31 أكتوبر… دفع الأفسد بالفاسد

31 أكتوبر، دفع الأفسد بالفاسد

دلوفان علي

إحدى المواضيع والأحداث الرئيسية والتي تتصدّر المواضيع التضليلية والخداع الإعلامي هي أحداث 31 آب، حيث يتمّ تصوير هذا الحدث من قبل وسائل إعلام كلّ من الاتّحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني بكك على أنه خيانة في محاولة منهما إخفاء تأريخهم الحافل بالخيانة والإرهاب. ورغم أن الشعب الكوردي يعرف جيداً تاريخ جميع الأحزاب، ولكن يجب علينا أيضًا سرد الحقائق وراء أحداث 31 أكتوبر. يجب على جيلنا الجديد وجيل المستقبل أن يعرفوا حقيقة القضايا وجوهرها، وألّا يقعوا في مصيدة الأكاذيب والافتراءات وتحت تأثير التصريحات الكاذبة لمن يمارسون الخيانة منذ 1966 وباعوا كوردستان وما زالوا يفعلون لغاية اليوم.

لماذا حدثت أحداث 31 آب 1996؟

عام 1996، واثناء سخونة المرحلة الثالثة من الاقتتال والحرب الأهلية واشتدادها، هاجمت قوات الاتّحاد الوطني الكوردستاني في سوران، وحزب العمال الكوردستاني بكك في بهدينان، والحرس الثوري الإيراني في حاج عمران، بشكل متزامن على قوات بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) من جميع الجهات، ولم يكن موازين القوى متكافئة في جميع الجبهات، حيث أعلن كلّ من حزب العمال الكوردستاني بكك والاتّحاد الوطني الكوردستاني الحرب على نطاق جبهتين واسعتين بدعم كبير من إيران، وقرّرا إنهاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني والقضاء عليه.

وقبلها، وفي 28 حزيران (يونيو) 1996، تقدّم الحرس الثوري الإيراني، بمساعدة الاتّحاد الوطني الكوردستاني إلى حدود السليمانية، وقصف مقار الحزب الديمقراطي الكوردستاني-إيران في كويه من جبل هيبت سلطان بالراجمات والصواريخ وقذائف المدفعية، ونتيجة القصف العنيف والشديد، استشهد عدد كبير من كوادر وأعضاء الديمقراطي الكوردستاني وكذلك النساء والأطفال، يقول الكاتب الفرنسي كريس كوجيرا في كتابه (الحركة القومية الكوردية ومطلب الاستقلال): “استخدمت إيران مئات المدافع من عيار 130 و150 ملم، وعشرات صواريخ الكاتيوشا والمعدات العسكرية، وبمساعدة 300 من بيشمركة الاتّحاد الوطني الكوردستاني (YNK) نفّذت هذا الهجوم”. في اليوم التالي، في 29 حزيران 1996، قصفت مدفعية الحرس الثوري الإيراني، بمساعدة الاتّحاد الوطني من سماقولي، معسكر (جيژنيكان) حيث كان يتمركز أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني-إيران (PDK-I).

قبل الهجوم، إيران تطلب رسميًا من الحزب الديمقراطي الكوردستاني مساعدة الحرس الثوري في هذه العملية، لكن الديمقراطي الكوردستاني رفض الأمر

أثناء الهجوم، أصدر الديمقراطي الكوردستاني بياناً شديد اللهجة أدان فيه الهجوم وشجبه، وعندما عادت القوات الإيرانية، خطّط قادة الحرس الثوري للعودة إلى إيران عبر حاج عمران، ونظرًا لوجود مقرّ للحزب الديمقراطي الكوردستاني-إيران وعدد من عوائل روجهلات كوردستان-كوردستان إيران في رواندز، فقد تمّ استهدافهم أيضًا، لكن الرئيس بارزاني وقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني أمروا قادة البيشمركة بعدم السماح للحرس الثوري بالعودة إلى إيران عن طريق حاج عمران. هذه المواقف للديمقراطي الكوردستاني خيّبت آمال إيران وأغضبتها، لذلك قرّرت إيران الانتقام من الحزب الديمقراطي الكوردستاني ودعم الاتّحاد الوطني وحزب العمال الكوردستاني بكك في جميع الحروب.

استمر القتال في جميع الجبهات وكافة المناطق، وكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني في وضع صعب، وكانت إيران تدعم قوات الاتّحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني بمدفعيتها في جميع المناطق والجبهات، يقول سكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني، محمد حاج محمود، في المجلد الرابع من كتابه (رۆژمێرا پێشمەرگەیەکی-يوميات بيشمركة): “كان وضع الحزب الديمقراطي الكوردستاني سيئاً للغاية، وكانت قواتهم قلقة ولم تتمكّن من القتال. حيث كانت مدفعية الحرس الثوري الإيراني تقصف بكثافة قوات حزب الديمقراطي الكوردستاني في سيدكان وحاج عمران برصد من الاتّحاد الوطني الكوردستاني، نتيجة لذلك، استشهد المئات من بيشمركة كوردستان”.

في 16 آب/ أغسطس 1996، وعندما كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يحتفل بالذكرى السنوية لتأسيسه، ألقى مام جلال كلمة في دربنديخان، قائلاً: “يجب أن نقرا الفاتحة على الحزب الديمقراطي الكوردستاني” لذلك، شنّت قوات الاتّحاد الوطني والعمال الكوردستاني بكك هجومًا كبيرًا على قوات الديمقراطي الكوردستاني تحت غطاء مدفعية الحرس الثوري الإيراني، فاستشهد عدد كبير من عناصر البيشمركة وأعضاء وكوادر الديمقراطي الكوردستاني.

في 20 آب/ أغسطس 1996، قصفت مدفعية الحرس الثوري الإيراني مواقع الحزب الديمقراطي الكوردستاني في جبهات قسري ومماروت، أسفر القصف عن استشهاد 140 من البيشمركة وإصابة وجرح 400 آخرين، الهجوم تسبّب بأضرار جسيمة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، بعدها، توجّهت قوة من الاتّحاد الوطني بمساعدة إيران من قلادزه إلى سردشت، ثمّ توجّهت إلى كيليشين ثمّ عبرت إلى سيدكان وهاجمت بيشمركة الديمقراطي الكوردستاني، في 21 آب/ أغسطس 1966، اندلع قتال عنيف وهُزمت قوات الاتّحاد الوطني الكوردستاني شرّ هزيمة، هذه الهزيمة جعلت هجوم إيران والاتّحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني على الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكثر حدّة ووطأة وعنفاً.

كان الديمقراطي الكوردستاني يتعرض لضغوط كبيرة، كان الوضع صعباً من جميع النواحي، دعا الحزب الديمقراطي الكوردستاني المجتمع الدولي إلى توضيح موقفه بشأن التدخّلات الإيرانية واختراقها للحدود، لكنه لم يستجب والتزم الصمت، يقول الرئيس مسعود بارزاني في المجلد الخامس من كتابه الذي يحمل عنوان “بارزاني والحركة التحرّرية الكوردية”: “لم تتبنى أمريكا وبريطانيا أي موقف، كانتا فقط تشاهدان سير الأحداث وتراقبانه عن كثب، لكنّنا علمنا أن تركيا هدّدت الاتّحاد الوطني بأنه إذا شارك العمال الكوردستاني بكك في الحرب، فإن تركيا ستساعد الحزب الديمقراطي الكوردستاني”.

ولأن إيران شاركت رسميًا في الحرب الدائرة ودعمت الاتّحاد الوطني الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني، أرسلت الحكومة العراقية وفدًا إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني وأعربت عن استعدادها لمساعدة الحزب الديمقراطي الكوردستاني على طرد إيران، وأرسل الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى الحكومة العراقية قبول هذا الطلب، لكن بشرط انسحاب القوات العراقية فور انتهاء العملية وعدم اختراق الحدود في أي منطقة.

في 23 آب/ أغسطس 1996، اتّصل مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت بيلليترو بالرئيس مسعود بارزاني وطلب منه وقف القتال، فكان ردّ الرئيس بارزاني لـ روبيرت: “لقد رأيتم جميعًا من انتهك هدنة وقف إطلاق النار. كما يظهر أن إيران دخلت الحرب بشكل مباشر دون أن تبدوا أنتم أي موقف من ذلك. لقد كنّا بانتظار إبداء موقف منكم حتى يتبيّن من ظلم وبدأ بالحرب حتّى تطالبوا من بدأ الحرب بإيقافها”.

كانت الولايات المتّحدة تراقب الوضع عن كثب أيضاً، وفي ليلة 30-31 آب/ أغسطس 1996، اتصل روبرت بيلليترو بالرئيس بارزاني مرة أخرى وقال: “بحسب المعلومات التي نحصل عليها من الأقمار الصناعية، هناك حركة غير مرغوب فيها في جنوب أربيل. ما هو الموضوع؟ هل هناك احتمال للتدخل العراقي؟”.

أجاب الرئيس بارزاني، فقال: “إذا كان لإيران الحقّ في التدخل في المسألة، فلماذا لا يحقّ للعراق؟ أقماركم الصناعية ترى تحركات القوات العراقية في جنوب أربيل، لكن لماذا لا ترى تحركات الحرس الثوري الإيراني التي تهاجم قوات الديمقراطي الكوردستاني من حدود كيلشين والجبهات والمناطق الأخرى؟!”.

سأل روبرت الرئيس بارزاني: “ما هي الضمانات لانسحاب الجيش العراقي مرة أخرى؟”.

ردّ بارزاني: “مجيئهم مؤقّت، وقد حصلنا على ضمانات بأنهم سينسحبون بعد الهجمات”.

في صباح يوم 31 آب/ أغسطس 1996، شنّت قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني هجومًا واسع النطاق من عدّة محاور وجبهات ضدّ الاتّحاد الوطني الكوردستاني وإيران، منيت قوات الاتّحاد الوطني بهزيمة مدوية في أربيل، ولم تتمّكن من الصمود والمقاومة أمام بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولاذوا بالفرار على وجه السرعة، وتمّ تحرير أربيل والسيطرة عليها من قبل قوات الديمقراطي الكوردستاني، كما استسلم عدد كبير من قادة وبيشمركة الاتّحاد الوطني الكوردستاني لقوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، واستمرت العملية وفرّت قوات الاتّحاد الوطني الكوردستاني من السليمانية ومناطق أخرى وعبرت إلى عمق الأراضي الإيرانية، وبعد العملية انسحبت القوات العراقية وفق الاتفاق، وعادت إلى أماكن تمركزها ومناطقها.

طهّر الحزب الديمقراطي الكوردستاني كوردستان من إيران والجحوش والمرتزقة، غيّر ميزان القوى وبدأت مرحلة وحقبة جديدة، في هذا الصراع، استخدم الحزب الديمقراطي الكوردستاني محتلاً لكوردستان لطرد محتلّ آخر لكوردستان من أرض كوردستان، وتُطلق على هذا الضرب من السياسة بسياسة محاربة العدو بالعدو وطرد العدو بالعدو.

ما هي نتائج وإنجازات 31 آب/ أغسطس 1996؟

بعد 31 آب، بدأت مرحلة وحقبة جديدة في حياة الشعب الكوردي، وخاصة شعب أربيل، مرحلة التجديد والتطوير والبناء، وفي مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية، خطت كوردستان خطوة كبيرة ودخلت حقبة ومرحلة أخرى، باختصار، بدأت نهضة عظيمة من كلّ ناحية كما وبدأ عصر جديد.

ففي مجال السياسة الدولية، بدأت قضايا جديدة.

على سبيل المثال: زار الرئيس بارزاني تركيا بطلب من الولايات المتّحدة وبريطانيا. والتقى هناك مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى روبرت بيلليترو ونائب السفير البريطاني لدى أنقرة فرانك باكير ونائب وزير الخارجية التركي.

قام فولكر، الذي كان مساعداً للأمين العام للأمم المتّحدة آنذاك، بزيارة كوردستان.

ردّ رئيس الوزراء البريطاني آنذاك جون ميجر على رسالة الرئيس بارزاني وأكّد على إحلال السلام في المنطقة واستئناف المحادثات بين المملكة المتحدة وإقليم كوردستان.

زار نائب السفير الفرنسي لدى بغداد ميسيو أودينو كوردستان والتقى بالرئيس بارزاني، وعقد معه اجتماعاً أكّد من خلاله دعم فرنسا لسياسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني كما وأكّد على حقوق الشعب الكوردي.

حقّقت قفزة 31 آب نتائج هامة في مجال السياسة، منها ما يعيشه الشعب الكوردي من سلام وأمن وأمان في إقليم كوردستان اليوم.

الإنجازات والمكاسب التي تتمتّع بها كوردستان اليوم هي نتاج لسياسة 31 آب/ أكتوبر التي انتهجها الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كانت إيران قد خطّطت للاستيلاء على أربيل وجعلها مركزاً لأنشطتها وعملياتها للوصول بسهولة إلى دول الهلال الشيعي، لكنّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني أحبط هذه المؤامرة وقضى على أحلام إيران وبدّد آمالها.

قبل 31 آب/ أغسطس 1996، كان أهالي أربيل في وضع سيء وصعب للغاية في ظلّ قمع واستبداد الاتّحاد الوطني الكوردستاني، كان القمع والسلب والسرقة والفساد بلغ أعلى مستوياته، نهبت قوات الاتّحاد الوطني الكوردستاني منازل المواطنين واستولت عليها وسرقت سياراتهم وممتلكاتهم… وما زال الناس في أربيل يتحدّثون عن تلك الحقبة المظلمة، وكيف كانوا ينقلون سياراتهم إلى أسطح منازلهم خوفاً من سرقتها وسلبها من قبل عناصر الاتّحاد الوطني، فما فعله الاتّحاد الوطني الكوردستاني ضدّ أهالي أربيل قبل 31 آب/ أغسطس 1996 هو نفس ممارسات وسلوك نظام البعث البائد ضدّ أهالي المدينة، بل أسوأ منه.

واليوم، عندما يصف خونة الاتّحاد الوطني الكوردستاني وإرهابيي حزب العمال الكوردستاني بكك يوم 31 أكتوبر بأنه خيانة، هو لسبب أنها أفشلت مخطّط إيران لاحتلال أربيل، كانوا يحلمون باحتلال أربيل بمساعدة ودعم إيران والقضاء على الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتدميره، ولكن كما يقول الرئيس مسعود بارزاني: البارتي شجرة البلوط الكوردستانية لا يمكن القضاء عليها بالحرق أو القطع.

ينبغي على الحزب الديمقراطي الكوردستاني وكما نفّذ 31 أكتوبر 1996، أن ينفّذ يومي 31 آب في قنديل والسليمانية من أجل إحلال السلام والأمان في جميع أنحاء كوردستان وتطهير كوردستان من الإرهابيين والخونة والمرتزقة المأجورين…

31 آب التاريخي مبارك لعموم الشعب الكوردي…

مقالات ذات صلة