من أنهى عملية السلام؟!

بعد زيارة الرئيس التركي “أردوغان” لولاية آمد، أصبح الحديث حول عملية السلام المغيبة عن الواقع منذ أمد بعيد حديث الساعة والموضوع الساخن للنقاشات، فقبل توجّه أردوغان لآمد، كان الحديث دائراً حول “عملية سلام جديدة” غير أنه وبعد تصريح أردوغان قائلاً: “لسنا من أنهى عملية السلام!” بدأت الأطراف السياسية بإطلاق التهم المتبادلة جزافاً، فكلّ طرف اتّهم الآخر بإنهاء عملية السلام هناك، فاتّهمت الـ PKK وحلفاؤها أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم بإنهاء العملية، من جانبه، اتّهم أردوغان وأعوانه قادة الـ PKK في قنديل بوقوفهم وراء فشل عملية السلام دون التطرّق والإشارة إلى زعيم الحزب المسجون في إيمرالي (عبد الله أوجلان) وهنا يَطرح سؤال بالغ الأهمية في الأروقة السياسية نفسه، وهو: من أنهى عملية السلام وأفشلها؟

ما يُختتم به الكلام سنقوله بداية، ألا وهو أن كلا الطرفين تسبّبا في فشل عملية السلام وإنهائها…

فيا تُرى هل باستطاعة الـ PKK وAKP الاستغناء عن بعضهما البعض!

عندما بدأت المفاوضات بين الطرفين، لم يكن الهدف المنشود للطرفين هو التوصّل لعملية سلام حقيقية قطعاً، فكان كلا الطرفين قد عبرا منعطفات صعبة وأوقات قاسية، فكانا بأمس الحاجة لتنفّس الصعداء وبدء مثل هذه المفاوضات، فالـ PKK كانت تعاني عسكرياً، ومنيت بخسائر فادحة، فلم تكن قادرة على التواجد في الجبهات الشمالية، بسبب الشلل التام الذي أصابها نتيجة استهداف الغارات الجوية المكثّفة لقنديل، فكانت تأمل إدامة نضالها في غربي كوردستان -كوردستان سوريا- غير أنها لم تقدر على نقل مسلّحيها هناك بسبب حرب تركيا، فكان تمركز قواتها في “روج آفا” بمثابة شريان الحياة لها.

من جانبها، كانت (AKP) تحاول التحكّم بزمام الأمور، غير أن تربّص أركنكون وجماعة فتح الله كولن لها ومحاصرتهما لها في أوجها، فبدأت عملية السلام وحلّ القضية الكوردية في تركيا، وإن لم تكن الحكومة جادّة في إيجاد الحلول لها فهذا الأمر -على أقلّ تقدير- سيساعدها في تخفيف وطأة المعارضة عليها وإحلال بعض الاستقرار وإن لم يكن كافياً إلا أنه سيفتح آفاقاً إيجابية لا بدّ، فبات الصراع مفتوحاً بين (AKP) وجماعة فتح الله كولن، ولم تكن عملية السلام تسري سراً في أوسلو قطعاً!

باختصار، عندما شرعت الأطراف بعملية السلام لم يكن هدفها إقرار سلام مستديم وحقيقي بتاتاً، بقدر ما كانت تنوي استغلال المزيد من الوقت لترميم ذاتها ولملمت شتاتها، ولما نال كلّ طرف منهما مبتغاه ولملم شمله استغنى عن المفاوضات من أجل السلام الوهمي، وتركا العملية كما هي!

ما هي مكتسبات عملية السلام لكلا الطرفين؟

عُرفت الـ PKK على الساحة الدولية عن طريق “روج آفا” فبعد مقتل 13 جندياً تركياً في فارقين، بدأت تلك التنظيمات المهترئة والمتشتّتة نتيجة الهجمات العنيفة، تلملم شتاتها وكأنها بُعثت من جديد، وانخرط العديد من المقاتلين الجدد في صفوفها، وعقدت اتفاقية استراتيجية مع إيران تضمن من خلالها تواجدها في كافة المناطق الكوردستانية، فاستفادت الـ PKK من الفوضى والاضطرابات التي عصفت بالشرق الأوسط من خلال ما سمّى بالربيع العربي بكسب مكانة الحليف مع إيران.

والأهمّ كانت محاولات الـ PKK الجادّة للاستفادة من الصراعات الداخلية للدولة التركية، فكانت تلعب على وتر الخلافات والصراعات بين AKP وجماعة فتح الله كولن، ويذكر، أن ممثّل جماعة فتح الله كولن في السليمانية بعث رسالة لـ “جميل بايك” لبدأ صفحة جديدة من العلاقات الخاصة بين التنظيمين، كما عقد قيادي الـ PKK ومسؤول تنظيماتها في الشرق الأوسط “رضى آلتون” اجتماعاً خاصاً مع جماعة كولن لهذا الغرض!

هذه التطوّرات وجّهت الـ PKK عام 2014 لحفر الخنادق في منطقة الجزيرة، ولم تشرع في محاربة الجيش التركي هذه المرّة، بل شرعت بحرب خاصة مع قوات الشرطة التابعة لحكومة (AKP) حتى وصل الأمر بـ دوران كالكان ليقول: “لو التزم الجيش التركي معسكراته ولم يشارك في الحرب فلن نحاربه إطلاقاً!” وأبدى بأن حربهم هذه هي ضد الشرطة في محاولة منهم للقول بأنهم لا يعادون الجيش والدولة التركية، بل حربهم ضد حكومة AKP وجهاز شرطتها!

في الجانب الآخر، رأى أردوغان أن عملية السلام لا تسير وفق رؤاه وإرادته، فلم يتوقّع إطلاقاً أن تعقد الـ PKK مثل هذه العلاقات مع جماعة فتح الله كولن، كما أراد لعب لعبة عظيمة في سوريا، فكان يعتقد بداية بأنه سيكسب دعم الكورد وسوريا أيضاً من خلال عملية السلام التي عقدها مع الـ PKK، غير أن الرياح لم تجر بما اشتهته سفنه، ولم يتحقّق مخطّطه من هذه العملية، فأصبحت عملية السلام العقدة المستعصية، فكلا الطرفين كانا يحاولان الصيد في الماء العكر، والاستفادة من الفوضى العارمة والصراعات المميتة في المنطقة، لذا تمّ إنهاء عملية السلام في 15 تموز عام 2015.

في الـ 11 من تموز، أعلنت الـ PKK عن إنهاء الهدنة، وفي 17 من نفس الشهر، صرّح أردوغان بأنه لا يعرف أصلاً معاهدة باسم (طولمة باغجة) فتوالت النكبات من جديد، ففي الـ 20 من تموز ارتكبت مجزرة في “برسوس” وفي 22 تموز تمّ العثور على جثتي شرطيين مقتولين في (جيلانينار) واستساغت الـ PKK تضلّع قواتها في الحادث لتقوم المقاتلات الحربية التركية في ليلة 23/24 تموز بشنّ غارة جوية عنيفة على هذه التنظيمات، فتوجّه الطرفان نحو الحرب، الـ PKK شرعت بحفر الخنادق بينما شرعت تركيا باستخدام التكنولوجيا المتطورة، وما نعرفه نحن هو أن عملية السلام انتهت غير أن العلاقات لم تنقطع كلياً، بل ما زالت اللقاءات المباشرة وغير المباشرة تجري بشكل أو آخر لغاية يومنا هذا!

وبالحديث عن النتائج باختصار، فكلا الطرفين لم يجدا ضالتهما في العملية وفق مصالحهما الخاصة، فاختارا نهج الحرب وسياسة التسلّح عوض السلام والحلّ،

نتاج إنهاء عملية السلام:

ألحق الـ PKK دماراً وتهجيراً واسعين بكوردستان تركيا -شمالي كوردستان- إثر حرب الخنادق، بينما واجهت AKP وضعاً متأزماً ليس بمقدورها التحكّم به والسيطرة عليه، فلو انتهت عملية السلام فستدمّر ولو أديمت فستجلب الفوضى والاضطرابات، غير أن AKP ليست هي الدولة بذاتها، وفشلها لا يفهم منها سقوط الدولة التركية وانهيارها

باختصار شديد، الذي عانى الويلات والمآسي من خلال هذه المعادلة هو الشعب الكوردي وكوردستان، والسؤال المفروض طرحه هنا هو: عوض التساؤل عمّن أنهى عملية السلام أليس المفروض أن نتساءل: ما هو الحلّ الحقيقي وأين يكمن؟ ومن يقدر على تقديمه؟ كون هدنات وقف إطلاق النار والبحث عن حلول سلمية منذ عام 1993 إنّما أقيمت بالأشخاص الخاطئين غير المناسبين كما نوقشت حوارات بلا معنى فمن المؤكّد أن النتائج ستكون معدومة!

فعملية السلام التي أعلنها أردوغان في 28 كانون الأول 2012 عندما قال: “نرتّب لقاءات مع عبد الله أوجلان في جزيرة إيمرالي!” كانت نواياها خاطئة وحساباتها غير دقيقة وحلولها غير مناسبة لهذا منيت بالفشل، فكلا الطرفان أنهيا عملية السلام وأفشلاها…

مقالات ذات صلة