رجل عبد الله أوجلان الغامض!
لو كان كورديّاً أو من أصول كورديّة، لكان أوجلان اقترح تسليمه قيادة الحزب، لثقتهِ به أكثر من ثقته بجميل بايك، كمية الانتقادات التي وجهها أوجلان لقيادات حزبه ورفاقه الآخرين، هي أضعاف أضعاف التي وجهها أوجلان له، وتكاد انتقادات أوجلان له أن تكون شبه معدومة، حملات الاعتقال التي طالت قيادات الحزب في سنوات 1979-1981، طالت الكثيرين من قيادات الحزب، حتى جميل بايك، اعتقل وأفرج عنه بشكل غامض (وهذه حكاية سأردها لاحقاً)، لكنه لم يتم اعتقاله، خرج من تركيا صيف 1979، بينما بقي هو، وخرج منها بشكل آمن، والتحق بأوجلان في دمشق ولبنان، حضر المؤتمر الثاني للحزب سنة 1982، يمكن اعتباره أحد أبزر مؤسسي دكتاتوريّة أوجلان في الحزب، وأحد أبرز مساعديه في الاستيلاء عليه منذ 1982، المعلومات التي لدي لا تشير إلى أنه أصيب في المعارك، أو أنه لم يكن في الخطوط الأماميّة، بل غالباً ما كان في الخطوط الخلفيّة.
حضر المؤتمر التأسيسي للحزب في قرية فيس يوم 27/11/1978، وانتخب عضواً في اللجنة المركزية، وكان إلى جانب كسيرة يلدرم يعملان تحت إدارة مظلوم دوغان في إصدار جريدة الحزب المركزية (سرخوبون)، بعد اغتيال محمد قره سونغر من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني يوم 1 مايو 1983، استلم الملف العسكري للحزب، منذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة هو القائد الخفي للجناح العسكري للعمال الكوردستاني، يعني، باهوز أردال ونورالدين صوفي اللذان قاتلا أكثر منه، كانا وما زالا مجرد واجهة وديكور في رئاسة قوات الدفاع الشعبي الكوردستاني (HPG) بينما هو القائد الفعلي للجناح العسكري، استلم مسؤولية ملف الإعلام في الحزب بين سنوات 2000 ولغاية 2005، لحين استلام مصطفى قارا سو هذا الملف، إلى يومنا هذا.
أثناء زيارتي لجبال قنديل صيف 2007، التقيت به من ضمن اللذين التقيت بهم في جبال قنديل، دار بيننا حديث طويل عريض، مع وجود مجموعة من المقاتلين، ومترجم من التركية إلى الكردية وبالعكس، استمر النقاش على جولتين لأكثر من 3 ساعات، قال لي بما معناه: “الرفيق هوشنك، لو كنتَ تجيدُ التركيّة، أو أجيدُ أنا الكرديّة، لكان الحوار الذي دار بيننا يستحق أن ينشر في كتاب” كان يودّ الإشادة بما دار بيننا والأفكار التي تناولناها في النقاش الذي أخذ منحاً سجاليّاً.
أجبته، بما معناه، وقلت للرفيق المترجم أن يوصل الفكرة بأمانة له: “الحق عليك. أنا من الصعب عليّ تعلّم التركيّة، لكنك ومنذ أكثر من 30 سنة ضمن حزب يقاتل من أجل حقوق الكورد، لكنك لم تجبر وتلزم نفسك بأن تتعلّم الكرديّة! والحق على الحزب الكوردي الذي لم يلزمك بتعلّم لغة شعب، يفترض أنك تناضل وتقاتل من أجله، ومستعد لبذل روحك في سبيل نيل هذا الشعب حقوقه! المشكلة لديك ولدى الحزب!” تفاجأ من كانوا معي من إجابتي النقديّة الحادّة له، وانزعج البعض، وفرح البعض الآخر، بتلك الإجابة.
إنه دوران كالكان، الاسم الحركي (عباس) أحد مؤسسي العمال الكوردستاني البكك، وذراع أوجلان اليسرى، إلى جانب جميل بايك (ذراع أوجلان اليمنى) في سحق المعارضين، هذا الرجل الغامض الذي اتهمه الكثير من المنشقين عن الحزب بأنه إلى جانب جميل بايك، أنهما شكلا مع أوجلان “مثلث برمودا” القمعي، في تجربة العمال الكوردستاني.
ولد سنة1954 في “طوفانبيلي” التابعة لمحافظة أضنة، من أصل تركي، أثناء دراسته الجامعية في أنقرة، تعرّف على أوجلان سنة 1975، قام بأنشطة تنظيمية في بعض محافظات كوردستان قبيل الإعلان عن الحزب.
شارك في المؤتمر التأسيسي له في نوفمبر 1978 (وقتها لم يكن هناك اسم للحزب) كذلك حضر الاجتماع الذي عقد في أورفة في نوفمبر 1979، وفيه تم اختيار واعتماد اسم “حزب العمال الكوردستاني (PKK)” كما اتخذ قرار أن يكون هناك قوة عسكرية تابعة للحزب، أعتقد أن أوجلان لم يحضر ذلك الاجتماع بسبب هروبه إلى سوريا صيف عام 1979.
اعتقال مظلوم دوغان ورفاقه
بعد اجتماع اللجنة المركزية في أورفا، أخفى دوران كالكان، دون علم رفاقه؛ قرارات الاجتماع ومنشورات الحزب في السيارة التي تقلّ (مظلوم دوغان، وآيسال غورك كايا، ويلدرم مركيت) من دون أن يخبر أحدا بذلك، بينما السيارة التي ركبها دوران كالكان في المقدمة، والسيارة التي ركبها مظلوم دوغان ومن معه تتبعها، وكان المتّفق أنه في حال حدوث أي خطر أو شك يجب أن تشير سيارة كالكان إلى سيارة مظلوم دوغان التي تتبعهم، على طريق ماردين أورفا السريع، تواجدت سيارة شرطة المرور، مرّت سيارة كالكان بتلك الدورية دون إعطاء أي تنبيه أو إشارة إلى سيارة مظلوم دوغان كما كان متفقاً، أوقفت الدورية سيارة مظلوم دوغان، وتم تفتيشها وعثرت الشرطة على الوثائق، وألقي القبض عليه ومَن معه في 27 نوفمبر 1979، وأودع دوغان ورفاقه السجن، نتيجة الوثائق التي عثروا عليها في سيارتهم.
حادثة الهروب الفاشلة
سنة 1996، وحين كنتُ ناشطاً مدنيّاً ضمن تنظيمات العمال الكوردستاني في الدرباسية، ترأس منظمة الحزب في “الدرباسية، رأس العين، تل تمر” والقرى المحيطة بها، قيادي كوردي تركي، ما زال موجوداً ضمن العمال الكوردستاني اسمه (خالد قايمقمام) -انتسب للحزب سنة 1980 اعتقله الإسرائيليون سنة 1982، إبان غزو لبنان وتم الافراج عنه- في صيف 1996، أقام الحزب دورة توجيه وتدريب سياسي وآيديولوجي في قرية “عبدو سلامة” التابعة لريف رأس العين، إن لم تخني الذاكرة، كانت الدورة التدريبّة في بيت أبو الشهيد أدريس، كنت ضمن تلك الدورة وكان عمري وقتذاك 20 سنة، عقب محاضرة عن تاريخ الحزب ألقاها مسؤولنا خالد قايمقام، وفي دردشة جانبيّة معه أثناء الاستراحة، سألته: ألم يقم الحزب بأية محاولة لتهريب مظلوم دوغان من السجن؟ أجابني، خالد؛ بلى، وتحدّث عن بعض التفاصيل، وذكر اسم عباس (كالكان) على أنه كان المكلف بتهريبه! لكن المحاولة فشلت!
بعد كل تلك السنوات 1996-2020، نسيت تلك المعلومة العابرة، لكنني عثرت على تفاصيلها، قبل أيّام، في موقع القيادي المنشق عن العمال الكوردستاني (سليم جوروكايا) وخلاصة ما ذكره جوروكايا:
(خطط مظلوم دوغان للهروب من السجن قبل الانقلاب العسكري في 12 أيلول 1982، وراسل الحزب بهذه الخصوص، وبحسب خطته، سيدخل دوغان أحد صناديق القمامة التي تنقل من السجن مرة واحدة كل الأسبوع، وتوضع عليه القمامة والأقمشة، تخرج الشاحنة من باب ماردين (أحد أبواب ئامد) وتفرغ في مكب للنفايات قريباً من ضفة نهر دجلة، في هذه المرحلة، كان يفترض أن يكون دوران كالكان هناك برفقة شخصين، لمساعدته وانقاذه، قام كالكان بتكليف (شكري جيجاك وعاكف يلماز -اعتقل وفقد حياته في الاضراب عن الطعام سنة 1982-) اللذين ذهبا شخصيًا إلى المكان، ولم يتمكنا من اختطاف دوغان لأسباب خارج إرادتهما، وذلك أن الجنود الذين أفرغوا صناديق القمامة، لاحظوا وجود مظلوم دوغان، أمسكوا به وأعادوه إلى السجن.
طبعاً، اعتقل عاكف يلماز ورفيقه أيضاً
يقول جوروكايا: شعر عاكف يلماز وشكري جيجيك بالندم لعدم إنقاذهما مظلوم حتى اليوم الذي أطلقا فيه أنفاسهما الأخيرة في السجن، ومن غير المعروف ما إذا كان دوران كالكان يشعر بالندم؟! ومن غير المعروف ما إذا كان كالكان اخضع للتحقيق لأنه تسبب في اعتقال مظلوم دوغان، وفي فشل مهمة اختطافه من السجن؟!
بعد انتقاله إلى سوريا، يظهر كالكان على أنه أقرب المقرّبين من أوجلان، كان بمثابة مرافقه الشخصي، أو سكرتيره الذي يحدد له مواعيده، وعليه، كالكان هو أحد مؤسسي دكتاتورية أوجلان داخل الحزب، -والكلام لجوروكايا ويضيف أيضاً-: “في الواقع، دوران كالكان لغز، لا أحد يعرف من هو؟ من أين أتى؟ ومن هما والديه؟ وما إذا كان لديه أشقاء أم لا؟!
سنة 1983، أرسل من دمشق إلى جنوب كوردستان (منطقة لولان-جبال قنديل) فتح تحقيقات مع قيادات كثيرة هناك، ونفذ في حقهم حكم الإعدام، لاحقاً أرسله أوجلان إلى أوروبا، وأشرف على العديد من الإعدامات بحق معارضي أوجلان، منهم محمود بلغيلي، الذي قتل في هولندا، وقطّعت جثّته ووضعت في أكياس وألقيت في قنوات الصرف الصحّي!
أثناء محاولته إعدام عضوي اللجنة المركزيّة في الحزب (علي تشيتينر وأديب) في مزرعة لونغو مايي (Longo Mayi) في جبال الألب في فرنسا، ألقي القبض على كالكان في المزرعة (كان الحزب يتخذها كمخبأ سرّي أو شبه معسكر في فرنسا). وعقب هروب علي تشتينر من المزرعة، ثم إلى السويد، وتقديم شكوى للبوليس السويدي، ثم الألماني، ضد العمال الكوردستاني، ألقي القبض على دوران كالكان ومن معه وسجنهم، إعلام الحزب ومناصريه، فسّروا الحدث على أن الإمبريالية الألمانية تحاكم ظلماً وعدواناً المناضل الثوري الأممي دوران كالكان، وقتذاك، كان جميل الأسد، شقيق حافظ الأسد، أحد محامي الدفاع عن دوران كالكان وعلي حيدر قيطان المعتقلين في ألمانيا! نشرت مجلة الحزب “صوت كوردستان” في منتصف التسعينيات، مقالاً لجميل الأسد حول ترافعه على كالكان وحيدر قيطان.
بعد إطلاق سراحهما منتصف التسعينات، عادا إلى دمشق، واحتفى بهما أوجلان، أيما احتفاء، ثم أرسلهما إلى مناطق جبال قنديل، كان كالكان وقتذاك يشرف على التحقيقات وانتزاع الاعترافات من بعض مقاتلي الحزب، المعتقلين هناك.
منذ خروجه من تركيا سنة 1980، لم تطأ قدمه أرضها، ولم يدخل في أي اشتباك مسلح مع الجيش التركي، يتم تقديمه داخل الحزب على انه المفكّر والمثقف العقائدي الآيديولوجي العميق الواسع الاطلاع!
دوران كالكان، الرجل اللغز، الرجل الغامض، الصندوق الأسود، الهادئ والدموي! أثناء تواجده في غرب كوردستان (روجافا) كان من ضمن الذين اخضعوا مظلوم عبدي وغيره للتحقيق والتهديد أيضاً، هذا الرجل يتحكّم الآن بمصير كورد غرب كوردستان، ويحاول التأثير على مصير كورد جنوب كوردستان، بعد أن فعل ما فعله في تركيا وأوروبا، ومن غير المعروف إن كان أوجلان يتحكّم به، أم هو من يتحكّم بأوجلان وحزبه؟! هذا الرجل، سيتهافت المحازبون في الدفاع عنه، بشكل رخيص ومبتذل، على أنه أممي…!! وأن هذه الأسطر تشويه لصورته، وأنها حرب خاصة… إلى آخر تلك الصفاقات والشعارات والخرافات والأوهام… المبتذلة، من دون إخضاع هذه الأسطر للتفكير والمراجعة والتبصّر.