يا تُرى… هل ستتكرّر معركة جالديران في شنگال؟

يا تُرى... هل ستتكرّر معركة جالديران في شنگال؟

يُقال بأن التأريخ يعيد نفسه، ولكن في مكان وزمان مختلفين، وحتى لو لم تنطبق هذه المقولة على كافة الأمم على المعمورة، غير أنه بالنسبة للأمة الكوردية بات حقيقة لا تنكر، فكثيراً ما تكرّر التأريخ في كوردستان دون أن يستفيد منه الكورد! بل أنسوه وتجاهلوه -بتقصّد- ولم يولوا أي اهتمام به، لهذا لم تستطع هذه الأمة لغاية الآن تحرير نفسها أو وطنها كما هو واضح للعيان، فليس ببعيد أن يعيد التأريخ نفسه، ويصبح أرض الكورد ساحة حرب شرسة تثخن بدماء أبنائها وتتضرّج بها مجدّداً، وتنقسم أراضيهم وتتوزّع على الدول المحتلة لكوردستان، نعم، لو سارت الأمور بهذا المنحى فمن المتوقّع وقريباً أن تصبح شنگال ساحة حرب وطيسة بين ورثة الإمبراطوريتين (الصفوية والعثمانية) كما أصبحت جالديران فيما مضى من الزمان -1514- ساحة حروبهم الدامية، وتنقسم كوردستان إثرها أو أن تزداد أوضاعها سوءاً أكثر بكثير مما هي عليه الآن.

فجلّ محاولات أعداء الكورد وكوردستان تصبّ وبكافة الأشكال في العداء لواقع إقليم جنوب كوردستان، تلك البقعة الوحيدة المحرّرة من كوردستان، والتي هي محطة أمان ومظلة استقرار للكورد أينما كانوا، فهم يحاولون القضاء على هذه البقعة أيضاً وإحكام قبضتهم عليها، والأسوأ والأمرّ والمؤلم للقلب من كلّ هذا هو تعاون بعض الكورد البائعين لذممهم وذواتهم لإنجاح هذه المؤامرة الخبيثة وهذا المخطّط الإجرامي لأعداء الكورد وكوردستان من أجل حماية مصالحهم الحزبية الضيّقة، وتنفيذ أيديولوجياتهم الدنيئة والخبيثة والعفنة، وبالتنسيق مع الأعداء والتحالف معهم.

الجناح المنادي بشعار أخوة الشعوب أصبح مصدراً وباعثاً لتفكيك الأخوة بين الأشقاء من أمة واحدة ودين واحد

بعد تحرير بيشمركة كوردستان لشنگال من أنياب السباع من تنظيمات داعش الإرهابي، كان الكلّ يأمل بعودة الأمن والأمان والاستقرار لشنگال، وأن تعود الحياة لمجراها الطبيعي، وأن يستطيع أهاليها العودة لديارهم وإدامة حياتهم المتبقية بكرامة واطمئنان، حياة قد تنسيهم مآسي الماضي الدامي والكوارث التي مارسها داعش بحق شعبنا الإيزيدي، غير أنه من المؤسف أنه وبعد فترة قصيرة من تحرير شنگال حصلت أحداث 16 أكتوبر عام 2017 الخيانية، واضطر بيشمركة كوردستان إلى الانسحاب من هذه المدينة الكوردستانية لحماية كيان وواقع إقليم جنوب كوردستان من الانهيار، وهذا ما تسبّب بتمركز الحشد الكوردي (الـ PKK) والحشد الشعبي في المدينة بأوامر من إيران ومن أجل حماية محور المقاومة، وشكّلوا مجاميع وفصائل مسلّحة، واختطفوا الأطفال من أحضان أمهاتهم، وقسّموا الشعب الإيزيدي على طوائف وملل بحيث وصل بهم الأمر أنه لمّا تمّ اختيار أمير جديد للإيزيديين قامت البكك بتنصيب أمير آخر من قبلها! وبعد انتخاب بابا شيخ جديد لهم كلّفت البكك من جانبها شخصاً آخر بالقيام بدور بابا شيخ تابع للبكك! باختصار، بات الجناح المنادي والمطالب بشعار أخوة الشعوب مصدراً وباعثاً لتفكيك الأخوة بين الأشقاء من أمة واحدة ودين واحد، فخلطوا الحابل بالنابل، ومزجوا بين كلّ شيء وفق شعاراتهم، أيديولوجيتهم، بروباغنداتهم الإعلامية، فأصبحوا -مجدّداً- سبباً بأن تكون المدينة في مهب الريح وأمام تهديدات الأعداء المحتلّين!

عبارة (شنگال ليست جزءاً من كوردستان، بل هي جزء من العراق) كافية لمعرفة معدن البكك!

أدّت ممارسات البكك الاستفزازية بدءاً من رفعها لأعلامها الحزبية وصور زعيمها المسجون وتشكيل قوات تابعة لها في شنگال، إلى قيام تركيا بإطلاق تهديدات، فقد اطلق القادة العسكريين الأتراك في كثير من المناسبات تصاريح عن قرب إطلاقهم لعملية عسكرية في شنگال لوجود قوات وتنظيمات غير قانونية ورسمية هناك، وأنها أصبحت تهديداً لبلادهم، ومّما لا شكّ فيه أن هذا مجرّد حجة ومبرّر، إذ يعلم الجميع أن البكك أصبحت جسراً للتدخّل التركي في أية منطقة تريدها، هذا من جانب، ومن جانب آخر فان انخراط البكك في خط إيران ضمن محور المقاومة أدى لرفضها مطالب حكومة جنوب كوردستان المتكرّرة حول خروجها من شنگال وتسليم تلك المناطق لبيشمركة كوردستان، بل وصل الأمر بكبار قادة البكك أمثال بسي هوزات إلى الردّ بـأن (شنگال ليست جزءاً من إقليم كوردستان بل هي جزء من الدولة العراقية!) فهذا التصريح بحدّ ذاته دليل كافٍ لمعرفة معدن هذه التنظيمات!

البكك وكـ “بروباغندا إعلامية دعائية” خرجت من شنگال لمدّة 8 ساعات، بعدها غيّرت ثيابها وارتدت لباس الحشد الشعبي وعادت داخل المدينة!

في الـ 9-من تشرين الأول-2020، أُبرمت اتفاقية تأريخية بين حكومة إقليم جنوب كوردستان والحكومة الإتحادية بشأن تطبيع الأوضاع في مدينة شنگال وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وقضت الاتفاقية بأن تتولّى الحكومة الإتحادية الملف الأمني للمدينة وإخراج كافة القوات والميليشيات غير القانونية من المدينة والبكك من ضمنها، وإدارة الملف الأمني للمدينة بالتنسيق المشترك بين قوات بيشمركة كوردستان والجيش العراقي، يأتي هذا بهدف لإخراج المدينة من سطوة الميليشيات المسلّحة غير القانونية والشرعية، وإعادة الأوضاع إلى مجراها الطبيعي وإعادة الشعب الإيزيدي النازح في مخيّمات اللاجئين والذي يعيش ظروفاً مأساوية غاية في الصعوبة لدياره، هذا من جانب، ومن جانب آخر للوقوف حائلاً أمام إطلاق عملية عسكرية تركية في شنگال، غير أن تنظيمات البكك وميليشيات الحشد الشعبي اعترضت على الاتفاقية ووقف بالضد منها بأوامر إيرانية، فقامت البكك وكمادة إعلامية وبروباغندا دعائية بالخروج من المدينة لمدّة  8 ساعات فقط وتغيير زيّها بزيّ مقاتلي الحشد الشعبي والعودة للمدينة مرة أخرى! وهذا ما أصبح سبباً قوياً يضاف إلى أسباب أخرى للوقوف بوجه هذه الاتفاقية وبنودها، كما تسبّب بزيادة التهديدات التركية وبالأخص بعد إطلاق عملية گاره والتي راح ضحيّتها 13 عسكرياً أتراك كانوا أسرى لدى البكك مسجونين في إحدى مغاراتها، ما أدّى إلى قيام مسؤولين أتراك بإطلاق تهديدات غاضبة متوعّدين باحتلال شنگال وإخراج تنظيمات البكك من المنطقة.

بعد هذه التهديدات، نفذّت إيران خطوة جدية، فقامت يوم 11-2-2021 بإرسال رئيس أركان ميليشيات الحشد الشعبي (أبو فدك) والمدرج ضمن لوائح الشخصيات الإرهابية المعدّة من قبل الولايات المتّحدة الأمريكية، وأقرب الشخصيات الموثوقة لدى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني سابقاً (قاسم سليماني) لمدينة شنگال.

فيا تُرى من هو أبو فدك؟ وما الذي يفعله في شنگال؟

صبيحة الـ 3 من كانون الثاني عام 2020 استهدفت المسيّرات الأمريكية موكباً وصف بضيوف مهمّين في العراق قرب مطار بغداد الدولي، أسفر الهجوم عن مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورئيس هيئة أركان الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس مع عدد من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين والعراقيين، وهذا ما كانت ضربة قاضية تقصم ظهر إيران ومحور المقاومة، بعده تمّ توظيف إسماعيل قاآني خلفاً لقاسم سليماني كما تمّ تكليف عبد العزيز المحمداوي والملقّب بـ “أبو فدك” ويسمّى في الأوساط الشيعية بـ “الخال” خلفاً لأبي مهدي المهندس، في بداية الأمر تعالت أصوات معارضة لمسؤولين وميليشيات شيعية مناوئة لهذه الخطوة كون شخصية أبو فدك غير معروفة لديهم، إذ تتّسم هذه الشخصية بالغموض والابتعاد عن الأنظار وحبّ الاختفاء وعدم الظهور على الساحة وأمام عدسات كاميرات الصحافة والإعلام لهذا لم يكن معروفاً لدى الأوساط العسكرية الشيعية، غير أنه بعدما نشرت إيران صوراً له مع مسؤولين في الحشد الشعبي الشيعي وكبار المسؤولين الإيرانيين كأمثال قاسم سليماني استطاعت قلب الموازين وجذب الأنظار إليه وتغيير رؤاهم حول هذه الشخصية، وبهذا استطاعت تعيينه رئيساً لأركان الحشد الشعبي.

هذا وأبو فدك هو السكرتير السابق لمسلّحي حزب الله، والعضو القيادي لكتائب حزب الله بعد عام 2003، ويعدّ الشخصية الرئيسية لمؤسّسي الطوابير الخاصة (القوات الخاصة) لحزب الله، كما يعتبر المذكور المؤسّس لما تسمّى بـ “وحدات الكاتيوشا” ضمن ميليشيا حزب الله، وكان رئيساً لمحور المقاومة في بعض المعارك والحروب السورية كمعركة (تل الشعب، مليحة، دوار الحجيرة والغوطة).

ما الذي يفعله هذا الشخص في شنگال؟

كما تحدثّنا سابقاً، بعد تهديدات تركيا حاولت إيران اعتراض العملية العسكرية المخطّطة لها، إذ أن أية عملية عسكرية من شأنها تعقيد الأوضاع لمحور المقاومة، وهذا بالذات ما لا يصبّ في مصلحة إيران في كلّ من العراق وسوريا، وستعرّضها لخطر محدق، لذا قامت إيران بإرسال أبو فدك على رأس قوات من ميليشيا الحشد قوامها 4 ألوية عسكرية يومي 11-12-2-2021، كانت تستهدف من وراء هذه الخطوة إخفاء وتغطية تنظيمات البكك والقوات التابعة لها والتي هي جزء من محور المقاومة الإيرانية ضمن صفوف الحشد الشعبي، وللحؤول دون إطلاق عملية عسكرية تركية واستنفاد الحجج والمبرّرات أمام تركيا، والهدف الثاني يتجسّد في الوقوف دون تنفيذ بنود الاتفاقية المبرمة بين حكومة جنوب كوردستان والحكومة الفدرالية بشأن تطبيع الأوضاع في المدينة، وإخراج القوات غير القانونية من المدينة وإنقاذ المدينة من سطوة هذه الميليشيات، وهذا مما لا شكّ فيه أيضاً يصبّ في مصلحة إيران ومحور مقاومتها.

بمرور الوقت، تشير المؤشرات وتزداد المسوّغات لإطلاق عملية عسكرية تركية في شنگال

باختصار، كلّما مرّ الوقت ازدادت المسوّغات لإطلاق عملية عسكرية تركية في شنگال، كما ويبدو أن شنگال وكجزء من كوردستان ستصبح ساحة حرب مفتوحة ودموية، ساحة قتال بين ورثة الامبراطوريتين العثمانية والصفوية، كما يبدو أن هذه الحرب لن تختلف كثيراً عن معركة جالديران والتي تسبّبت بتقسيم كوردستان وتخضيب أراضيها بدماء الكورد لا غير، كون التأريخ أثبت أن اندلاع أية معارك أو حروب بين هاتين الامبراطوريتين تسبّبت في إلحاق أشد الأضرار والخسائر بالكورد وكوردستان.

ختاماً، نأمل من البكك أن تتفهّم هذا الشيء وأن تفقه وتتعقّل، وأن تحاول تفنيد الحجج والمبرّرات أمام تركيا والحؤول دون شنّ هجوم دموي على شنگال، وألا تكون عصا طاعة بيد إيران، وتقع مهمة إيقاظ البكك من سباتها على عاتق المثقّفين المخلصين من أبناء الوطن، إيقاظ هذه التنظيمات من الخيال المزيّف تحت شعار أخوة الشعوب، وأن مشروع الأخوة الشعوبية مجرّد وسيلة لاستعباد الكورد وإذابتهم في بوتقة الأمم المجاورة ولو بعد حين…

مقالات ذات صلة