16 أكتوبر.. اليوم الأسود والخيانة العظمى

الشعب الكوردي يتذوّق مرارة الداء الأزلي في المئوية الـ 21

لا يخلو تأريخ أية أمة على المعمورة من محطات السعادة والتعاسة، والانتصارات والاخفاقات، والمواقف والوطنية وكذلك الخيانية المظلمة، إلا أنه يستحيل أن تجد في صفحات تأريخ اية أمة منها خيانة عظيمة بقدر خيانة 16 أكتوبر! خيانة بهذا الشكل لن تجدها في الأساطير التراجيدية المؤلمة حتى! باختصار.. خيانة 16 أكتوبر خيانة منعدمة النظير! وهي التجربة الأزلية التي تذوّقها الشعب الكوردي مرة أخرى في المئوية الـ21.

بعدما يأس جنوب كوردستان من تحقيق أي نجاح لمفاوضاته مع الدولة العراقية، لجأ إلى (حق تقرير المصير) فقرّر إجراء الاستفتاء كخطوة أولى نحو استقلال كوردستان.

قرار الاستفتاء كان قرار الأحزاب الكوردستانية في جنوب كوردستان قاطبة، كما كان قرار الشعب الكوردي والمتلهّف لإجرائه، ففي اجتماع الـ 7 من حزيران 2017، قرّر المجلس الأعلى للاستفتاء -والذي ضمّ كافة الأحزاب الكوردستانية عدا التغيير والجماعة الإسلامية- إجراء الاستفتاء، محدّداً يوم 25-9-2017 لإجرائه.

فقد أغفلت حكومة جنوب كوردستان وبرلمانها كافة تحذيرات وتهديدات الدولة المحتلة لكوردستان وراء ظهرها، كما تغاضت عن ضغوطات الدول العظمى، مصرّة على إجراء الاستفتاء، بغالبية أصوات برلمان كوردستان بالموافقة على المشروع.

الجبهة المناوئة للاستفتاء والمحاولة لتصفية البارزاني

مع صدور قرار إجراء الاستفتاء، بدأت التحركات والمساعي الهادفة لإفشال هذا المشروع على الصعيد الداخلي والخارجي الدولي، فظهرت الجبهة معارضة للاستفتاء الهادفة إلى إفشال مشروع الاستفتاء، وباستطاعتنا تعريف هذه الجبهة وأهدافها بـ:

  • الجبهة الإقليمية المناهضة (المناوئة والمعادية) (العراق وإيران وتركيا) فقد أبدت هذه الدول عداوتها للاستفتاء بشكل علني وصريح، وسلكت كافة السبل لإسكات صوت الشعب الكوردي ووأد الاستفتاء، فحاكت أبشع المؤامرات ونفّذتها على مرأى العالم والدول العظمى كأمريكا وبريطانيا والدول الأوروبية والتي كانت تُعدّ بمثابة الأصدقاء للشعب الكوردي.

  • الجبهة الداخلية المناهضة لاستفتاء الاستقلال، والحق أنه كانت هناك سيناريوهات عدة أعدتها هذه الجبهة، منها:

السيناريو الأول: إسكات صوت الشعب بأي ثمن كان، وهناك نستطيع التحدث عن اجتماع “دوكان” يوم 15 من أيلول 2017، حيث بُذلت كافة الجهود لانثناء الزعيم مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان للتراجع عن قرار الاستفتاء، غير أن كلّ هذه المحاولات باءت بالفشل.

ووفق معلومات غاية في السرية والخصوصية، أن قاسم سليماني كان في الطابق الثاني من المبنى الذي انعقد فيه الاجتماع، بانتظار نتائج الاجتماع.

السيناريو الثاني: في هذه المرحلة وبعد فشل كافة الجهود لإحجام الشعب من المضي قدماً في تقرير مصيره والتصويت للاستفتاء، استعانت الدول المحتلة لكوردستان بجناح بارز في الإتحاد الوطني الكوردستاني، وعقدت معه عدّة اجتماعات، تمخّضت عنها محاربة جنوب كوردستان بعد إجراء الاستفتاء، فوضعوا الخطوط العريضة لمؤامرة 16 أكتوبر الخيانية، وتم توزيع المهام وتوظيف هذا الجناح الخياني والمعروف بـ(سقيمي الفهم-قليلي الفهم).

بداية الخيانة

تم إجراء الاستفتاء يوم 25 أيلول 2017، وصوّت الكوردستانيون للاستقلال، وفي هذا اليوم ظهر قادة كافة الأحزاب السياسية على شاشات فضائياتهم، وافتخروا بأنهم صوّتوا بنعم لاستقلال كوردستان، علماً أن البعض منهم لم يدعموا حملة هذا المشروع منذ ولادته ولم يخدموه يوماً على منصاتهم الحزبية!

فظهر لاهور شيخ جنكي يوم الاستفتاء لابساً قناع المخلص الوطني المؤيد للاستفتاء، وقال بأنه كان ينتظر هذه اللحظة التأريخية منذ مدّة على أشد من الجمر، لكي ترقد أرواح شهدائنا بسلام، وأنه صوّت “بنعم” غير أن الحقيقة هي أن قادة الإتحاد وقبل أيام من إجراء الاستفتاء توجّهوا لإيران لتلقي الأوامر من المحتل، وأساؤوا إلى المرحوم مام جلال طالباني، فمع أنه كان مريضاً لا يستطيع الوقوف إلا أنهم أخذوه معه لإيران، فباستطاعتنا القول إنه تمّت التحضيرات والاستعداد لمؤامرة خيانية بشعة شبيهة بخيانة 1966 هناك!

وبعد إجراء الاستفتاء، بدأت التحركات الإيرانية العراقية وبمساندة الجناح البارز للاتحاد تظهر بوتيرة أشدّ، وتم التحضير للمؤامرة لغاية الـ 15 من أكتوبر، وتمّ عقد اتفاق بين جناح (قليلي الفهم) في الإتحاد مع ميليشيا الحشد الشعبي والحرس الثوري ومسلّحي حزب الله العراقي.

ضياع قلب كوردستان

في ليلة الـ 16 من أكتوبر بدأت المؤامرة، بدأت الميلشيات الشيعية بقيادة قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بمهاجمة مناطق طوزخورماتو وخانقين وكركوك، فأوعزت جماعة سقيمي الفهم أوامر عاجلة للبيشمركة بالانسحاب وتمهيد الطريق للجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي بالعبور، فرفضت جماعة من بيشمركة كوسرت رسول ترك جبهاتهم القتالية، فدافعوا حتى الاستشهاد بعيارات نارية أصابتهم من الخلف! وهنا يتّضح أنه تم تصفيتهم بيد بعض بيشمركة الإتحاد وبأوامر مباشرة من لاهور شيخ جنكي، ولهذا لم يتم إرسال جثامينهم للطب العدلي لكي تبقى القضية طيّ النسيان!

والحق، أنه وفي بداية الهجوم، صدّ بيشمركة كوردستان هجماتهم، وأعبطوا 7 آليات مدرّعة للحشد والجيش، وقتلوا 14 من مسلّحيهم، وبهذا تيقّن العدو أن دخولهم لكركوك بدون قتال ليس بالأمر الهين، لهذا اضطروا للاستعانة بجماعة قليلي الفهم لإخلاء بعض جبهات القتال من البيشمركة.

فاستجابت الخونة لندائهم على وجه السرعة، وذلّلوا العقبات أمامهم على جسر (مريم بك) وأمرت القادة والبيشمركة التابعة لها بإخلاء جبهاتهم، فرفض بعض القادة هذه الأوامر أمثال الشيخ جعفر، فقامت جماعة سقيمي الفهم باحتجازه، وهنا دخلت جيوش المحتل قلب كوردستان (كركوك) وحاصرت قوات البيشمركة!

ولم يكن البيشمركة في جبهات جنوب غرب كركوك على علم بدخول قوات الحشد والجيش العراقي لكركوك، ما تسبّب باستشهاد 25 منهم على يد كمين للحشد، هكذا يتمّ احتلال كركوك!

مقاومة وأحداث ما بعد 16 أكتوبر

لم تكن مؤامرة 16 أكتوبر مجرد تسليم أرض الوطن للعدو المحتل، بل كانت انكساراً لإرادة وكرامة الشخصية الكوردية، ومعنويات البيشمركة الأبطال الفدائيين، فقد تذوّق الشعب الكوردي مرارة الخيانة الأزلية وطعنة الظهر مرّة أخرى.

ولم تنته مؤامرات المحتل بعد 16 أكتوبر، فتم إغلاق المعابر الحدودية، وفرض حصار اقتصادي وسياسي على جنوب كوردستان، في هذه الأثناء، كان بيشمركة كوردستان يستعدّون لحماية أرض الوطن، فكانوا متيقنين أن العدو المحتل لن يسكت أو يتوقف، وأن خطراً عظيماً وكامناً يهدّد الجزء الوحيد المحرّر من كوردستان.

في هذه المرحلة، حشد الزعيم الكوردي مسعود البارزاني قوات البيشمركة للذود عن حدود جنوب كوردستان، وأراد المحتل مواصلة احتلاله من سحيلا وبردي، غير أن البيشمركة أبدت مقاومة الأبطال، فدمّرت دبابات آبرامز للمحتل، وقتلت المئات من مسلحي الميليشيات المرتزقة، ولم تدعهم يعبرون بردي وسحيلا نحو أرض كوردستان.

كان المحتل ينوي الاستيلاء على بلدة صلاح الدين -محل إقامة البارزاني وعائلته- بعد دحر قوات البيشمركة في بردي على يد ميليشيات الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني وجماعة قليلي الفهم، وبهذا يستولون على العاصمة أربيل والمؤسّسات الحكومية ويحتلونها، والقضاء على واقع إقليم كوردستان، فكانت جماعة قليلي الفهم يمنّون أنفسهم آنذاك بالتحكم الكامل بمقاليد السلطة في كوردستان بعد احتلال أربيل من قبل العراق وإيران، فهذه الجماعة كانت بهذا المستوى من الغباء والسقم بحيث صدر عنها خيانة تأريخية بهذه البشاعة!

وقد سجّل البيشمركة أروع قصص البطولة وسطروا الملاحم التأريخية في بردي وسحيلا، أراق الدماء وقدّم الشهداء، غير أنه لم ينسحب أو يتراجع، بل وضع حدّاً لاعتداءات المحتل وقطع ألسنة الخونة…

دور البكك في احتلال كركوك

في الـ 9 من آب 2014، دخلت البكك محافظة كركوك، وقد نشرت مشاهد لمراسيم عسكرية لدى دخولها المدينة، وأنها ستكون قوة شرعية هناك، وتمركزت قوات البكك بالقرب من القوات العراقية، ونسّقت مع ميليشيا الحشد الشعبي، وكانوا يسيّرون دوريات مشتركة، غير أنه عند حدوث خيانة 16 أكتوبر واحتلال كركوك لم يعرف أحد ما حلّ بقوات البكك المتواجدة هناك! وكيف اختفت قواتهم في مواقع كـ(داقوق وملا عبد الله ..!).

ليلة 16 أكتوبر، سحبت البكك قواتها بصمت مطبق نحو مخيم مخمور، ولم يطلق الكريلا ولو عياراً نارياً تجاه جيوش المحتل، فجلّ ما فعلته هو إطلاق عيارات نارية من قبل بعض حراس مقارها السياسية وأمام عدسات كاميراتهم كبروباغندا إعلامية لكي يقولوا بعدها بأنهم حاربوا يومذاك!

والحق، أن البكك كانت شريكة سرية في أحداث كركوك، فقد أصبحت البكك بعد عام 2014 شريكاً وحليفاً للحكومة الفدرالية، وخصوصاً الحشد الشعبي، أي أصبحت جناحاً لبغداد والشيعة والحشد إزاء إقليم جنوب كوردستان، وكانت مطّلعة تماماً على أحداث احتلال كركوك، إذ ثبت أن لاهور شيخ جنكي كان قد اطلع كلّاً من دمهات عكيد مسؤول علاقات منظومة المجتمع الكوردستاني (KGK) ورضى آلتون عضو الهيئة الإدارية للمنظومة في السليمانية على هذا المشروع.

والبكك كانت تعتقد أن هذه المؤامرة ستقضي على الديمقراطي الكوردستاني، فأصدرت أوامر لقواتها بالتنسيق والتحرك مع الحشد الشعبي، وهذا ما حصل، فقد تحركت قواتها بالتنسيق مع الحشد في كل من مخمور وشنكال، فأول ما حدثت الاشتباكات كانت أمام مخيم مخمور قبل 7 أيام، ووقع أعداد من الشهداء من صفوف البيشمركة، على بعد 2كم من المخيم في اشتباكات عنيفة، آنذاك، كان هناك ما يقارب من 300 كريلا على جبل مخيم مخمور، وكانوا ينتظرون هزيمة البيشمركة للقدوم مع قوات الحشد الشعبي والاستيلاء على عموم كوردستان واحتلالها!!

نعم، كانت البكك تأمل من تحالفها مع الحشد والحكومة العراقية أنه وبعد احتلال كركوك وعموم جنوب كوردستان، فإن البكك ستحل محل الديمقراطي الكوردستاني -البارتي-، فهي كانت تعتقد أنه ينبغي أن توجد بعد الاحتلال قوة كوردية وينبغي أن تكون هي هذه القوة الكوردية!

أهداف 16 أكتوبر

لم تكن كركوك والمناطق الكوردستانية الخارجة عن إدارة إقليم جنوب كوردستان الهدف الوحيد من وراء خيانة 16 أكتوبر، بل كان المحتل يحلم باحتلال أربيل وتدمير واقع جنوب كوردستان، فقد صرّح ئاراس شيخ جنكي يومها -حيث كان متواجداً بين جيوش المحتل- لوسائل إعلامهم بأن الجيش يتقدّم نحو أربيل!

عندما تصدّى البيشمركة لهذه الخيانة الداخلية والمؤامرة الخارجية، وعندما تيقّن الخونة أن كلّ شيء فشل، وأن أحلامهم الخبيثة تبخّرت وتبعثرت آمالهم، قاموا بهجمة إعلامية شرسة على شخص البارزاني والجبهة المؤيدة للاستفتاء دون خجل أو حياء! والحق أنه وبعد كسر أنوفهم في ملاحم بردي وسحيلا والمحمودية اضطروا إلى تبرير خيانتهم بإجراء استفتاء الانفصال، فبعد المقاومة التأريخية للبيشمركة الأبطال تاهت جماعة الخونة وضلّت! فنسوا أنهم كانوا يتاجرون بالوطنيات يوم إجراء الاستفتاء، غير أنه بعد إحباط مؤامرتهم وخيانتهم النكراء التمسوا حججاً وتبريرات واهية ضعيفة كنفسياتهم الدنيئة!

صك الاستقلال

برّر خونة كوردستان الهجوم على كركوك وضياع 51% من أرض الوطن بإجراء الاستفتاء، والحق أن مشروع احتلال كركوك كانت خطّة دُبّرت إبان عملية تحرير الموصل، ولم تكن لها أية علاقة باستفتاء الاستقلال، ولإثبات هذه الحقيقة نستطيع العودة للأحداث التأريخية ونقول: هل كان وراء احتلال العدو لعفرين وسري كانيه والمدن الكوردستانية الأخرى استفتاء الاستقلال؟!

في هذه الأثناء، والأمرّ من بين كلّ هذا، أن خونة 16 أكتوبر ومع اعترافهم الصريح آنذاك بخيانتهم، غير أنهم برّروا احداث 16 أكتوبر بإجراء الاستفتاء على فضائياتهم! والأمرّ من هذا هو ثقة وقناعة بعض الشباب الكورد بهؤلاء الخونة من سقيمي الفهم!

وختاماً نقول: أنه ورغم مرارة وبشاعة خيانة 16 أكتوبر، والجرح العميق الذي تركته في الجسد الكوردي، غير أن هذا الاستفتاء انتصار وكرامة وهوية للكورد، بل هو بمثابة صك للاستقلال، وليست هناك قوة تستطيع سلبنا إياها!

مقالات ذات صلة