حادث اغتيال هاوكار جاف لم يكن حادثاً عرضياً، بل كان جريمة إرهابية ينبغي تقييمها من كافة الجوانب لشعب إقليم كوردستان، ولا ينبغي بأيّ شكل من الأشكال تجاهله أو رؤيته كحادث طبيعي واعتيادي، فالحادث بحدّ ذاته هو ذروة الأحداث، وينطوي على أبشع السمات والخصائص القذرة والمنبوذة من قبل المجتمع الكوردي: الخيانة، الغدر، الإرهاب وعداء البعض…
إعادة تصميم وصياغة الاتّحاد الوطني الكوردستاني
الأحداث التي بدأت عام 2020 والمعروفة بأحداث تموز/ يوليو، كحادث اغتيال هاوكار جاف وأحداث الاغتيالات التي طاردت أرواح الكثيرين، فإذا عدنا إلى الوراء مرة أخرى، بعد عام 2012، بدأ تحوّلات وتغييرات تعصف داخل الاتّحاد الوطني، بعد ذلك التاريخ، ومع مرض مام جلال، بدأ الاتّحاد الوطني يعاني تصدّعاً من وحدته وتماسكه التنظيمي ويفقدها بشكل تدريجي، وبدأت إيران في تأسيس وتشكيل مجموعة قيادية رئاسية للاتّحاد الوطني، ومن يتابع عالم السياسة عن كثب يعرف جيداً أنه بعد عام 2012، بدأت إيران تتحرّك وفق احتمال تفكّك الاتّحاد الوطني بدون مام جلال. وتوقّعت إيران أن يمهّد الاتّحاد الهشّ والضعيف الطريق أمام حزب ديمقراطي كبير وعظيم وازدياد نفوذه وتأثيره في السليمانية، فبدأت في صياغة وتصميم الاتّحاد الوطني من جديد، وفي الجانب الآخر، حاولت نشر حزب العمال الكوردستاني بكك وتمركزه في المنطقة وبناء جبهة موحّدة في مواجهة الحزب الديمقراطي الكوردستاني. آنذاك، كان لاهور شيخ جنكي اسمًا يظهر في الواجهة السياسية.
لم تقبل عائلة إبراهيم أحمد، والد زوجة جلال الطالباني، بهذا الوضع، وبدأت بعملية تصفية لاهور جنكي. برزت معالم عملية وتحوّل وحشي لا يعرف معنى للرحمة وعاش الشعب جحيمها هناك، تمّ إبعاد لاهور جنكي ورفاقه المقربين وزمرته من سدّة الحكم وعرش السلطة في الاتّحاد، تسبب هذا النهج الفردي الذي اتّبعه الاتّحاد الوطني في استياء العديد من كوادر الحزب وعلى وجه الخصوص القدامى منهم ومؤسّسي الحزب، وبدأت الانشقاقات التنظيمية تعصف بالحزب من جميع الجوانب وتمزّقه، وكان من بين هؤلاء الكوادر العقيد هاوكار جاف.
هاوكار جاف، البالغ من العمر 41 عامًا، خدم في الاتّحاد الوطني الكردستاني لمدة 20 عامًا في مناصب بارزة ومستويات متقدمة، كان يعمل في المؤسّسة المعلوماتية (ده زكاي زانياري) جهاز الاستخبارات التابع لحزب الاتّحاد الوطني، خلال فترة الصراع والخلافات هذه انشقّ عن صفوف الاتّحاد الوطني الكوردستاني وغادر محافظة السليمانية واستقر في العاصمة أربيل، واغتيل في حادث تفجير سيارته بينما كان هو وابنتاه الصغيرتان بداخلها.
ألقت القوات الأمنية في أربيل (الآسايش) القبض على منفّذي تفجير سيارة هوكار جاف. واعترف المعتقلون بالتهم الموجّهة إليهم، واعترفوا بأنهم تلقّوا أوامر من المدعو (وهاب حلبجي) وهو رئيس جهاز مكافحة الإرهاب للاتّحاد الوطني في السليمانية، وحكم على القاتلين بالسجن مدى الحياة. واحتجّ الاتّحاد الوطني الكوردستاني واعترض وأبدى استياءه تجاه هذا الوضع بحيث وصل الأمر به إلى الانسحاب من حكومة إقليم كوردستان!
ولأنه لو لم تتّخذ إدارة وسلطات أربيل موقفاً حازماً ضدّ حادث مقتل هاوكار جاف لزادت عمليات القتل والاغتيالات والتصفيات الداخلية، فالتشهير بالقتلة والحكم الصادر بحقّهم أوقف الاتحاد الوطني في حدوده، وإلّا فإن اصطياد المخالفين وتصفية المعارضين والمنشقين لاستمرت وتصاعدت وتيرتها داخل الاتّحاد.
بذل الاتّحاد الوطني جهوداً حثيثة وجادة لتطهير ساحة وهاب حلبجيي وتبرئته، فحاولوا إرسال وهاب حلبجيي إلى روجآفا كوردستان وتصويره على أنه وطني مخلص، زيّفوا الكثير من الحقائق وحرّفوها من أجل تحسين صورته أمام أنظار الشعب وإظهاره بمظهر البيشمركة الأبطال، لكنّ الحقيقة بقيت كما هي أن وهاب حلبجيي هو أحد الأشخاص الرئيسيين في فريق وعصابة بافل طالباني، وهو قاتل. والآن أولئك الذين يحمون القتلة ويمجّدونهم، ومن يفجّرون سيارات يستقلّها أطفال بريئين لمجرّد القضاء على مخالفيهم والمنشقين عنهم… ها هم اليوم يطلقون وعودات خلال هذه الانتخابات بأنهم سيجلبون الديمقراطية إلى كوردستان! من يغتالون رفاق دربهم لو وصلوا إلى سدّة الحكم فماذا تنتظروا منهم أن يفعلوا؟! وماذا سيفعلون بالناس الأبرياء والبائسين؟! لم يتمكن بافل طالباني وفريقه من بناء نظام جيد في حزبهم الصغير. ولا توجد بينهم مؤسّسة ديمقراطية. شخص واحد فقط ربط بنفسه آلية-الميكانزما المالية والأمنية والصحفية للاتّحاد الوطني… من لا يسجد ولا يركع له لا يستطيع دخول هذه المؤسّسات خطوة واحدة. أصبح الاتّحاد الوطني بأكمله نظامًا دكتاتوريًا. مثل هذا النظام يفرض الدكتاتورية على الشعب. لا يمكن لأصحاب الحرف والشركات وريادة الأعمال غير المنتمين وغير الأعضاء في الاتّحاد الوطني من ريادة أعمالهم وإدارتها أو فتح محلات أو شركات في السليمانية. يتم نهب وسلب وسرقة كافة إيرادات محافظة السليمانية.
في ظلّ هذه اللوحة العاتمة والمظلمة والمخيفة… يتوعّد بافل طالباني في حملته الانتخابية وتجمّعات حزبه أنه يريد تحويل كوردستان إلى نظام حديث وديمقراطي معاصر!
يوم أمس في السليمانية، نشر الناس صوراً لهاوكار جاف في بعض المناطق. وقال شقيقه محمد جاف: “لن نسمح بغلق هذه القضية، وإذا لزم الأمر، سنرفع هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية وندين بافل الطالباني وعصابته” وتقول العديد من الأطراف والأحزاب وكذلك النشطاء بأن الشعب سيعاقب وسيردّ على بافل طالباني من حلال صناديق الاقتراع.