حاول أعداء الكورد ومنذ القدم إنماء الخلافات والانشقاقات وتعميقها بين الشعب الكوردي، وافتعال المشاكل وإشعال الحروب الداخلية والاقتتال الأخوي بينهم، وهذه الأحداث ليست وليدة اليوم، بل هي أحداث وجدت على مرّ التأريخ، فيحاولون تدمير أواصر الأخوة وروابط الأرض والوطنية بينهم، والقضاء على وحدتهم متى ما رأوا أو شعروا بهاجس الوحدة يفوح منهم، وللأسف الشديد أنهم نجحوا في مساعيهم التخريبية هذه وظفروا بالمطلوب بعض المرات، غير أن ما يطمئن له القلب ويسرّ له الفؤاد هو ما نراه من مواقف افتخارية لكاريزما الكورد ورمزهم وزعيم الديمقراطي الكوردستاني مسعود البارزاني عندما حرّم وجرّم الاقتتال الأخوي، رغم ما يحدث من انتهاكات ومشاكل في بعض الأحيان نتيجة استغلال هذا القرار المبارك، غير أن البارزاني لم يدع المجال لإراقة الدم الكوردي، وكان دائماً صنبور الأمان والحائل الرئيسي بل والوحيد لإراقة الدم الكوردي بأيدي بعضهم البعض، وقد تكون أحداث 16 أكتوبر الخيانية خير دليل على ما نقول، عندما قام جماعة من قليلي الفهم في الإتحاد الوطني الكوردستاني بخيانة وطنهم، وسلّموا قلب كوردستان كركوك المقدسة لأعداء الأمة الكوردية، وبذلوا قصارى جهودهم لإشعال حرب داخلية واقتتال أخوي عظيم بين الكورد، غير أن حكمة البارزاني وعقليته الفذّة وإخلاصه لوطنه وقوميته وقيادته الحكيمة وزعامته الحقة حالت دون حدوث هذه الفتنة والمصيبة.
بعد أن حرّم البارزاني الاقتتال الأخوي، لم يثن هذا الموقف والدور الوطني لهذا الزعيم الكوردي بعض الأطراف السياسية من استحصال مصالحها الحزبية الضيقة، واستغلال فتوى البارزاني هذه، فكثيراً ما حاولوا خلق المشاكل والفتن وافتعال العديد من الخروقات والانتهاكات لثقتهم التامة بأن البارزاني لن ينثني من موقفه ولن يخلّ بكلمته فكلمته كلمة شرف، فاستغلّت هذه الأطراف هذا الموقف فخطّطت وأحاكت المؤامرات وقامت بالاستفزازات ونشرت الفوضى، وكان لحزب العمال الكوردستاني حصة الأسد في هذه الممارسات والأنشطة التخريبية.
الكلّ يعلم ويرى جيداً بأن حزب العمال الكوردستاني البكك قامت بالعديد من الاستفزازات ضد حكومة إقليم جنوب كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- بعدما حرّم البارزاني الاقتتال الأخوي، بدءاً من انتهاك حرمة مقدسات البارتي ووصولاً لاحتلالها واستيلائها على القرى والبلدات في جنوب كوردستان، وقطع الطريق أمام بيشمركة كوردستان، وإدامة حرب إعلامية شرسة ضد حكومة جنوب كوردستان ومؤسّساتها.
يبدو أن الأحزاب السياسية أمثال البكك لم تستوعب فتوى البارزاني بتحريم إراقة الدم الكوردي والاقتتال الأخوي!
بعد أن جرّبت البكك كلّ السبل ولم تظفر بالمطلوب ولم يحدث ما في الحسبان، ولم يحدث ما كانت تخطط له من المحظور، ولم تشتعل أية حروب، بدأت بأعمال غاية في الخباثة والدناءة، فمرة قامت باغتيال نائب القنصلية التركية في أربيل، ومرة قطعت الطريق أمام البيشمركة بالتوجه لمنطقة زينة ورتي، ومرّة قامت بتأزيم الأوضاع في شنكال ووقفت موقفاً عدائياً تجاه الاتفاقية التاريخية بين حكومة إقليم جنوب كوردستان والحكومة العراقية بشأن تطبيع العلاقات في المدينة المنكوبة، ومرّة بتسعير حربها الإعلامية وهجماتها الشرسة ضد حكومة الجنوب، ومرة بإطلاق النار على بيشمركة كوردستان في ناحية دينارته، حتى تطوّرت الأمور ووصلت إلى القيام بالاغتيالات والتفجيرات، فاغتالت مدير آسايش معبر سرزير الحدودي غازي صالح آليخان، وفجّرت أنبوب نفط إقليم جنوب كوردستان، فالبكك لم تستنكف عن القيام بأي عمل مهما بلغ من الدناءة والخسة! ورغم كلّ هذا لم يحدث ما كانت تنتظره من حرب دامية لا تبقي ولا تذر! فقامت بإطلاق تصريحات عدائية نارية هدّامة بعيدة عن العقل والمنطق كتصريحاتها بأن الحرب على إقليم جنوب كوردستان ليست حرب أخوة وليس اقتتالاً أخوياً! معلنين أن البيشمركة ليسوا أخوة للبكك! علماً أن هذه التصريحات كانت لكبار قادة البكك أمثال (مراد قريلان، جميل بايك، مصطفى قارسو وبسي هوزات)!
البكك لم ترحم حتى أهالي القرى الباقين على قراهم، بل أجبروهم على دفع الضرائب والإتاوات
نعم، يبدو أن الأحزاب والأطراف السياسية كالبكك لم تستوعب فتوى البارزاني جيداً ولم تهضمها كفاية، فهي لم تفهم بعد أو فهمت بطريقة خاطئة! وإلا لم تكن لتقوم بأية أعمال استفزازية فوضوية ضد إقليم جنوب كوردستان، فقد استغلّت البكك فتوى البارزاني وصارت بمثابة خطر عظيم على أمن واستقرار ومؤسّسات إقليم جنوب كوردستان، فباتت تنتهك حدودها وتزعزع أمن واستقرار القرى والمدن الكوردستانية، وتجبر مواطني الجنوب على إخلاء قراهم والنزوح لغيرها من المناطق في ظل هذه الفتوى الوطنية للبارزاني، وبهذا فقد شرّدت الناس من قراهم وأثقلت كواهلهم وباتت سبباً في انتشار البطالة بين شباب الجنوب، فأصبحت البكك المستفيدة الأولى والرئيسية في هذه الأوضاع، فقد أصبحت جسراً للهجرة الشبابية لأوروبا، فاستفادت من هذا الوضع من ناحيتين، إحداهما تمثّلت في استغلال الموضوع موضوعاً إعلامياً حامياً محارباً به حكومة إقليم جنوب كوردستان ومحاولة تأليب الشعب ضد حكومتهم، وثانيهما تمثّلت في تهريبهم الشباب بطرق غير قانونية لتركيا ومن هناك نحو أوروبا لقاء مبالغ مالية طائلة! فهي لم ترحم حتى بحال أهالي تلك القرى الباقين على قراهم، بل أجبروهم على دفع الضرائب والإتاوات!
واستمرارية هذه الممارسات الدنيئة للبكك ومعاداتها لحكومة جنوب كوردستان كان السبب الرئيسي وراء تصريحات البارزاني يوم الإثنين الموافق لـ 2-11-2020، والتي صرّح من خلالها مخاطباً كافة الأطراف السياسية أنه: “يجب ان لا يُفسر موقفنا هذا بشكل خاطئ وان يتم استغلاله لتحدي السلطة القانونية في إقليم كوردستان” وهذا تحذير صريح وواضح أنه من الآن فصاعداً ليس محل قبول لأي حزب أو طرف أو أية جهة كانت أن تكون مصدر خطر لواقع إقليم جنوب كوردستان، وبالأخص الجهات السياسية التي تعيش على خيرات الجنوب وأهله، ومع هذا لا يحسبون أنفسهم إخوة لأهل الجنوب!
شباب الجنوب عرفوا حقيقتها بدون أقنعة منذ أمد بعيد
ينبغي على البكك أن تعرف حدودها وتقف عندها، ونقول لها بمليء أفواهنا أنكم لستم تلك القوة التي تستطيع تنفيذ أجندات ومخططات خارجية وإحاكة مؤامرات داخلية دنيئة ضد إقليم جنوب كوردستان، كفاكم ممارسات تخريبية! فإن من حرّم الاقتتال الأخوي يستطيع أن يحلّه! وبالأخص في وقت لا ترون أنفسكم إخواناً لكورد الجنوب، وتقولون إن الكريلا والبيشمركة ليسوا إخوة! واعلموا جيداً أنه لو نشبت أية حرب فإن نهايتكم ونهاية مؤامراتكم باتت قاب قوسين أو أدنى! بل هي نهايتكم الحتمية والمأساوية! فأنتم مخطئون بالاعتماد والاتكال والركون إلى شباب الجنوب، فشبابنا في الجنوب فطنوا لأمركم وعرفوكم على حقيقتكم من غير أقنعة وباتوا أدرى الناس بحقيقتكم المزيّفة!
والحق أن ما يربط البكك بكوردستان والكوردايتي هي ألبسة كريلا الكوردية وأدمغة كبار قادتها لا غير! ولا نقصد بأدمغتهم الأدمغة الكوردية والوطنية والقومية، بل نقصد بها أدمغتهم المتحجّرة والمتصلّبة مثل صخور كوردستان!