خرافة الوطن العربي الكبير!
بقلم الكاتب السعودي: محمد آل الشيخ
خرافة (الوطن العربي الكبير) كما كانوا يلقنوننا ونحن صغار اتضح أنها (خراط فاضي)، كلفتنا على مستوى تنمية أوطاننا، الشيء الكثير؛ وأكاد أجزم أن تدني الشعور بالمواطنة ومعها تدني التنمية الشاملة في أرجاء المنطقة التي ترفع شعار الوحدة العربية من المحيط الى الخليج ، تعود إلى هذه الكذبة، حيث أصبح حلم (الوحدة) شغلنا الشاغل عن الالتفات إلى أوطاننا، وتكريس الانتماء إليها والاعتراف بكل ثقافاتها، ككيان نهائي غير قابل للزيادة ولا للنقصان.
الإيدلوجيات التي تجعل (الوطن) جزءا من كل، أو مجرد (قُطر) من كيان جغرافي أكبر، أو (بعضاً) من أمة، هي السبب وراء تدني الشعور بالوطنية ليس في بلادنا فحسب، وإنما في كل أرجاء بلدان ما يسمى اليوم بالعالم العربي، نحن سعوديون، وسنبقى سعوديين، وبلادنا وطن وكيان نهائي للسعوديين، مثلما لا نقبل لكائن من كان أن يقتطع جزءا منه إلا على جثثنا، عربيا كان أو مسلما، فلا نقبل إطلاقا أن يذوب في وطن أكبر كما يطمح العروبيون، أو كما يدعو المتأسلمون، كل حسب أجنداته التذويبية.
أكثر من كان يروج لنظرية الوطن العربي الكبير، هم (عرب الشمال) يعني العراقيين والسوريين والمصريين واللبنانيين ومستعربي شمال افريقيا الذين يتوهمون بأنهم عرب! وكانوا يصرون في خطابهم الرغبوي هذا على أن الأوطان العربية مجرد (أقطار) ومصيرها إلى الانصهار في الوطن الحلم الكبير، ونتيجة لهذه النظرية المفبركة، وغير القابلة للتطبيق على أرض الواقع، تأتي كل مشاكل المنطقة اليوم، وأهمها على الإطلاق ضعف الانتماء للأوطان القائمة، على اعتبار أن الهوية الوطنية حسب زعمهم ما هي إلا هوية قطرية، طارئة ومؤقتة، صنعها الأجانب لا نحن، وكل من (يُكرسها) كهوية وطنية نهائية، ويُدافع عنها، فهو (خائن) لأمته العربية حسب زعمهم! ولا تكاد تجد من عرب الشمال، من لا يؤمن بهذه النظرية كمسلمة لا تقبل النقاش.
والنتيجة، أن هذا الانتماء (المفبرك) وعدم تكريس وتجذير الهوية الوطنية، كبديل للانتماءات التقليدية الموروثة، كالانتماء الطائفي، أو المذهبي أو القبلي، كما كانت الانتماءات قبل ظهور (الدولة الوطن)، ظلت قائمة وكأنما الانتماء للوطن القائم تفريط بالهوية الحلم المفبركة.
السوريون والعراقيون اليوم، هم أكثر الشعوب في منطقتنا التي رفعت شعار (الدولة العربية الواحدة) كأيدلوجيا حفرتها في إذهان شعوبها، وها هي هذه الدول تدفع الثمن باهضا لهذه الدعوات للوحدة العربية المفبركة؛ فشعوبها ظلت منتمية لمكوناتها الطائفية الموروثة، وأرضها مسرحاً للصراعات الدموية، التي تسعى بها إلى التقسيم، على أساس طائفي؛ فلا هم الذين حققوا حلم الوطن العربي الكبير، ولا هم الذين أبقوا أوطانهم الحالية موحدة، تستعصي على التشرذم والتفتت، ناهيك عن التخلف التنموي الشامل في كل هذه الأوطان، سواء على مستوى البشر، أو على مستوى الحجر والخدمات في كافة المجالات الحضارية.
ولا يعني هذا أنني ضد فكرة التكتل الاقتصادي على أساس (المصالح) المتبادلة، والتكامل بين الدول اقتصاديا، ولكنني ضد الوحدة التي تُذوّب الأوطان وتلغيها، إما لأسباب إثنية مفبركة، كدعوة القومية العربية، والوطن العربي الكبير، أو لأسباب دينية، تنبع من فكرة الدولة الإسلامية الواحدة، أو (دولة الخلافة) التي تقوم على هدم الأوطان الحالية، وإقامة دولة (العروبة) أو دولة (الخلافة) على أنقاضها.
أية مشكلة حلها يبدأ من قراءة الواقع بموضوعية، وطالما أننا نقفز عما (هو كائن) إلى (ما يجب أن يكون) فنحن نمارس ضرباً من ضروب (أحلام اليقظة)، ولن نبرح مكاننا، ولن نجد لأمراضنا علاجا شافيا إلا بالتعامل مع الواقع كما هو عليه، وبالاعتراف بكل اللغات و الثقافات الاصلية الموجودة بأوطاننا والاهتمام بها وعدم التنكر لها.
ما بالوطن أولا ولا شيء لنا غيره، بقاء الوطن من بقائنا، وتمزقه أو غيابه أو هز أمنه واستقراره كارثة حقيقية، ستؤدي بنا إلى نفس مأساة العراقيين والسوريين وأيضا الليبيين (الوطن القائم أولا)، ولا وطن لنا غيره، ولا قضية لنا إلا حمايته ونمائه وترسيخ أمنه واستقراره.