“الجبال ليست صديقتكم الوحيدة”.. ماذا يعني كوردياً أن يكون بايدن رئيساً لأمريكا؟
بايدن رسمياً في مواجهة ترامب
صوّتت غالبية المندوبين الديمقراطيين لمصلحة نائب الرئيس السابق (جو بايدن) كمرشّح للحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الأمريكية في منافسة الرئيس الحالي لأمريكا (دونالد ترامب).
وقد فاز بايدن رسمياً يوم أمس الثلاثاء، وكما كان متوقّعاً، بترشيح حزبه الديمقراطي لمنافسة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّرة في 3 نوفمبر 2020، وذلك في اليوم الثاني من المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي الذي تستضيفه ميلووكي، وتجري وقائعه بشكل غير مسبوق افتراضياً بسبب وباء كوفيد-19.
وعقب إعلان نتيجة التصويت خاطب بايدن في رسالة مباشرة عبر الفيديو المؤتمرين قائلاً لهم “شكراً لكم من صميم قلبي!”، ومن المقرر أن يقبل الترشيح في خطاب يوم الخميس.
وخلال المؤتمر ألقى الرئيس الأسبق بيل كلينتون كلمة قال فيها إنّه في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في أزمة اقتصادية وصحيّة خطيرة “يجب أن يكون المكتب البيضاوي مركز قيادة. لكن بدلاً من ذلك، هو عين العاصفة. لا توجد فيه سوى الفوضى”.
بدوره ألقى الرئيس الأسبق جيمي كارتر كلمة أشاد فيها بمزايا بايدن، ولا سيّما “خبرته وشخصيته وكياسته”، معتبراً إياه الشخص القادر على “توحيدنا واستعادة عظمة أميركا”.
وستضع الانتخابات الامريكية المرتقبة بايدن أمام اختبار حقيقي لمشاعره المؤيدة للكورد، وليحدد ما إذا كان تعاونه البراغماتي مع كل من بغداد وأنقرة، سيدفعه الى تخفيض التزامه مع الكورد بأن الجبال ليست صديقتهم الوحيدة!
فمن المعروف ووفق مواقف ترامب اللامبالية ومواقفه المتردّدة، عدم (حبّه) للكورد كما نقل عنه المستشار السابق للأمن القومي جون بولتون قوله “لا أحب الكورد”.
وخلال 15 سنة التي أمضاها جو بايدن في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي، من بينها رئاسة اللجنة مرتين، اظهر بايدن اهتماماً خاصاً بالكورد، خصوصا في العراق، البلد الذي زاره 24 مرة كنائب للرئيس.
ويعني ذلك بحسب مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية أن اهتمام بايدن بالكورد، ستكون له تداعيات على السياسة الخارجية فيما لو وصل بايدن الى البيت الأبيض، واعتبرت ان سياسته المحتملة تجاه الكورد تعني أن اهتمامه بهم سيكون تحت امتحان، بما إذا كانت توجهاته ستتعارض مع تركيا، سوريا، إيران والعراق!
وكان بايدن من المتحمسين لغزو العراق العام 2003، الا انه صوت ضد حرب الخليج العام 1991 التي وصفها بأنها “خطأ شنيع ستندم عليه بلاده لعقود مقبلة”.
اهتمام بايدن بالكورد كان من بين الأسباب الرئيسية التي على اساسها قرر التصويت تأييدا لغزو 2003، وكان قلقها أيضا من أنه إذا تمكن صدام حسين من وضع يديه على اسلحة نووية، فانه سيعتدي على جيرانه أو على الكورد ظنا منه أن ذلك سيردع الولايات المتحدة عن التدخل.
ورأت “ناشيونال انترست” أن أكبر تعبير عن دعم بايدن للكورد تمثل في كانون الاول/ديسمبر العام 2002، عندما زار المنطقة برفقة زميله السيناتور تشاك هاغل، وعبر بايدن الحدود من تركيا الى أراضي جنوب كوردستان، وألقى خطاباً أمام برلمان كوردستان في العاصمة أربيل، بعدما استقبل استقبالا حاراً، وسمع من المواطنين من يقول له “ما يتعلمه كل طفل كوردي هو ان الجبال صديقتنا الوحيدة”.
ووصف بايدن جنوب كوردستان بأنه “بولندا الشرق الاوسط”، متعهدا بدعم واشنطن لحكومة اقليم كوردستان، وقال ان “الجبال ليست صديقتكم الوحيدة”.
وبينما استفاد الإقليم من تغيير النظام الذي حصل في بغداد، الا ان بقية انحاء العراق سقطت في الفوضى، بحسب المجلة الاميركية، ما أكد مخاوف بايدن. وأصبحت حرب العراق لا تحظى بشعبية داخل الولايات المتحدة، في حين ان انسحاب الولايات المتحدة من البلد، يمثل مجازفة بتسليمه الى المتطرفين من السنة المتحالفين مع تنظيم القاعدة. ولهذا، وبالتعاون مع رئيس “مجلس العلاقات الخارجية” ليزلي غيلب، اقترح بايدن خطة لتوزيع السلطة في العراق، عبر ثلاث حكومات محلية، سنية، شيعية، وكوردية، مذكراً بان الدستور العراقي يشير إلى هيكلية فيدرالية، معتبراً ان العراق كان يسير نحو التقسيم أساساً وربما كخيار أخير.
وبعد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، والتحاقه بحملة باراك أوباما ليكون نائباً له، تبنى بايدن دعوة اوباما للانسحاب السريع من العراق.
وكلّف أوباما بايدن بالإشراف على سياسة إدارته في معالجة الملف العراقي، واستنادا الى السفير الاميركي جيمس جيفري، فإن بايدن زار العراق بين عامي 2010 و2012، 24 مرة ليمهد الطريق أمام خطة الانسحاب الاميركي، وكان يجري اتصالات اسبوعياً مع القيادات العراقية.
ويشيد جيفري، الذي يتولى الان منصب المبعوث الاميركي الخاص حول سوريا، ببايدن لأنه استثمر في الجوانب الشخصية للعمل الدبلوماسي، وفي حين أن علاقته مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قاسية، فان بايدن طور علاقات دافئة مع الكورد، بمن فيهم مسعود بارزاني وجلال الطالباني.
وبحسب نائب مستشار الامن القومي السابق (بين رودس) فان الصداقة بين بايدن وبارزاني تعود الى أكثر من 20 سنة.
وعندما اختار أوباما بايدن ليكون نائبه في العام 2008، وصفت وسائل الاعلام التركية بايدن بأنه “عدو لتركيا”، ليس فقط بسبب أنه مؤيد للكورد، بل أيضاً لأنه مؤيد لليونانيين والارمن.
وأشارت المجلة الاميركية إلى أن بايدن ظل على علاقة جيدة مع بارزاني وإقليم جنوب كوردستان، وقد استضاف أوباما بارزاني في البيت الابيض في العام 2015، وخلال زيارة بايدن الاخيرة إلى الخارج، وصفه بارزاني بانه “صديق الشعب الكوردي”، وذلك أثناء لقائهما في المنتدى الاقتصادي في دافوس.
وقد نقل عن بايدن تصريحه الجريء أواخر عام 2017، عندما تمنى لو أن الولايات المتحدة “قامت بأمور أكثر لصالح الكورد”، وعندما سئل بايدن لماذا لم يقم هو بأكثر من ذلك عندما كان نائباً للرئيس، فرد بالقول “إنها تركيا”.
وعكس هذا التصريح تحذيره القديم في العام 2007 للكورد من محاولة السعي الى الاستقلال لأنه عندها “سيتم التهامكم احياء من الاتراك والايرانيين.. سوف يهاجمونكم، ستكون هناك حرب شاملة”.
كما أن بايدن عبّر عن دعمه القوي للكورد في تشرين الاول/أكتوبر العام 2019، عندما قرر ترامب سحب القوات الاميركية من المناطق الحدودية الشمالية في سوريا ما منح تركيا وحلفائها من المسلحين الإسلاميين ومرتزقتها، الضوء الاخضر لشن هجوم على غرب كوردستان بحجة ملاحقة حزب العمال الكوردستاني، كتب بايدن وقتها ان ترامب “باع قوات سوريا الديموقراطية، شجعان الكورد والعرب الذين قاتلوا معنا لسحق خلافة داعش، وخان حليفاً أساسياً في الحرب على الارهاب”.
ورأت المجلة انه إذا كان بايدن مصمّماً على الدفاع عن المجتمعات الكورية في تركيا وسوريا والعراق، فان عليه ان يسير بحذر بين تعقيدات علاقة واشنطن مع أنقرة وبغداد ومع النظام المعادي في دمشق، ولكي ينجح، يتحتم على بايدن أن يقنع أنقرة وبغداد أن ينظروا اليه كشريك قادر على مساعدتهما بمشاكلهما الكوردية الخاصة بهما، بدلا من النظر إليه كمهووس كوردي يحتاج إلى الضبط إلى حين انتهاء ولايته الرئاسية.
من مقولات بايدن الشهيرة للزعيم البارزاني: “بكل تأكيد سنرى الدولة الكوردية خلال حياتي وحياتك”.