للاطّلاع التام على الوضع في شمال كوردستان وتأريخ هذه البقعة من كوردستان ينبغي علينا العودة لعشرينيات القرن المنصرم ولغاية العشرينية الجارية وقراءة أهم الأحداث الجارية مذّاك ولغاية اليوم
ماذا سنستفيد من هذه القراءة؟
قبل كلّ شيء سنعرف السبب الحقيقي والرئيسي لفشل كافة االانتفاضات والثورات الكوردية في شمال كوردستان! ولو تعرّفنا على أسباب الانحطاط والفشل فسنبدأ من جديد ونتجنب محطات الفشل تلك، لكي ننال النصر ونظفر بأهدافنا نحن الكورد في شمال كوردستان، ونعلن دستورنا ونظامنا وبرنامجنا ونظهر مواقفنا ونصدر قراراتنا ونأسس وفقها الحركات الكوردية الحديثة أو نقوي الموجدة على الساحة.
فكلّما بدات ثورة أو انتفاضة تحرّرية في شمال كوردستان لرأينا بعض رؤساء العشائر الكورد وأثرياءهم ينحازون لجانب العدوالمحتل، وتعاونوا معه للقضاء على تلك الحركة ووأدها في بكرة أبيها.
وهذا ما أدى إلى أن تكون الحالة بمثابة وظيفة لبعض العشائر الكوردية، فكانوا السبب في هزيمة وفشل كافة الثورات والانتفاضات الكوردية، والحق أنه لا يستطيع أحد مواجهة الكورد سوى الكورد أنفسهم، ولهذا قيل هذا المثل الكوردي المأثور: (لا زوال للشجرة إلا بدودتها-يقابلها مثل “لا يفل الحديد إلا الحديد” في اللغة العربية-).
واستمر الوضع لغاية فشل ثورة ديرسم، ومنذ ذاك أصبح النصر حليف الأتراك في ظل بعض العشائر الخونة والمرتزقة والبائعة لذاتها، وبعد هذه الانتصارات إلتفت تركيا لهذه العشائر العميلة والمتعاونة لها والملطخة أيديها بدماء إخوانهم الكورد.
فبعد انتصار الأتراك المحتلين كما قلنا إلتفت تركيا لهذه العشائر المتعاونة معها، وشرّدتها وهجّرتها من مناطقها ووزّعتها بين الأتراك، وقتلت الكثير منهم تحت مقولة الخائن الذي لا يصلح لنفسه فكيف أثق به ويصلح لي!
بعد فشل ثورة ديرسم أحاط صمت وهدوء عميقين شمال كوردستان نتيجة الخوف الذي ملأ قلوب الكورد جرّاء القتل والدمار والتشريد!
وبعد ستينيات العصر المنصرم، استيقظ الجيل الكوردي الجديد والذي كان يعيش بين الأتراك من سباتهم الطويل، وبدؤا بإحياء قضيتهم وقضية شعبهم المضطهد ما أدى لاستيقاظ الكورد من نومتهم العميقة والصامتة.
والحق أن السبب لم يكن هذا فقط! وإنما كان السبب الرئيسي هو قيام الثورات الكوردية في جنوب كوردستان، وبالأخص ثورة أيلول المجيدة بقيادة الأب الروحي للكورد الخالد الملا مصطفى البارزاني والتي استفاقت الشعب الكوردي من نومتهم وبعثت فيهم روح الأمل من جديد.
فبدأ الشباب والطلبة الكورد بتأسيس التنظيمات والحركات الكوردية في شمال كوردستان، وبعد عام 1970 بات واضحاً لدى العقلاء الأتراك أن الكورد باتوا يلملمون شملهم من جديد وأن القضية التحرّرية الكوردية ستبدأ مقاومة جديدة.
آنذاك أدرك الأتراك أنه ليس بمقدورهم مواجهة تلك الثورات والمقاومات والانتفاضات الشعبية، باتوا يفهمون جيداً أنهم لن يستطيعوا مواجهة الحركة الكوردية التي استفاقت من نومتها العميقة لسنوات هذه المرة.
ماذا فعلوا هذه المرة؟
هنا ينبغي علينا جميعاً، نحن الذين نقول بأننا كورد وكوردستانيون أن نتفكر بعمق وجيداً، أنه لم يبق باستطاعة الأتراك جمع ذاك العدد من العشائر تحت مظلتهم القديمة وإفشال الحركات والانتفاضات الكوردية بأيد كوردية مرّة أخرى.
ففي الوقت الذي شهد احتشاد الوطنيين والقوميين المخلصين حول هذه الحركات الكوردية يرتفع بوتيرة مخيفة يوم بعد يوم، وبدؤوا بتأسيس الأحزاب الكوردية كل من جانبه، ولبدأ نضال جديد وصنع ثورات مستجدة للوصول لمرحلة الانتفاضات الجماهيرية كان ينبغي عليهم قراءة الأحداث ومعرفتها وفهمها، كما كان ينبغي عليهم وضع الاستراتيجيات الحديثة للثورات المستحدثة والناجحة لتجنب تذوّق مرارة الفشل والهزيمة مرة أخرى.
فاقتنع الأتراك بعدم قدرة العشائر على صدّ هذه الحركات الشبابية والطلابية الحديثة، فتوجّهوا نحو تأسيس حزب يدّعي الكوردية والكوردستانية، والقضاء على الكورد وآمالهم في ظلّ هذا الحزب، فأسّسوا حزباً باسم (حزب العمال الكوردستاني) “PKK” وأدار الحزبَ رجالاتُهم.
ووضع لهم نظاماً وبرنامج وفق مطالب الكورد، وبالقصائد والشعارات والمطالب العالية دخلت البكك صفوف الحركة التحرّرية الكوردية في شمال كوردستان من غير إيفاء الشروط اللازمة والمطلوبة للثورة في الحزب الجديد، فبدؤوا بثورة جديدة بالبكك.
كان هدف المحتل هذه المرة يتمثّل في إفشال الحركة التحررية الكوردية وروّادها وقادتها في ظلّ حزب كوردي أسّسوه باسم الكورد، نعم هذا ما فعلوه وقد حقّقوا النصر في عدّة أصعدة ومجالات شتّى.
فمنذ يوم تأسيس البكك وليومنا هذا تدير البكك نضالها وكفاحها ضمن الأسس والبرامج التي وضعت لها وتنفيذ الأجندة التي وظّفت من أجلها.
لكي لا يطول الحديث لا أريد التطرق إلى أفعال البكك وممارساتها ومحاولاتها في محو الكورد، بل ينبغي على الكورد الوقوف من جديد على تأريخ البكك وإعادة النظر في كيفية تأسيس هذا الحزب والأسس التي بني عليها.
ليروا جيداً وليعلموا أن البكك مارست كل شيء من أجل زوال الكورد وفنائهم، وتدمير الوطن الكوردي وتغيير العقلية الكوردية وغسل أدمغة الكورد.
ولهذا قامت وببطئ بتحبيب الكماليزمية للكورد، فتم قبولها، بل في ظلّها تم صنع كوادر أساسيين بين الكورد من أعضائه للوقوف دوماً أمام أية حركة كوردية وكوردستانية وإفشالها من بكرة أبيها.
وأتمنى أن أكون قد استطعت خلال هذه الكتابة القصيرة إلقاء الضوء على أهم أسباب فشل الثورات والحركات الكوردية في شمال كوردستان، والآن تفكّروا جيداً وأعيدوا النظر في الوضع من جديد!