في 22 أغسطس/آب، اندلعت اشتباكات خطيرة ومدمرة في السليمانية بإقليم كوردستان، حيث هاجمت قوات كوماندو التابعة لبافل طالباني، لاهور طالباني، الرئيس المشارك السابق للاتّحاد الوطني الكوردستاني وإخوته. واستيقظ مصيف سرجنار، مملكة السياحة ومركزها الفاخر في السليمانية على وقع دوي الدبابات والمدفعية.
السليمانية، مدينة الثقافة والمعرفة والفكر والشعر والأدب والموسيقى، جريحة اليوم…
تحاول الأوساط السياسية ووسائل الإعلام الموالية لبافل طالباني سبر أغوار ماضي لاهور جنكي وإخوته لتبرير هجوم بافل وعدوانه. يحاولون تبرئة ساحة بافل وتطهيرها بادّعاءات كـ “التآمر وهجمات المسيّرات” لإضفاء الشرعية على الهجوم والعدوان…
يحاول سياسيو روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا ووسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني بكك، الذين كانوا أصدقاء لاهور جنكي بالأمس، استغلال هذا الصراع بشكل لا أخلاقي على غرار آكلي الجيف، أعضاء حزب العمال الكوردستاني بكك الذين دوّخوا العالم بحديثهم عن “فاشية ودكتاتورية أردوغان” وبينما كانت لا تزال أجساد شباب السليمانية ملقاة على الأرض، أرسلوا صالح مسلم لزيارة بافل طالباني لتبريك فاشيته ودكتاتوريته في أحداث لاله زار.
ونظراً لتكميم وإسكات إعلام لاهور جنكي، فإن من يدافعون عنه ويحمونه هم قلة قليلة.
من كان على حقّ ومن انتصر؟
هناك صراعات لا يكون فيها أي من الطرفين على حقّ، لعدم وجود الأسباب الحقيقية للصراعات، سوى الرغبات والميول الشخصية ومصالح الأطراف. فلم يكن لا لاهور جنكي طالباني ولا بافل جلال طالباني على حقّ في هذا الصراع.
لأنّهما كانا شريكين. بين عامي 2021-2021، كانا يسيران جنباً إلى جنب، وظهر بافل طالباني على شاشات التلفاز وقال: “ضحّى لاهور بحياته من أجلي وجعل نفسه درعاً حيّاً لي في مواجهة الرصاص” وأرسل تحية عسكرية إلى لاهور. وحتّى عندما كانا صديقين وشريكين، لم يكونا صادقين مستقيمين مع بعض، ولم يقدّما أي نفع ومصلحة للأمة الكوردية والشعب الكوردي، بل كانا يتخوّفان من تعزيز وقوة إقليم كوردستان ويشعران وكأنه خطرٌ وتهديدٌ لهما، فكانا متعاونين متحالفين مع كلّ من أراد إضعاف الإدارة الكوردية في أربيل.
بمساندة أبناء العمّ هذين، تمّ تشكيل جبهة وتحالف مشترك مع الحشد الشعبي وحزب العمال الكوردستاني بكك ضدّ العاصمة أربيل. مثّل هذا التحالف النظام الشيعي في العراق وميليشياته على خط گرميان-السليمانية-كركوك-مخمور-الموصل وشنگال-سنجار. غرست هذه الجبهة الشيعية المتحالفة خنجرها المسموم في خاصرة الكورد أثناء استفتاء-ريفراندوم استقلال كوردستان. فباعوا كركوك قلب 50 مليون كوردي لإيران وقوات الحشد الشعبي.
عندما كان بافل جلال طالباني ولاهور جنكي طالباني صديقين مقرّبين، حاولا جعل الكورد جزءاً من الحشد الشعبي.
فعندما كانوا أصحاباً وأصدقاءً، كانا يتحرّكان على غرار عصابات المافيا ضدّ أربيل، واليوم يتقاتلان ويحاربان بعضهما البعض على غرار العصابات نفسها.
لم يستفد الكورد لا من صداقتهم وتحالفهم ولا من عداوتهم وتقاتلهم…
كان لبافل طالباني خاصية وميزة مهمة منذ بداية هذا الصراع وهذه الأحداث، إذ كان يحظى بدعم بنات إبراهيم أحمد (هيرو شاناز) ودعم إيراني قوي، فحاصر لاهور في زاوية ضيّقة، واغتال شخصيات بارزة أمثال آكام عمر، ومراد كاني كورديي، ونياز درگلیی وهاوكار جاف.
يسعى بافل طالباني الآن لأن يصبح “الرئيس” الأوحد للسليمانية. ويتعامل بافل وفق مبدأ الرئيس الأوحد بكلّ صلافة وتغطرس ضدّ الإدارة الكوردية في أربيل، وإن لم يستطع تحقيق ما يتمنّاه يلجأ إلى التهديد بالانفصال عن أربيل. بشخصيته النرجسية والمهووسة بجنون العظمة أصبح بافل طالباني أخطر من أي وقت مضى، سيُجبر الجميع على اتباعه ومولاته ومريديته، ولتحقيق هذا الهدف يحاول إقصاء خصومه وإزالتهم من الساحة. من ينتقده فقط دون أن يتحدّاه ويُنافسه سيُستهدف، بل حتى لو لم ينتقدوه فهم مستهدفون لمجرّد عدم ترديدهم شعار “عاش الرئيس بافل”، بمعنى، أن فترة انقلاب 21 آب في لاله زار لم تنتهِ بعد، وستستمر.
تُذكّرنا مشاهد وأحداث السليمانية بانقلاب 15 يوليو/ تموز المشبوه في تركيا. ففي تركيا، كان أنصار حزب العدالة والتنمية يعتقلون ويأسرون عناصر الجيش بذريعة الانقلاب؛ يجرّدوهم من ملابسهم ويضربونهم، بل وصل الأمر إلى قطع رؤوس بعض العساكر، بعد أيام، تواطأ أردوغان والقادة العسكريين وتحالفوا سرًا وهاجموا وداهموا منازل آخرين. قُتِل أطفالٌ بين الطرفين. ومنذ تلك الليلة، انقلبت الأمور في تركيا رأسًا على عقب. وفُرض جوٌّ من الخوف والرعب على الشعب، طأطأ الجميع رأسه وخضع أمام سلطة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
والأمر نفسه سيتكرّر في السليمانية. فإذا لم يتوصّل طرفي الصراع والسلطة إلى اتّفاق وفق سيناريو مشترك، فسيستمر الصراع وتستمرّ الاضطرابات، لكن الخاسر الحقيقي والأكبر سيكون أهالي السليمانية.
والآن، يلعب مثقّفو السليمانية دور القردة الثلاثة قائلين: “لم أرَ، لم أسمع، ولا أعرف”. يتحرّكون كالسفهاء المتغابين وكأنهم لم يروا الاشتباكات بالدبابات وسط مدينة السليمانية. وعلى غرار داعش والدولة التركية، كبّلت قوات الكوماندو لـ بافل أيدي شباب كورد من الخلف وألقتهم على الأرض، وأشهرت بهم وأهانتهم! ألم يرَ مثقّفو السليمانية هذه المشاهد التي حدثت أمام أنظارهم؟! بل لو لم تكن هذه المشاهد من السليمانية بل من منطقة بهدينان لعقد مثقّفو السليمانية مؤتمرات صحفية وتظاهرات على الفور وألقوا باللوم والتهمة على الحزب الديمقراطي الكوردستاني. بل حتى أن بعض هؤلاء “المثقفين” حاولوا اتّهام الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالوقوف وراء هذه الأحداث! المثقفون الذين يرتادون المقاهي والكافيات ويسيئون يومياً إلى أهالي بهدينان وأربيل ويصفونهم بالقبلية والتبعية ويصفون المخلصين للحزب الديمقراطي الكوردستاني بالعبودية والرقّ… أصبحوا في مواجهة هذه الحرب المافياوية في السليمانية، يجسّدون دور تلك القردة الثلاثة.
إنّ أكبر المتّهمين في ارتكاب كبرى جرائم الفاشية والقتل الممنهج والسري الذي مارسه حزب الاتّحاد الوطني الكوردستاني خلال السنوات العشر الأخيرة هم الصمّ البكم، وهم الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين وديمقراطيي السليمانية، والذين يغضّون الطرف عن هذه المافيا السياسية.
مثقّفو ومفكّرو السليمانية بتغافلهم وتجاهلهم هذا شركاء في هذه المافيا السياسية. وليعلم جيداً كلّ من أصبح اليوم صمّاً وبكماً أن الدور عليهم غداً وإن الغد لناظره لقريب…