سرّي – الرأي العام في السليمانية بين صحوة الـ PKK وسبات الـ PUK

في عصرنا الحالي، وتزامناً مع التطوّر الذي شهدته الساحة الإعلامية ومنصات السوشيال ميديا، وارتفاع أعداد القرّاء والمتابعين، بات الرأي العام يمتلك زخماً أكبر مما كان يمتلكه، واهتماماً كبيراً مقارنة بالأوقات الماضية، فأصبح الرأي العام موضع التحليلات والدراسات المختلفة المشارب للاقتصاديين والمؤرخين والصحفيين والإعلاميين وعلماء الاجتماع والنفس والسياسيين، ومشاركة الخبراء المختصّين في المجالات المختلفة على هذه الساحة، بدراساتهم وتحليلاتهم إنّما تدلّ وبوضوح إلى أن موضوع الرأي العام بات متخطياً حدوده وخصوصياته وأصبح موضوعاً عاماً وهاماً في نفس الوقت.
فالرأي العام يصبح في موقف خطر عندما يتمّ استهدافه من قبل دولة أو تنظيم أو جماعة معادية عن طريق الحرب اللينة -الحرب الناعمة- كالحرب التي تديرها إيران والمجاميع والتنظيمات الموالية لها اليوم في جنوب كوردستان عموماً ومحافظة السليمانية خصوصاً.
فللحرب الناعمة المتمثّلة في الدعايات والإشاعات والبروباغندا الإعلامية والحرب النفسية والتي تستهدف الرأي العام بدون أية مواجهات واشتباكات مسلّحة أو استخدام للقوة الخشنة فلهذه الحرب تأريخ عريق في توجيه المجتمع نحو الهاوية، وإلحاق الهزائم المتكرّرة به وخلق ردود أفعال عنيفة في أوساطه، لذا شهدت الحرب الناعمة في القرن الـ 21 أهمية قصوى، وأصحبت تحلّ محل الحروب المسلّحة لدى الكثير من الدول، فباتت الكثير من الدول تقود مثل هذه الحروب لتحقيق أهدافها من دون هدر أية أموال أو إراقة دماء في سبيلها، في الوقت نفسه، فهناك بعض الدول والتي تعتمد على الحروب المسلّحة والعسكرتارية لضمان مصالحها في السياسة الخارجية وكسب أكبر قدر ممكن من المكاسب والمنجزات.
والآن، يشهد جنوب كوردستان حرب ناعمة تديرها الدول الغاصبة والمعادية للكورد لتحقيق مصالحها على حساب الكورد، بالإضافة لقطع السبل أمامهم من الظفر بأهدافهم التأريخية، فتحاول هذه الدول التأثير على الراي العام الكوردي من خلال الأزمة الاقتصادية التي يمر بها جنوب كوردستان، والتي خلقتها هذه الدول نفسها واستخدمتها لمحاربة كيان جنوب كوردستان من خلال حرب إعلامية وبروباغندا كاذبة ومستهدفة لكيان الإقليم في الصميم! ومن سوء حظ الكورد وقدرهم المشؤوم كثرة الأحزاب المرتزقة والشخصيات الكوردية -اسماً- والتي هي على أهبة الاستعداد لتلبية نداء العدو المحتل والاستجابة لصفيره!
وكالعادة، فحزب العمال الكوردستاني -البكك- كانت الضحية الأولى التي تقع في مصيدة هذه الدول وبالأخص التأثيرات الإيرانية، فهي تتحرّك وفق الأجندات الإيرانية وتأتمر بأمرها، وبات باستطاعة إيران أن تقودها مثلما تريد وتوجّهها حيثما تريد في جنوب كوردستان عموماً وبالأخص ضمن حدود مدينة السليمانية، وباتت البكك تؤدّي مهامها على أكمل وجه، وهي قد شرعت بالفعل ومنذ امد بعيد لتحقيق أهداف إيران ومشاريعها التوسعية في المنطقة عموماً وجنوب كوردستان خصوصاً، وكلّ هذا بحجة المشاكل الاقتصادية والأزمات المالية التي يمرّ بها جنوب كوردستان والتي هي في الصميم من صنع هذه الدول وإيران على وجه الخصوص، والمؤسف في الأمر أن السبات الطويل الذي يعيشه الإتحاد الوطني الكوردستاني والصحوة التي تشهدها البكك وما تمتلكها من وسائل إعلام قوية كلّ هذا رجّحت كفة الميزان لصالح البكك بحيث استطاعت أسر الرأي العام وخلق تأثير كبير عليه في جنوب كوردستان عموماً وبالأخص في مناطق السليمانية وحلبجة وكرميان!
البكك تؤثّر على الرأي العام بطريقتين هما:
الأولى: الطريقة المباشرة وذلك بتسخير كافة منظمات ومؤسّسات المجتمع المدني والتي تعبّر عن سياسة البكك، وتفتخر بآبوجيتها، منها:
(حركة حرية كوردستان، والتي هي من تنظيمات البكك وتمارس أنشطتها السياسية في وضح النهار، وتنظّم الاحتجاجات والتظاهرات في السليمانية وتشارك فيها، وكذلك وجود مقارّ ومؤسّسات حزبية وتوجيهها للقيام بأنشطة حزبية متنوعة، مثل مبنى (فايقي موتي) والذي يقع في (جوار باغ) السليمانية).
الصحافة والإعلام، والبكك متخصّصة في هذا المجال، فهي عن طريق ما تملكه من صحافة قوية وقنوات فضائية كـ (روز تي في، ئاريان تي في، ستيرك، زن تي في…الخ) وامتلاكها للعديد من المراسلين والإعلاميين، واجتماعاتهم المتكرّرة في مبنى تجاري في جنوب السليمانية على شارع (60 متر) مقابل مبنى فاملي مول، فعن طريق كلّ ما مرّ تزاول البكك عملاً شاقاً وجدياً في التأثير على الرأي العام في السليمانية!
سوء استخدام قوانين حكومة إقليم جنوب كوردستان، وتأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني في السليمانية، من هذه المنظمات (منظمة (ناوَخت) والتي يديرها منصور تيفور وهو أحد صحفيي وإعلاميي شرق كوردستان، وهي تعمل على غسل أدمغة الشباب، وزرع الآبوجية فيها، منظمة (جبك) وهي منظمة تراثية ثقافية، وقد غيّرت هذه المنظمة وجهة ممارستاها نحو الأعمال الخيرية وذلك بعد انتشار فيروس كورونا، منظمة (نويكر) وغيرها العديد من المنظمات والتي تعمل وفق أطر ومصالح البكك الحزبية الضيقة، وتحاول بشتى الوسائل والطرق التأثير على الرأي العام وتقويضه لصالحها.
الثانية: الطريقة غير المباشرة، أوصلت البكك وحركة حرية كوردستان كوادرها المعروفين بآبوجيتهم للمؤسّسات الحكومية والحزبية والإعلامية في مدينة السليمانية، مثال ذلك، المعهد الكوردي للانتخابات والذي يديره (ئارام جمال) فهذا المعهد يعمل وفق نظريات ورؤى ئابو بطريقة غير مباشرة، وتخدم المصالح الحزبية الضيّقة للبكك.
في هذا المجال، استطاعت البكك التأثير على (56) منظمة للمجتمع المدني، علماً ان غالبيتها تابعة للبكك، وقد أدانت هذه المنظمات الحرب الداخلية بين البكك والبارتي -الديمقراطي الكوردستاني- علماً أنه لم تكن هناك أية حرب بين البارتي والبكك بل كان هناك اعتداءات للبكك على حكومة جنوب كوردستان، فقد نشرت هذه المنظمات في وقت سابق بياناً أدانت واستنكرت هذه الحرب! غير أنه بدا بوضوح أنها كانت تهدف من ورائه إظهار أن الحرب التي بدرت بوادر اندلاعها هي حرب بين البارتي والبكك! والتغطية على حقيقة الموضوع المتمثّلة في مهاجمة البكك لواقع إقليم جنوب كوردستان، واللافت للنظر أن البكك استطاعت التأثير على إحدى هذه المنظمات والتي تتلقّى دعمها من البارتي، ألا وهي منظمة (شار) فهذه المنظمة العاملة في مجال المجتمع المدني قد وقّعت على البيان الصادر من قبل هذه المنظمات، علماً أن هذه المنظمة تتلقّى شهرياً 1000 دولار أمريكي من البارتي كأجرة شهرية لإيجار مكتبها، كما تمّ بناء العديد من المواقع التجارية لهذه المنظمة على حساب البارتي خلال الـ 15 سنة المنصرمة!
وكلّ هذا يحصل هناك نتيجة السبات الذي يمرّ به الإتحاد الوطني، وانشغال كبار مسؤولي هذا الحزب بالتجارة وعدم خبرتهم ومعرفتهم بالبكك، فالملحوظ على ممارسات الإتحاد في الآونة الأخيرة أنها في حالة سبات ونوم عميق! وقد يعود أحد أسباب تقوية تنظيمات البكك في السليمانية إلى ما تتبنّاه من عداوة وكره للبارتي، غير أن ما هو واضح للجميع أن البكك والإتحاد غارقان تحت التأثيرات الإيرانية، وأن أية أوامر تصدر من طهران تنفّذ في جنوب كوردستان عن طريقهما.
نعم، سيأتي وقت يستيقظ في الإتحاد عن سباته ونومه العميق، غير أنه قد يكون بعد فوات الأوان! سيصحو ليجد أنه فقد كلّ شيء، آنذاك لا ينفع لا الصحو ولا الندم على ما فات! نعم قد يستمتع الاتحاد الآن بنوم هادئ ومريح، غير أنه سيصحو على وقع كابوس مخيف يضيق عليه النفس! كابوس لم يكن يتوقّعه أحد أو كان على البال!
فتشنّ البكك حرباً ناعمة موازية لهجماتها واعتداءاتها وحربها العلنية على جنوب كوردستان، تتمثّل هذه الحرب الناعمة في الحرب الإعلامية ونشر الدعاية والبروباغندا، علماً أن حرباً كهذه لا تستهدف مكوناً من المجتمع أو جزءٍ منه، أو تؤثّر على المستهدف من المجتمع فقط، بل هي حرب مدمّرة لا تبقي ولا تذر، وستصبح سبباً لانهيار الأسس السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، وستخلق واقعاً ووضعاً مستحدثاً يخدم سلطان الجهات المحاربة المعادية والمهاجمة والتي هي (إيران-البكك) لا غير!
فالعدو في الحرب الناعمة يهيئ الأرضية لتقبّل هجمات الغرباء، كما يخلق البيئة المهيئة لخلق الأزمات والتوترات والصراعات الداخلية.
ما تحدّثنا عنه هو بمثابة قطرة من بحر مما نمتلكه بهذا الصدد، ومن المؤسف أنه لا الاتحاد الوطني الكوردستاني ولا شعب جنوب كوردستان عموماً يعرفون حقيقة البكك كما نعرفه نحن شعب شمال كوردستان! فلو عُرفت البكك كما هي من دون أقنعة وأغطية وكما نعرفها نحن من لنا إلمام بدقائق الأمور في البكك لما سعى كوردي شريف لتنفيذ أجنداتها وسياستها الدنيئة والهادفة للكورد وكوردستان لا غير! فهي غارقة حتى مفرق رأسها في بحر العمالة وخدمة الأعداء المحتلّين الغاصبين لكوردستان ومؤسّساتهم المخابراتية، فما لا تستطيع هذه الدول فعله ولا تقدر عليه في كافة أجزاء كوردستان الأربعة فعلته البكك بالنيابة والوكالة عنهم دون تردّد أو ارتباك!
باختصار، البكك والأيديولوجية الآبوجية لا تختلف ولا تقلّ خطورة عن الكماليزمية والبعثية والباسيجية الإيرانية، وينبغي على الإتحاد الوطني الكوردستاني تدارك هذه الحقيقة قبل ضياعها وفقدانها، بل ضياع نفسها! ينبغي عليها أن تصحو من نومها العميق والوقوف بوجه البكك ومنعها من ممارسة هذه الأفعال الدنيئة، وإلا فضياع كلّ شيء ليس بوارد فقط وإنما قريب، وليست هناك خطوات شاقّة أمام الإتحاد كما لم نطلب منها فعل المعجزات والمستحيل لمعرفة حقيقة البكك الواضحة ودون أية أقنعة، بل ندعو الإتحاد قادة ومسؤولين وقاعدة شعبية فقط لمشاهدة مقاطع الفيديو لزعيمها القدير المرحوم مام جلال حول البكك لكي يعرفوا ما هي حقيقة البكك وما هي مطالبها وأهدافها!