قبل أيام، في آخر اتصال هاتفي بيني وبين العم المناضل والسياسي الكردي الاستاذ خالد مشايخ، الموجود حالياً في دار لرعاية المسنين في ألمانيا، كان هناك صوت يشوش علينا ويصرح بشكل منتظم ومتكرر، كأنه آلة تسجيل! استفسرت من العم خالد عن طبيعة الصوت الذي كان واضحاً أنه لسيدة عجوز؟ أجابني ضاحكاً: هذه امرأة مصابة بالزهايمر، تكرر تحية “هاي هتلر!” بشكل أوتوماتيكي، دون أن تشعر، كأنها ما تزال في مهرجان يخطب فيه زعيمها هتلر!
مناسبة ذكر هذه الحادثة القول: ما زال ضمن الألمان من يرى أن هتلر، رغم علله وكوراثه، زعيم عظيم!
كذلك من الروس، وربما من ضحايا ستالين، ما زال من ينظر إليه بأنه زعيم عظيم، لن يكرره التاريخ!
كذا الحال بالنسبة لكل نظام طاغوتي استبدادي غاشم كنظام الاسد أو صدام أو القذافي، ما زال هناك من ينظر إلى هؤلاء على انهم قادة الأمة، وفق ديباجة: صحيح انهم مستبدون، لكن يا أخي معارضاتهم أحقر منهم……الخ
حتى الآن قيادات حزب pkk والكثير من الموالين للحزب وأنصاره يرون أن حافظ الأسد كان صديق الشعب الكوردي لأنه كان يدعم الحزب وزعيمه اوجلان! بل يرى هؤلاء القذافي أيضاً قائداً عظيماً غدرت به الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، حين كنت أسألهم: كيف تعرفون أن القذافي عظيم؟! كانوا يجيبون: كان يدعم حزبنا وفتح لنا معسكراً في ليبيا! أوليس هذا سبب كافي لأن يكون القذافي زعيماً عظيماً؟
بيت القصيد.. إذا أراد المرء مغازلة جماعات استبدادية قمعية وفاشية، أسهل أسلوب متهافت مكولك ومبتذل؛ هو مقارنة تلك السلطة أو الجماعة مع سلطة أو جماعة أكثر سوءاً وبلطجة وقهراً، كأن يقول قائل: يا أخي، صحيح أن سلطة PKK تسببت في دمار واحتلال مدن عفرين، رأس العين وتل ابيض، من قبل تركيا ومرتزقتها الإرهابيين، بس سلطة PKK أفضل من القاعدة والنصرة وداعش؟!
أكثر من ذلك، يذهب الغباء والدجل بالبعض مذهب من يرفض أن تكون سوريا سويسرا، وأنه لا يجوز مطالبة سلطة PKK بالأفضل لطالما هناك سلطات أسوأ وأحقر وأكثر فاشية في المنطقة من سلطة هذا الحزب “التنويري” التدويري التدميري! ليس هذا فحسب، بل يحاول أصحاب هذا الغزل المتهافت، وأيضا بطرائق متهافتة، إلباس غزلهم لبوس المنطق والعقلانية والاخلاق!
هكذا يتم تجريف العقول، وتطويب اللامعقول محل المعقول، يتم تصدير الجهالة والتهافت والانحيازات الخفية على أنها مواقف موضوعية حيادية عقلانية وأخلاقية، هكذا يتم تكريس وترسيخ السلطات الفاشلة والقامعة بحجة انعدام البديل، أو أن البديل هو القاعدة والنصرة وداعش! إنها هي هي، نفس طريقة نظام الأسد في تصدير نفسه للعالم: أنا او الإرهاب التكفيري!