد العراق وسوريا وتركيا، دون وجود كيان للكورد، فعلى الرغم من الصراع الأزلي والمشاكل الدائمة بين هذه الدول إلا أنها تجتمع حول العديد من القضايا، من بينها بل وعلى رأسها الحسّ العدواني تجاه الكورد، هذه القوى التي تريد تقليص الكورد واختزالهم قدر الإمكان، وإدخالهم إلى أنظمتهم المركزية، كما تستهدف إقليم كوردستان أولاً وقبل روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، لأن النبع الرئيسي للأمة الكوردية والملاذ الآمن والوحيد لعموم الكورد في العالم هو إقليم كوردستان، وهناك مفهوم بارز مفاده “من أجل القضاء على إنجازات الكورد ومكتسباتهم في إقليم كوردستان… يجب تدمير الحزب الديمقراطي الكوردستاني والقضاء عليه”.
تخوض إيران وتركيا حرباً خفية ضدّ إقليم كوردستان، لكن في الوقت نفسه، يحاول كلا الجانبين مهاجمة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فكما أحكمت تركيا قبضتها على العمال الكوردستاني بكك، فكذلك أحكمت الدولة العراقية الشيعية قبضتها على الاتّحاد الوطني الكوردستاني، والوحيد الذي نأى بنفسه عن هذه الأطراف في هذا الصراع الإقليمي، ورفض جدلية الصراع، ومارس سياسة الحوار وجدلية المصالح والعلاقات والصراع والخلافات مع الأطراف الإقليمية هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
هدف تركيا هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني وليس حزب العمال الكوردستاني
رأت ذهنية الدولة العميقة في تركيا، أن كورد باكور كوردستان يرون في الحزب الديمقراطي الكوردستاني ونهج بارزاني ومسيرته وكيان ووضع إقليم كوردستان قيادتهم، وبالأخص ما بين عامي 1992 و2004، وأنه نبع الحركة التحرّرية الكوردستانية ومصدر إلهام للمشاعر الوطنية والقومية.
وكما قلنا أعلاه، وقع كورد باكور كوردستان أسرى في مصيدة أوجلان والعمال الكوردستاني بكك، بينما البارزاني أصبح قوة بارزة للغاية بعلاقاته الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية، وأن هذه القوة تثير مخاوف جدية لدى الدولة التركية، والغرض من المعاهدات التي أبرمتها تركيا مع العراق في الآونة الأخيرة هي في الواقع تستهدف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لأن تركيا في نهاية مطاف الربيع العربي، ومحكوم على الدولة التركية بتغييرات داخلية وخارجية قبل انتهاء الاضطرابات والفوضى، فأبرمت تركيا معاهدة مع الدولة العراقية لتبرّر وتشرعن توغّلها في أراضي إقليم كوردستان، وفي هذه العملية، تدلي بتصريحات مخطّطة من أجل استخدام وسائل الإعلام التابعة لحزب العمال الكوردستاني لتقوم هي باستهداف الديمقراطي الكوردستاني وجعله هدفاً لعموم الكورد، فتبدي نفسها على أنها حليف لبيشمركة كوردستان دون التطرّق إلى ما تمّ الاتفاق عليه وإبرامه بينها وبين الدولة العراقية.
الجانب الأكثر سلبية في التوغل التركي في عمق أراضي كوردستان هو أنه يسمح بالقدر نفسه أيضًا للحشد الشعبي الشيعي العراقي بالتوغّل في كوردستان، واستسلم الاتّحاد الوطني للشيعة بينما استقطع العمال الكوردستاني بكك شنگال-سنجار من كوردستان وسلبها ووضعها تحت سيطرة الحشد الشعبي.
هذه الحرب هي حرب لتبييض العمال الكوردستاني بكك وتبرئة ساحته وإيقاع الكورد في مصيدته-شبكته
العملية التي أطلقها الجيش التركي لم تنهِ حزب العمال الكوردستاني، بل على العكس طهرت الجوانب المظلمة لحزب العمال الكوردستاني وأخفتها، العملية العسكرية أخفت العلاقات المظلمة للعمال الكوردستاني بكك مع الدولة التركية منذ عام 1999 وسترتها وحجبتها، بالحرب الدعائية وهزيمة حرب الخنادق ودمار روجآفا وهزيمة وانتكاسة باكور كوردستان… إلخ. أي أن أولئك الذين يجب محاسبتهم ومحاكمتهم من قبل الشعب تمّ تحديدهم على أنهم الأروع والأفضل والأحسن…
والآن يتم جرّ الكورد وإيقاعهم في مصيدة العمال الكوردستاني وشركه كالأسماك، يريدون تصوير حزب العمال الكوردستاني بمظهر المحارب البطل… وكأنه ليس هناك تأريخ للعمال الكوردستاني؟! وكأن أوجلان لم يقل إنه يريد خدمة الأتراك أو لم يقل إن والدته تركية! وكأن العمال الكوردستاني بكك لم يقدّم كافة أراضي باكور كوردستان للأتراك على طبق من ذهب!! يريدون تبييض الوجه الأسود لحزب العمال الكوردستاني بكك. فحزب العمال الكوردستاني حركة لو طالبها أوجلان غداً بالالتجاء لتركيا والإلقاء في حضن الأتراك لما تردّدت لحظة وكانت في حضن تركيا!
يتعمد الأتراك إبعاد الكورد عن البارزاني الذي يتجسّد القبلة الرئيسية للحركة الوطنية الكوردية، وإيقاعهم في مصيدة وشبكة العمال الكوردستاني بكك تحت المظلة التركية، حزب العمال الكوردستاني ليس حركة وطنية كوردية، بل هو الحارس الحامي لحدود الدول الاستعمارية المحتلة، وقوة وأداة فاعلة في أيدي الغزاة المستعمرين، الجيش التركي لم يقضي على حزب العمال الكوردستاني أو يلحق الهزيمة به أو يدمّره أبدًا، كما لن تدمّر إيران حزب العمال الكوردستاني أبدًا، وكذلك لن يدمّر الأسد حزب العمال الكوردستاني أبدًا، وبالتأكيد لن يدمّر العراق حزب العمال الكوردستاني أبدًا. لأنه إذا هُزم حزب العمال الكوردستاني وانهار فسيتم آنذاك تحرير الفكر والقوة القومية الكوردية المستقلة من مصيدته وشركه، وبلوغ الهدف النهائي للأمة الكوردية المتمثل في الدولة الكوردية القومية، ولذلك فإن هدف الهجوم والعمليات العسكرية في إقليم كوردستان ليس حزب العمال الكوردستاني أبداً، بل الهدف هو تدمير الحزب الديمقراطي الكوردستاني وإضعافه والقضاء على النهج القومي والوطني للبارزاني.