بعد خروج الولايات المتّحدة الأمريكية من أفغانستان، كثرت النقاشات حول خروج أمريكي محتمل من كلّ من إقليم كوردستان وروج آفا -غربي كوردستان أو كوردستان سوريا- ونوقشت مثل هذه القضايا على أوسع نطاق وبعمق منوّهة إلى المخاطر التي سيخلّفها هذا الخروج المفاجئ، وممّا لا شكّ فيه أن الوضع في إقليم كوردستان مختلف ومغاير تماماً لما هو عليه في غربي كوردستان -كوردستان سوريا- وصدرت العديد من التصريحات حول مغادرة الجيش الأمريكي من إقليم كوردستان ما دفع بالزعيم الكوردي مسعود البارزاني إلى إرسال رسالة للشعب الكوردي وضّح فيها العديد من الحقائق أهمها كانت توضيحه للفرق الجوهري بين أفغانستان وكوردستان، وأن كوردستان ليست بأفغانستان وأن الكورد في الإقليم يتمتّعون بحماية منعدمة النظير من قبل قوات بيشمركة كوردستان تلك القوة الوطنية المخلصة التي تضحّي بكلّ ما هو غال ونفيس من أجل تربة كوردستان.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها دائماً ما تحافظ على مصالحها الإقليمية، وأنها لو انسحبت من العراق فليس من المعقول أن تنسحب كلياً وبشكل مفاجئ من إقليم كوردستان، من جانب آخر فإقليم كوردستان يتمتّع بكيان دستوري دولي ضمن أطر العراق الاتحادي كما ويمتلك كافة مؤسّساته الحكومية والمعترفة بها دولياً.
بخلاف الوضع في غربي كوردستان، فالوضع هناك مغاير كلياً، فوفق أبسط القراءات للوضع السوري فمن المحتمل أن تنسحب الولايات المتحدة منها وقتما شاءت، ولو انسحبت أمريكا من سوريا فهل ستنسحب من غربي كوردستان -كوردستان سوريا- أيضاً؟ فهذا تساؤل مختلف، غير أن المؤكّد أنها لن تنسحب من سوريا مادامت الحرب على داعش قائمة، كما أن الولايات المتحدة تحاول جاهدة توحيد الصف الكوردي هناك لبناء واقع وكيان كوردي موحّد في سوريا ومعترف به دولياً.
في الوقت الراهن يمسك حزب العمال الكوردستاني الـ PKK بزمام الأمور والسلطة في غربي كوردستان باسم الإدارة الذاتية، مع هذا فهي مدرجة على لوائح التنظيمات الإرهابية الدولية وهذا بحدّ ذاته أكبر العراقيل أمام تأسيس كيان سياسي كوردي هناك، رغم أن الـ PKK هي نفسها لم تطالب بهذا أساساً وإطلاقاً، بل على النقيض من هذا فهي تقف موقف العداء تجاه أي مكسب أو كيان كوردي مستقل، فهي لا تستخدم لا اسم كوردستان ولا أية رموز ومقدسات كوردستانية قطعاً!
من جانب آخر، لو لم تحصل وحدة الصف الكوردي في غربي كوردستان فليس أمام الـ PKK وإدارتها الذاتية لغربي كوردستان سوى خيار واحد يتمثّل في عودتها لحض ولي أمرها أي العودة لدمشق والانضواء تحت مظلة الميليشيات النظامية السورية مجدّاً.
هذا ولن تمنع أية دولة أو أية قوة ولو كانت من القوى العظمى الدولة التركية من شنّ هجماتها وإدامة حربها على غربي كوردستان ما زالت تلك المناطق خاضعة لهيمنة الـ PKK ونفوذها، فبالأمس القريب توغّلت تركيا في مدن سري كانيه -رأس العين- وكري سبي -التلّ الأبيض- حسب اتفاق تركي أمريكي، ومن المحتمل أن توافق أمريكا غداً على احتلال تركيا لقامشلو وغيرها من المناطق وفق معاهدات واتفاقيات أخرى، غير أنه كما يبدو أن هذا استراتيجية عميقة للـ PKK أيضاً، فكما وجّهت هذه التنظيمات تركيا اليوم نحو الجنوب-إقليم كوردستان- وجرّتها نحو هذه الأراضي المحرّرة والمستقلة وحوّلتها لساحة حروبها العبثية الشكلية والخبيثة وفق مشروع استراتيجي تركي، فكذلك ستمارس نفس هذه الممارسات بغربي كوردستان أيضاً وتنفّذ أجندات تركيا حول مشروعها القومي العتيق والمعروف بـ (الميثاق الوطني-ميساقا مللي).
ولن تكون هناك أية وحدة للصف الكوردي كما لن يكون هناك أي مستقبل واعد ومشرق للقضية التحررية الكوردية ما لم يدرك الكورد حقيقة الـ PKK هذه.
كثيراً ما تُناقش سياسة الـ PKK هذه، غير أن المؤسف في الأمر هو عدم اتّخاذ أي موقف صارم تجاهها، وهذا بحدّ ذاته سبب رئيسي لمواصلة الـ PKK لمثل هذه الممارسات وتشبّثها بمواقفها المعادية لكافة منجزات الحركة التحررية الكوردستانية واستمرارها على مسارها المنحرف والمعادي للكورد والمكتسبات الوطنية والقومية الكوردية، ووفق هذا المنظور ينبغي تقييم الوضع بغربي كوردستان.
فوحدة الصف الكوردي هي السبيل الوحيد أمام الكورد هناك للحصول على كيان وواقع فعلي، ولا توجد أية خيارات أخرى أمام الأطراف الكوردية هناك سوى سلك هذا السبيل، ومع هذا فأمريكا بعظمتها تحاول تحقيق هذا المطلب وتبذل فرنسا جهوداً جبارة لتحقيق هذه الوحدة على نقيض الـ PKK التي تحاول عرقلة سير مفاوضات هذه الوحدة والحؤول دون تحقيقها، فلا الاتحاد الديمقراطي (PYD) ولا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قادرة على إبعاد الـ PKK وتنحيتها عن هذا الطريق من أجل تحقيق مصالح كوردستانية عليا والتفرّد بالقرار بصدد غربي كوردستان، وهذا ما صارحت به أمريكا منذ أول وهلة عندما صرّحت بأنها ستمنع الدولة التركية من شنّ أية هجمة على غربي كوردستان حال مغادرة الـ PKK للمنطقة وأنها ستضمن هذا الموضوع وتتكفّله لحدّ بعيد.
نعم، لن تحقّق الـ PKK أية مكتسبات للقضية الكوردية ما دامت تزاول سياستها هذه كما لن تكسب أي اعتراف دولي من ورائها، بل على العكس، فهي تقضي على أية ديناميكية كوردستانية وتهدم أية مقومات قومية ووطنية وتدمّرها، وتمارس سياسة الترهيب ضد أي مخالف لها من السياسيين الوطنيين المخلصين، فتعتقلهم وتغتالهم دون أي مبرّر، فكم مرّة هاجم مسلّحوها الملثّمين على مكاتب الأحزاب الكوردية المعارضة وأحرقوها وبالأخص مكاتب ومقار المجلس الوطني الكوردي في سوريا (ENKS) ودنّسوا رمز الكورد وعلمهم وأحرقوه دون أي وجه شرعي أو مقبول!
ولو لم يدرك الكورد في غربي كوردستان -كوردستان سوريا- حقيقة سياسة الـ PKK العدوانية لغاية الآن، وواصلوا ممارساتهم الحالية من رفع أعلام الـ PKK وصور أوجلان في محاولة منهم لتحقيق مطالبهم من وراء هكذا ممارسات فهذا بحد ذاته أعظم دمار يجلبه الكورد على أنفسهم ووطنهم، ولو استمرت مثل هذه الممارسات والسياسات فمن المحتمل ألّا يختلف مصير عامودا والدرباسية وقامشلو إلى حدّ قريب عن مصير سري كانيه وكري سبي وغيرها من المدن الكوردستانية المحتلة…