البيان الذي أصدره الزعيم الكوردي مسعود البارزاني في الـ 2-11-2020 للرأي العام الكوردستاني يحمل في طياته أهمية تأريخية، حيث أشار البارزاني فيه إلى تحريمه للاقتتال الأخوي وإراقة الدم الكوردي، غير أنه نبّه فيه أنه ينبغي أن لا يُستغل هذه الفتوى الوطنية أو تُفسّر بتفسيرات خاطئة، فقد اختار البارزاني عباراته وكلماته بدقة متناهية، وانتقد في البيان استيلاء البكك واحتلالها لأراضي جديدة من إقليم جنوب كوردستان، ورغم كلّ هذا وضّح بأنه لا يستسيغ الحرب الداخلية ويحرّم أي اقتتال أخوي بين الكورد، فمجمل البيان وتفصيله كان ذو أبعاد بنّاءة وصيغ وفق منطق سليم، بل هو أول بيان نسمعه يتّسم بالحكمة والعقلية خلال الأشهر الأخيرة بشأن الأوضاع المتأزمة والمستعصية للكورد.
مع كلّ هذا فقد تعقّبت البيان عاصفة هوجاء وحرب إعلامية شرسة للبكك ضد حكومة جنوب كوردستان كانت أشد من حربها ربيع هذا العام، فنشرت البكك بروباغندا وإشاعات كاذبة هادفة منها تحريف حقيقة البيان، فحتى كبار قادة البكك أمثال جميل بايك ونزولاً لمراسليها الإعلاميين ادّعوا أن البارزاني دعا لحرب داخلية واقتتال أخوي! ولم تقف عند هذا الحدّ، بل ترجمت سيناريو خارطة طريقها فعلياً عندما هاجمت قوات البيشمركة في ناحية جمانكي محاولين من وراء اعتداءاتهم القول بأن البارزاني هو من دعا للحرب، وأن قوات البيشمركة هي من قامت بمهاجمتنا!!
والحق أن البكك كانت قد خطّطت لهذه الاعتداءات والهجمات، وكانت ستقوم بها مهما كانت نمطية بيان البارزاني! فكبار قادة البكك كانوا قد أعلنوا الحرب الداخلية والاقتتال الأخوي في الـ 25 من آب المنصرم، والمسألة كانت مجرد مسألة وقت وحجج لا أقل ولا أكثر!
كلّ من يحمل العداء لكوردستان يهاجم البارزاني
هناك العديد من القوى والأطراف الحانقة والساخطة على حكومة جنوب كوردستان ووجودها الحالي، وهي تحاول جاهدة القضاء على هذه الحكومة وفق مخطّطات ومشاريع وأجندات إقليمية، ومن ضمن هذه القوى والأطراف حزب العمال الكوردستاني البكك، بعبارة أخرى، البكك عضو رئيسي في هذا المحور المعادي لحكومة إقليم جنوب كوردستان والساعين للقضاء عليه وتدميره.
تخفي البكك عداوتها اللدودة لكوردستان تحت لحاف عداوتها للحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- كما أن هناك سبباً لمعاداتها البارتي، فالبارتي كحزب يُعتبر من الأعضاء المؤسّسين الرئيسيين لحكومة جنوب كوردستان، وهو صاحب نضال تأريخي وكفاح دامي ومقاومة تأريخية وسياسة ودبلوماسية تمتدّ على مدى المئوية الأخيرة، فالبارتي احتضن فكر الحرية واختزل النضال والكفاح وعشق المقاومة في كافة أجزاء كوردستان، وأثّر تأثيراً عظيماً وعميقاً على الشعب الكوردستاني والقضية الكوردية، نعم، توجد أحزاب عديدة ناضلت وكافحت غير أن البارتي هو الحزب الوحيد الذي مثّل الكورد واختزل التمثيل الكوردي على كافة الأصعدة، فهو من بنى قيم الدولة والفكر الوطني والقومي منذ ما بعد مهاباد، وهو كان البرعم الذي نما ليصبح شجرة طيبة عظيمة في كوردستان، يستظلّ بها الكورد اليوم، نعم، قد يخطئ البارتي ويصيب، فبالتالي هو ليس حزباً معصوماً عن الأخطاء، غير أن هذا لا يغيّر من أسس المعادلة شيئاً، فهو القوة الكوردستاني الرئيسية العظيمة، فهي ميراث الشيخ سعيد بيران والشيخ عبيد الله النهري، وهي تركة الانتفاضات وثورات جبل ئاگري، قازي محمد ووصولاً للقائد سمكو شكاك.. فالبارتي هو حامي هذه المكتسبات والمنجزات والمحافظ عليها في الألفية الجديدة.
لدوره الاستراتيجي والبارز في القضية الكوردستانية، أعداء كوردستان قاطبة يعادون البارزاني
والحق أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو تركة مسيرة ونهج البارزاني الخالد، والزعيم مسعود البارزاني هو من أدار وقاد هذه المسيرة التأريخية خلال الـ 50 سنة الأخيرة، وكان ذو موقف فعّال ودور مشرف ورئيسي وجوهري في إنشاء كيان كوردي بين المجتمع الدولي، فكلّ ما تمّ الاعتراف به من بقعة كوردستانية أينما كانت، أو قضية رفع علم كوردي أينما كان فالفضل الكبير والكثير يعود لشخص مسعود البارزاني، فهو القوة الدبلوماسية والسياسية الكوردستانية على الساحة الدبلوماسية والسياسية العالمية، وبالأخص ساحة الولايات المتحدة وأوروبا قاطبة، وأية محاولة للقضاء على البارزاني ومحاربته فهي بمثابة محاولة القضاء على القوة الدبلوماسية الكوردستانية في العالم أجمع.
نتيجة النضال والكفاح القومي والوطني لمدى الـ 50 عاماً، البارزاني أيقونة تختزل كلّ معاني الكوردستانية
لدوره الاستراتيجي والبارز في القضية الكوردستانية، أعداء كوردستان قاطبة يعادون البارزاني، بعبارة أخرى نستطيع القول إن أعداء كوردستان أينما تواجدوا نراهم يعادون البارزاني ويهاجمونه، فلو نظرتم اليوم لليسار التركي المتشدّد لرأيتموهم أشدّ عداوة من اليمين للبارزاني، فـ”يالجين كوجوك” كان عدوّاً لدوداً لبارزاني، وكان يقول: لو بقيت وحدي لحملت السلاح وحاربت البارزاني! وقد أبدى بعض اليمينيين الأتراك سعادة بالغة عندما استقال البارزاني من رئاسة إقليم كوردستان عام 2017، وبعد احتلال كركوك من قبل ميليشيا الحشد الشعبي، فلماذا؟ وذلك بسبب نضال البارزاني وكفاحه لقضيته المشروعة على مدى 50 عاماً، وهذا ما ساوى بين البارزاني والقضية الكوردستانية وجعلهما مرادفين لبعضهما البعض فالبارزاني ايقونة تختزل كلّ معاني الكوردستانية، فكلّ من أظهر عداءه للقضية الكوردية والقومية الكوردية وكوردستان، فعوض أن يصرّحوا بعدائهم للدولة الكوردية، أو عداوتهم لإدارة الكورد الذاتية لشؤونهم، أم محاولة القضاء على أي كيان كوردي ونصب العداء له، فعوض كلّ ما مرّ يقولون بأنهم أعداء للبارزاني! وكذلك البكك فعوض إبداء عداوتها اللدودة لمؤسسة كحكومة جنوب كوردستان، وعدم ارتياحها لإدارة هذه المؤسّسة من قبل غيرها فهي تخفي كلّ هذا بنصبها العداء للبارزاني والبارتي.
مشكلة البكك مع جميع الكورد
والحق أن المواقف العدائية للبكك تحمل في طيّاتها أهداف كهذه، فعداوتها للبارزاني ليست وفق معايير حقيقية، بل هي تخفي عداوتها لكوردستان تحت غطاء عداوتها للبارزاني، فالحق أن مشكلة البكك ليست مع البارتي والبارزاني، بل مشكلتها مع الكوردستانيين والشعب الكوردي والأمة الكوردية والوطنيين والقوميين المخلصين.
فالبكك ومنذ عام 1977 في صراع مستمر مع العشرات من التنظيمات الكوردية، فكان أول أنشطتها منذ إعلان تأسيس تنظيماتها ضد الكورد، وقد وجّهت أفواه بنادقها بداية تأسيسها نحو صدور الكورد لا الأعداء المحتلّين، بعدها حاربت ضد التنظيمات والحركات والأحزاب الكوردية في شمال كوردستان كجمعية الكورد الديمقراطيين الثوريين (DDKD)وحزب كاوا (Kawa) ومنظمة الأحرار القوميين الكوردستانيين (KUK)، وفي بداية الثمانينيات حملت البكك السلاح في غرب كوردستان ضد التنظيمات الكوردية هناك مثل تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني-سوريا (PDK-S) وقد رفعت من وتيرة حربها معها بداية تسعينيات القرن المنصرم، كما حاربت البكك ضد الأحزاب والتنظيمات الكوردية في شرق كوردستان، ففي أيار عام 2015 استشهد اثنان من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني-إيران (PDK-Î) على يد البكك كانوا متوجّهين لحدود شرق كوردستان، فالبكك تنظيم حارب الكورد في كافة أجزاء كوردستان الأربعة، فهي لم تحارب الأحزاب والتنظيمات الكوردية فقط، بل حاربت كلّ من انتقدها أيضاً وهي ما زالت تفعل!
البكك ترجمت حربها الإعلامية تجاه أحداث زينة ورتي لحرب مسلّحة في جمانكي
كما أشرنا سابقاً أن البكك هو الحزب الوحيد من بين جميع الأحزاب الكوردية التي حاربت ضد الكورد، فلو تساءلنا عن الجهة التي أدامت حربها لوقت طويل مع الشعب الكوردي فإن الإجابة بلا شكّ ستكون البكك! كذلك لو تساءلنا عن الحزب الكوردي الوحيد الذي نصب العداء وحارب كافة الأحزاب والتنظيمات والأطراف الكوردستانية فإننا سنسمع نفس الإجابة بلا شكّ! وهذا ليس بروباغندا أو إشاعات، بل هي حقائق تأريخية تم توثيقها بأحداثها بأدلة ووثائق تأريخية، فحتى لو أدّت البكك دور البراءة والوساطة في الحرب الكوردية الكوردية فإن الكوردي العاقل والفاهم يعرف جيداً أن الحقيقة ليست كذلك، وأن وراء الأحداث يكمن الكثير!
فقد ترجمت البكك حربها الإعلامية التي بدأتها منذ أحداث زينة ورتي إلى حرب مسلّحة في جمانكي، وعلى من يريد إطفاء لهيب الحرب أن يلمّ بثلاثة أشياء ويعرفها جيداً، أن من بدأ بهذه الحرب هي البكك، وأن أسباب حربها هذه هي أجندات خفية خبيثة ودنيئة، وأن محاولة إضعاف حكومة إقليم كوردستان خيانة قومية ووطنية.