الفئران لا تلد غزلاناً برية!
من الواضح أن جنرالنا (مظلوم عبدي) يحدو شيئاً فشيئاً وينحرف عن السبيل القويم والسليم الذي اختاره مؤخّراً، بل باستطاعتنا القول إنه بات يعود لظلّ البكك ويقع تحت تأثيراتها المباشرة ويلتزم بتعليماتها، وهذا يا يثبت أن ضغوطات قادة أنقرة وبالأخص جميل بايك أثّرت على غرب كوردستان عامة، وعلى شخصية مظلوم عبدي خاصة، مما أجبر مظلوم على رفع الراية البيضاء والاستسلام وعدم قدرته على الثبات على مواقفه أمام هذه الضغوطات، وهذا ما اضطره لإصدار تصاريح تخالف تطلّعاته وتعاكس إرادته.
بعد أن أثنى مظلوم عبدي كثيراً على الزعيم الكوردي مسعود البارزاني للإعلام المحلي والعالمي، وشكره على جهوده ومواقفه ومواقف كبار قادة إقليم جنوب كوردستان، وأثنى عليهم وثمّن هذه المواقف لتضامنهم وتعاونهم اللامحدود لغرب كوردستان، وبعدما خطا مظلوم عبدي كقائد عام لقوات سوريا الديمقراطية خطوات جيدة تجاه قضية جمع شمل الكورد وبناء وحدة الصف الكوردي وتجاه الاتفاقية المبرمة بين الإتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي في سوريا، ولم يأبه لتحذيرات قنديل وتهديداته ولم يمتثل لها رغم هذه الضغوطات، وبعدما تمّ تحذيره كثيراً من قبل جماعة أنقرة القادة في قنديل من التقرّب لإدارة جنوب كوردستان يبدو أن مظلوم تأثّر أخيراً بهذه الضغوطات، ويحاول خلق توازن بين تصريحاته على كلّ من الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- وحزب العمال الكوردستاني -البكك-!
ممّا لا شكّ فيه أن الأحداث الأخيرة في جنوب كوردستان خلال الأشهر الأخيرة، لها علاقة مباشرة وحيوية مع مجرى مفاوضات وحدة الصف الكوردي بين القوى الكوردية في غرب كوردستان وكذلك الاتفاقية المبرمة بين الحكومة الفدرالية وحكومة جنوب كوردستان بشأن تطبيع الأوضاع في شنكال، فتعادي البكك وتحارب حكومة جنوب كوردستان بهدف خلق الفوضى وممارسة الأعمال الاستفزازية ضدّها للوقوف أمام تحقيق هذه الاتفاقات وتنفيذها واكتمالها لمشروع الهلال الشيعي أو ما تسميه إيران بمحور المقاومة، وللحفاظ على مصالحها الحزبية الضّيقة هذا من جانب، ومن جانب آخر لتغطية اخفاقاتها وهزائمها العسكرية وانسحابها وتراجعها أمام الدولة التركية في جنوب كوردستان، وسترها عن أنظار الشعب الكوردي.
لماذا تقف البكك ضد اتفاقية وحدة الصف الكوردي في غرب كوردستان؟!
لأن هذه الاتفاقية بين القوى الكوردية في غرب كوردستان ستحدث تغييرات تأريخية جذرية في أسلوب الإدارة ومبادئها في الغرب، مثلما حصل في جنوب كوردستان بين الديمقراطي والإتحاد الوطني الكوردستانيين، إثر اتفاقية واشنطن عام 1998، وكذلك سيكون الحال بالنسبة لغرب كوردستان، وهذا بحدّ ذاته ما ليس في مصلحة مجموعة أنقرة وقادة البكك ولا تحقّق لهم أية مصالح شخصية أو حزبية ضيّقة.
فخلال حوار أجرته فضائية البكك (Sterk) في الـ 7 من آب مع قيادي البكك جميل بايك، ومع أنه لا يظهر كثيراً على شاشات التلفاز وأمام وسائل الإعلام غير أنه عندما يظهر يبثّ سمومه بطريقة لا توصف! فعدا قوات المحتل فهو يهاجم أكثر على القوى الكوردستانية، متحدّثاً بكلام فارغ غير واقعي أو حقيقي موعّداً ومهدّداً (AKP-MHP) وفاشية الحكومة التركية، غير أنه لم يتطرّق بأي شكل للدولة التركية، كما أنه هاجم شخصية مظلوم عبدي بطريقة غير مباشرة.
فبداية شنّ بايك هجمته على غرب كوردستان قائلاً بأنه لو ينبغي عليكم أن تشكروا أحداً فاشكروا الرئيس آبو! وكان بايك يقصد بقوله هذا شاهين جيلو عندما قدّم شكره للزعيم مسعود بارزاني، وما يغضب البكك ويضنكها وجميل بايك وقادتها الآخرين هو أنهم يحاولون التقليل من قيمة جنوب كوردستان ما بين الكورد وتشويه صورتها أمام أنظارهم، وتزامن مع هذا تقديم إدارة غرب كوردستان شكرها وامتنانها للبارتي والبارزاني لتضامنهم وتعاونهم معهم في أحلك الظروف وأشدّها، وهذا ما أثار غضب بايك وحنقه ما أطلق تهديدات عنيفة لشاهين جيلو والصراخ بوجهه.
والموضوع الأساس والذي أغضب بايك هو مدى التقارب الحاصل بين جنوب كوردستان وغربها، فيا ترى لماذا؟ وذلك لأن جميل بايك يرى بأن كوردستان ليست إلا البكك! وما لا تملكه البكك فليس بكوردستان، لأن البكك أكبر من كوردستان بنظر بايك وأمثاله!
بعد هذا التصريح لبايك، توالت التصاريح من بايك نفسه وباقي كبار قادة البكك ضد مظلوم عبدي، وضيّقوا الخناق عليه بحيث وصل الأمر بأن تطالب البكك بإبعاد عبدي من منصبه وتسنيم المنصب لغيره من أتباعها، غير أن البكك علمت جيداً أن أمريكا لن تسمح لشيءٍ كهذا بالحدوث وبالأخص في هذه الفترة، غير أن تهديدات وتحذيرات كبار قادة البكك لعبدي تواصلت، ولم تنته محاربتهم وعداوتهم له.
استفزازات البكك ضد جنوب كوردستان وموقف مظلوم عبدي
كما هو معروف، أن ممارسات البكك الاستفزازية بدأت منذ أحداث (زيني ورتي) وهي مستمرّة لغاية الآن، ولا يمرّ يوم دون أن تفتعل مشكلة أو تقوم بعمل استفزازي في الجنوب، وكما يقول أهل الجنوب بأن البكك تبيع قبعتها من أجل شراء حرب وافتعالها، فأقامت البكك القيامة على رأس حكومة جنوب كوردستان بشأن زيني ورتي وأحداثها، بعدها قامت باغتيال مدير آسايش معبر سرزير الحدودي، من ثمّ قامت بتفجير أنبوب تصدير نفط جنوب كوردستان والذي يعتبر مصدر قوت الشعب الكوردي الوحيد، كما قام مسلّحوها بزرع المتفجرات على طريق قوات بيشمركة كوردستان في ناحية جمانكي ما أسفر عن استشهاد أحدهم وجرح ثلاثة آخرين، غير أن جنرالنا كان صامتاً لا يُسمع له صوت أبداً! سوى ما صرّح به للصحافة والإعلام بأنهم سيلتزمون الحياد بصدد الأحداث التي تجري بين البكك والبارتي في جنوب كوردستان، والسكوت عنها! علماً أن مظلوم عبدي يدرك جيداً أنه لا توجد أية مشاكل بين البكك والبارتي، بل هي حاصلة بين البكك وحكومة جنوب كوردستان وشعب الجنوب، وأن البكك هي المتسبّبة لهذه المشاكل والمآزق، غير أنه رغم معرفته هذه أظهر وكأنها مشاكل بين البكك والبارتي لتجنب مهاجمة قادة البكك من جماعة أنقرة، غير أنه وبعد اعتداءات مسلّحي البكك على بيشمركة كوردستان في العمادية، واستشهاد أحد عناصر بيشمركة كوردستان، نشر مظلوم عبدي على حسابه على تويتر: هجمات واعتداءات الديمقراطي الكوردستاني على مسلّحي البكك في مدينة العمادية محل خزي وعار!! فهنا نتساءل من البادي بالهجوم على الآخر؟! هل كان جنرالنا نائماً أم مغمض العينين لا يدرك عمّا جرى حوله في الواقع؟! الإجابة هي كلّا بالتأكيد، فهو يعرف حقيقة ما يجري على الأرض، ويعلم حقيقة مجرى الأحداث غير أنه يحاول الحفاظ على تقاربه وعلاقاته المقرّبة من البكك وقادتها!
الهجمات والاعتداءات على مقار ومكاتب المجلس الوطني الكوردي في سوريا
عدا الأعمال والممارسات الاستفزازية للبكك في جنوب كوردستان، فقد دأبت البكك على ممارسة أنشطة معادية للأحزاب الكوردستانية في غرب كوردستان، وبادئ الأمر بدأت هذه الأنشطة عن طريق تصريحات كوادرها الواقعين تحت تأثيرات قنديل المباشرة، فدائماً ما كانت مكاتب ومقار المجلس الوطني تتعرّض لاعتداءات وهجمات من قبلهم، بعدها ينشرون تصريحات مغايرة لمجرى سير الأحداث تماماً، ويتحدّثون عن عدم نفع المفاوضات والمباحثات وأنها غير مثمرة، بعدها قاموا باعتداءات وهجمات على مقار المجلس الوطني الكوردي وحرق مقاره في كلّ من الدرباسية وعامودا، وإطلاق الرصاص عليه وبالأخص خلال الأسبوع المنصرم، وكانت هذه الأحداث تحدث أمام أنظار جنرالنا مظلوم عبدي غير أنه وبحذر شديد لئلا يغضب البكك ويتّهمها -علماً أنه يعلم علم اليقين أن البكك متهمة وهي الفاعلة- فنشر وبشكل عادي وكأن شيئاً لم يحدث على حسابه على تويتر قائلاً: لا يحق لأحد مهاجمة مقار المجلس الوطني الكوردي في سوريا أو أية أحزاب سياسية أخرى في غرب كوردستان أو الاعتداء عليها! إذ يعلم جيداً أنه لو أخطأ بحرف واحد بحقّ من قام بممارسة هذه الأعمال التخريبية أو الجهة التي تقف وراءها فقد تكون هذه نهايته المحتومة سواءٌ بالاغتيال أو ما شابه، فالمفروض أنه كان عليه إدانة هذه الأحداث واستنكارها بأشد عبارات الاستنكار والاستهجان والتوعّد بمعاقبة الفاعلين وخاصة أنها حدثت ضمن حدود سلطاته وفي نطاقها! لا أن يأتي على أحداث الجنوب البعيدة عنه والخارجة عن حدود سلطانه ويزيّف حقيقتها عن علم ومعرفة! إذ أن الكلّ يعلم حقيقة ما جرى هناك، ومن الذي يُفترض أن يُدان ويستنكر عليه!!
والحق أن حديثنا القديم وقبل مدة طويلة من حدوث هذه الأشياء أصبح حقيقة وصواباً، فأي تحليل أو دراسة تعطي مظلوم كوباني أكثر من قيمته وثمنه، وتقول بأنه تحرّر من تأثيرات البكك وخرج من أطرها فهي دراسة خاطئة وتحليل مجافي للحقيقة والواقع، فقد تربّى وتثقّف مظلوم وارتقى في صفوف تنظيمات البكك، وبلغ ما بلغه ووصل إليه بطريق عملي وبتسخير ممارساته وسياساته البككية، فقد كان لمظلوم كوباني دوراً رئيسياً وجوهرياً في إخراج المجلس الوطني الكوردي وكافة الأحزاب الكوردستانية غير الموالية للبكك من غرب كوردستان، ما بين أعوام 2011-2014 إبان أحداث غرب كوردستان، فـ”مظلوم عبدي “شاهين جيلو” ليس ملاكاً، وبالأخص أنه أكل كسرة خبز مع البكك، والكلّ يعلم هذا.
والحق أنه كما أن الفئران والجرذان لا تلد غزلاناً برية تسرح وتمرح وتشعر بالحرية على أعالي جبال كوردستان، فكذلك البكك من المستحيل أن تلد أحراراً أبطالاً وطنيين ومخلصين!