ما زال إقليم جنوب كوردستان يتعرّض لسياسة الحصار الاقتصادي، وعملاً بهذه السياسة الممنهجة ضد كوردستان، قام البرلمان العراقي بإصدار قرار جديد فجر اليوم الخميس ضد شعب جنوب كوردستان، وذلك بعد مقاطعة الكتل الكوردستانية للجلسة، ووفق هذا القرار تمّ قطع موازنة إقليم جنوب كوردستان، فهم يرون أنه من الضروري أن تسلّم حكومة جنوب كوردستان كافة المنجزات والمكتسبات الاقتصادية للعراق! باختصار القول: تسليم جنوب كوردستان للعراق رسمياً وعلى كافة الأصعدة!
وقد حدثت جملة أحداث بارزة ومريبة قبل حادثة البرلمان اليوم، ولو تتبعنا خيوطها لاتضحت لنا الصورة من كافة الزوايا، ولفهمنا القضية بشكل أفضل، فقرار البرلمان العراقي اليوم ليس وليد الصدفة إطلاقاً، كما أنه ليس حادثاً عفوياً نمرّ عليه مرور الكرام! بل هو قرار صدر وفق أجندة وبمنهجية! فقبل أيام قال (إسماعيل بشيكجي) المتخصّص في علم الاجتماع والذي يُعتبر صديقاً للكورد، قال بأن هناك رائحة أجندات إقليمية تستهدف الكورد في المنطقة! فقرار البرلمان هذا إنما هو في الصميم من ضمن هذه الأجندات الإقليمية المستهدفة للشعب الكوردستاني في المنطقة، غير أن الأمرّ في هذا هو مشاركة بعض الكورد في تنفيذ هذه الأجندات وتحقيق مآربها الخبيثة!
فهناك مؤامرة إقليمية تستهدف اقتصاد إقليم جنوب كوردستان في المنطقة، وتهدف لخلق المشاكل والعراقيل الاقتصادية للإقليم، وقد بدأت بوادرها الأولية بالظهور لدى تفجير أنابيب النفط لإقليم جنوب كوردستان في الـ 28 من الشهر الفائت، في نصيبين بشمال كوردستان، وقد ألحق هذا التفجير الإرهابي خسائر مالية تقدّر بأكثر من 110 ملايين دولار أمريكي بإقليم جنوب كوردستان، وهذه الحادثة كانت ذات أبعاد خطيرة وتحوي علامات استفهام غريبة تشير إلى كونها حادثة لم تنفّذها البكك وحدها!
فالحادثة وقعت في الساعة 1 ظهراً، والموقع الذي استهدفت فيه أنابيب النفط كان منطقة سهلية مسطحة! ولم تنفّذ البكك في هذه المنطقة سوى عمليتين عدوانيتين خلال السنوات المنصرمة، إحداها كانت اغتيال مدني بتهمة التجسس، والثانية كانت إطلاق بعض العيارات النارية على سيارة عسكرية، بمعنى أن البكك لا تمتلك مجاميع قوية في منطقة ميردين باستطاعتها تنفيذ أنشطة وأعمال إرهابية كبيرة، وعملية تفجير أنابيب النفط تحتاج لقوة عظيمة والكثير الدعم والمستلزمات، فقبل كلّ شيء تحتاج لسيارات وآليات عمل، فتفجير هذه الأنابيب تحاج إلى حفر أكثر من 2م من الأرض ودفن المتفجرات فيها، أليس هذا موضع تساؤل واستغراب أن تقوم البكك وفي منتصف النهار وفي منطقة سهلية بنشاط إرهابي تخريبي بهذا الحجم؟! فممّا لا شك فيه أن هناك من عاون البكك في هذا العمل، فمن المتعاونون؟ لا ندري، هل لتركيا يد مباشر في هذا العمل، أم أنها أغفلت وشاحت بنظرها عن البكك لتقوم بهذه المهمة ولكن بمعرفتها الدقيقة!
باختصار، قرار البرلمان العراقي اليوم، وبهذه الجرأة لا بدّ أن هناك من يقف وراءه ودعمه من الأطراف الكوردية، وأن هناك من دعم البرلمان العراقي من برلمانيي الكورد في مسعاه هذا، أمثال سركوت شمس الدين وريبوار كريم وغالب محمد وأحمد حاجي رشيد وهشيار عبد الله، فهؤلاء الذين دخلوا قبة البرلمان بأصوات الكورد ومع هذا يحاربون كوردستان والكورد بأصواتهم! وفي الوقت نفسه، فالبرلمان العراقي يلاحظ ما تسبّبت به البكك لحكومة جنوب كوردستان غير أنه رغم هذا أصدر القرار المجحف بحق الشعب الكوردستاني، لذا لو قلنا للكورد المتعاونين مع إيران والعراق أو البكك بأنهم جحوش -مرتزقة- فهل هناك خطأ في هذه التسمية التي أطلقناها على من أيّد الأعداء المحتلين ودعمهم؟! فالتسمية ليس سبّاً وشتماً أو استهزاءاً واستهتاراً بهم، بل أصبحت مصطلحاً سياسياً واجتماعياً يُطلق على من يتعاون من الكورد مع أعدائهم ضد الكورد، والبكك وغيرها سواء أكانوا أطرافاً أو شخصيات وقفوا مع العراق في معاداة الشعب الكوردستاني، والحق أن هذه الممارسات هي ممارسات المرتزقة والجحوش لا غيرها!
وهناك نقطة أخرى أعطت مثل هذه الجرأة للبرلمان العراقي والبكك، تتمثّل في الانتخابات الأمريكية، فنظام الانتخابات الأمريكية معقّد كثيراً، واختيار الرئيس والحكومة الجديدة ليس بالأمر الهين، بل يحتاج لوقت طويل، وبالأخص في هذه الانتخابات ومواقف ترامب المتسبّبة بتأخير تشكيل الحكومة الأمريكية، وتفعيل مؤسّسات الدولة العظمى هذه، والجبهة الشيعية تحاول استغلال هذه الأوضاع وهذا التأخير والاستفادة منها قدر الإمكان، والحق أن الكلّ في الشرق الأوسط يحاول استغلال هذه الحالة شبه الفوضوية في المنطقة، وكلّ أعداء الكورد في المنطقة يحاولون الاستفادة من الوضع القائم والضغط على إقليم جنوب كوردستان الذي بات الحليف شبه الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة!
ولكن ليعلم الجميع أن حكومة إقليم جنوب كوردستان ليست مكتوفة اليدين، أو منعدمة الحلول أمامها، فالدولة العراقية التي تحارب الكورد منذ 88 سنة بشكل وحشي، ورغم هذا لم ينحني هذا الشعب أمامها أو عرف للاستسلام سبيلاً، غير أن كبرى المشاكل أمام الكورد والكوردستانيين هي أن هناك أطراف وشخصيات كوردية سلكت سبل الخيانة وسارت على نهج الارتزاق والتجحش، لهذا كثيراً ما نكرّر هذا المثل الكوردي المأثور بأنه (لا زوال للشجرة إلا بدودتها-يقابلها مثل “لا يفل الحديد إلا الحديد” في اللغة العربية-)، غير أن هذه المرّة مغايرة عن مثيلاتها إذ اجتمعت الكثير من الدود على هذه الشجرة هذه المرة!