مرّت 43 عاماً على اغتيال مسؤول (صوت كاوا) فريد أوزون وما زالت تفاصيل ملابسات الحادث غير واضحة المعالم ولم تُكشف بعد، والحق أن حادث الاغتيال ونتائجه لم تستوعب تماماً فيبدو أنه أطّر بدائرة بخط قلم أحمر!
فكان حادث اغتيال أوزون بمثابة الجرائم السياسية ضمن المؤامرة البشعة للدولة التركية بحق الكورد في ستينيات القرن المنصرم بحق، وهنا تكمن أهمية الكشف عن ملابسات حادث الاغتيال وفهمها.
مؤامرة اغتيال فائق بوجاك وفريد أوزون نفّذت من مركز قرار واحد
للوقوف على حقيقة ملابسات مقتل أوزون، ينبغي معرفة حقيقة مقتل رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني-تركيا (PDK-T) (فائق بوجاك) والتي حدثت في الـ 4 من تموز عام 1966 في رهاي، فقد مرّت عليها 55 عاماً في ظروف غامضة دون الكشف عن ملابساتها!
فكان حادث اغتيال فائق بوجاك بداية الشروع بمشروع العقلية والذهنية التركية للقضاء على القادة الكورد الوطنيين والقوميين المخلصين والمفعّمين بالمشاعر الوطنية والمناضلين في رحابها، وخلق قادة أحزاب كوردية مزيّفين.
ورغم وجود اختلافات بين شخصية رئيس (صوت كاوا) فريد أوزون وزعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني-تركيا (PDK-T) فائق بوجاك، فقد كانا شخصية واحدة في المجال الوظيفي والعمل والنضال، فكان أوزون يمثّل مرجعاً للكورد اليساريين بأفكاره ومشاعره وعواطفه وخلفيته الثقافية، غير أنه كان شخصية سياسية ذات مبدأ أصيل، كان كوردياً وكوردستانياً، كلا الزعيمين كانا كورداً وكوردستانيين، بعد ستينيات القرن المنصرم شعرت الدولة التركية بمخاطر كبيرة من نهضة وانبعاث الحركة القومية الكوردية، فاستهدفت وبشكل منظّم وممنهج قادة وزعماء الكورد على الساحة السياسية بهدف القضاء عليهم وإخلاء الساحة الكوردستانية من قادة وزعماء وطنيين مخلصين، فاغتيل بوجاك على يد الدولة التركية كما اغتيل أوزون على يد جلادي الـ PKK، رغم هذا فقرار الجريمتين السياسيتين من اغتيال فائق بوجاك وفريد أوزون صدر من مركز قرار واحد.
من فائق بوجاك لـ فريد أوزون، ومن وداد آيدن لغاية محمد شنر، سلسلة جرائم متواصلة ومتداخلة ومترابطة
تم استهداف القادة والزعماء الحقيقيين والمخلصين للأمة الكوردية والقضاء عليهم، حيث كانت عمليات الاغتيال والقتل تلاحق من سطا نجمه على الساحة الكوردستانية، وخلق أشباه قادة مزيّفين ليحلّوا محلّهم، الهدف من كلّ هذا هو صناعة حركة وخطّ كوردي مرتبط ولائياً بالدولة التركية، وتأسيس حركة كوردية متعصبة ومتطرفة وعنصرية تناصر تركيا والتتريك، فعمليات القتل خلال سبعينيات القرن الماضي لغاية انقلاب الـ 12 أيلول، واغتيال الوطنيين المخلصين في حقبة التسعينيات في كوردستان ولغاية 2015 كلّها كانت أحداث مترابطة ممنهجة ومنظّمة ومرتبطة بمشروع الدولة التركية في القضاء على القادة والزعماء الكورد والوطنيين المخلصين القوميين كجزء من مشروع الإبادة بحق الشعب الكوردي وإذابته.
فكان المشروع الإبادي للدولة التركية يقف وراء العديد من الجرائم السياسية واغتيال السياسيين أمثال فائق بوجاك وفريد أوزون ووداد ئايدن وحكمت فيدان ومحمد شنر، فكانت الاغتيالات تستهدف كلّ من سطا نجمه وزاغ اسمه على ساحة النضال والكفاح والمقاومة الكوردستانية، وتمّ فسح المجال وفتح الباب على مصراعيه لعبد الله أوجلان صهر علي يلدرم ذو الرتبة العالية في الاستخبارات التركية (MIT) والرفيق المقرّب للجاسوس الطيار وعضو الاستخبارات التركية.
أيا تُرى لو كان فائق بوجاك وفريد أوزون حيّين، هل كان بمقدور عبد الله أوجلان أن يتحوّل لـ”قائد”؟!
هنا سنطرح تساؤلاً بسيطاً وسهلاً: أيا تُرى لو كان فائق بوجاك وفريد أوزون حيّين، هل كان بمقدور عبد الله أوجلان أن ينال “القيادة” على الساحة؟!
فلو بقيت أسماء كـ “جتين كونكور (سمير) ومحمد شنر في أطر الـ PKK هل كان -آنذاك- بإمكان “ئابو” تسجيل تنظيمات الـ PKK باسمه؟! الإجابة بلا شكّ: كلّا.
فهناك حقيقة يجب على كلّ كوردي معرفتها والإلمام بها، تتجسّد في وجود محاولة للقضاء على الأمة الكوردية من جذورها وراء كلّ عملية اغتيال ارتكبت بحقّ القادة والشخصيات الكوردية في سبعينيات القرن الماضي في كوردستان، فلو تعمّقنا في أية حادثة اغتيال مظلمة لوجدناها مورست بحق المفعّمين بالمشاعر الوطنية والقومية الجياشة، وما حوادث الاغتيال -خلال تسعينيات القرن المنصرم- في ميردين ونصيبين وفارقين وئامد ومناطق أخرى، وجرائم حرق القرى وتدميرها إلا وسيلة في سبيل القضاء على جذور كوردستان وتدميرها.
لم تألو الدولة التركية جهداً في ارتكاب آلاف الممارسات البشعة والشنيعة من قتل واختطاف وتعذيب بحق الشعب الكوردي، ولكي تتمّ الدولة مشروعها المعادي للكورد وبالشكل الذي خطّط له، بذلك، فسح المجال لعبد الله أوجلان بالتنقّل في دمشق بحرية مطلقة والسكن في أفخم الفيلات وذات المسابح، فيما اغتيل أمثال فائق بوجاك بإطلاق 18 رصاصة عليه علماً أنه لم يحمل السلاح ولم يطلق ولو عياراً نارياً تجاه الدولة! بينما كان أوجلان يتنعّم برفاهية العيش في أفخم القصور على ضفاف البحر في اللاذقية!
فكما قلنا سابقاً، كان يتمّ الاعتناء بأوجلان وحمايته وصناعته، وتحويله لزعيم كوردي تنفيذاً لمشروع الدولة التركية في القضاء على القادة الكورد الوطنيين والقوميين المخلصين والمفعّمين بالمشاعر الوطنية والمناضلين في رحابها، وخلق قادة أحزاب كوردية مزيّفين.
فبعيداً عن سرد أسباب تأسيس الـ PKK أو فهم هذه الأسباب، لا نستطيع استيعاب الأحداث الجارية على الساحة الإقليمية، مثال ذلك، لا أحد يفهم الأسباب التي تقف وراء جذب الـ PKKلأراضي إقليم كوردستان؟! فهي تدّعي كلّ عام بأنها ستقضي على الدولة التركية وفاشيتها غير أنها على نقيض هذه الادعاءات تقوم بالانسحاب وتسليم 5-10 كلم من أراضي إقليم كوردستان سنوياً للدولة التركية!
مشروع القضاء على الكورد بيد الكورد
مقتل فريد أوزون كان حلقة من مسلسل مشروع الدولة التركية المتجسّد في القضاء على الكورد وإبادتهم، فالدولة التركية هي صاحبة دور استراتيجي بارز في معاداة الكورد ومحاولة القضاء عليهم، فعقل الدولة التركية يقف وراء أية أحداث قتل واغتيال تقوم بها الـ PKK بحقّ الكورد تحت مبرّر العمالة والتجسّس!!
فمن لم يدرك ويستوعب حقيقة جريمة اغتيال فريد أوزون لن يدرك إطلاقاً سبب اغتيال مدير الأمن العام -آسايش- معبر إبراهيم الخليل (غازي صالح آليخان) والذي اغتيل من قبل مسلّحي قوات الدفاع الشعب (HPG) الذراع المسلّح للـ PKK.
ورغم الانكار المستمر وعدم الاعتراف الرسمي، فليس هناك أية شكوك في ارتكاب كادر للـ PKK يدعى (أمين دال) لحادث اغتيال فريد أوزون بقرار صدر من هذه التنظيمات، فالقتل والاغتيال نهج للـ PKK، فانتقاء الهدف والتطورات الحاصلة بعدها تدلّ بوضوح على أن الجريمة تمّ التدبير لها بشكل ممنهج ومخطّط واسع، فقد تمّ اغتيال فريد أوزون من قبل الـ PKK، غير أنه وبعد الحادث مباشرة تكفّلت الـ PKK بإقامة مراسيم التشييع والدفن، وأشاعت دعاية بأن أوزون قتل على يد أبناء عشيرة بوجاك في روحاي، في محاولة منها لخلق العداء بين عائلة فريد أوزون وعشيرة بوجاك حيث كان أوزون من عائلة مرموقة معروفة وكبيرة، فكانت الـ PKK تطمع في ارتباط هذه العائلة بها، غير أن الرياح لم تجري بما اشتهته سفن الـ PKK فانكشف الحادث وفشلت هذه المؤامرة الوحشية الشنيعة للـ PKK، فلو سارت الأمور وفق ما خطّطت له الـ PKK لحدث عداء عظيم بين عائلة أوزون وعشيرة بوجاك ولقتل العشرات من الجانبين، فالـ PKK لم تألو جهداً في صناعة الفتن أمثالها لتحقيق مآربها وصالحها الضيّقة.
فالـ PKK دائماً ما اقتاتت على تقسيم الكورد وتجزئتهم وتشجيعهم على معاداة ومحاربة بعضهم البعض، وتوسيع الفجوة بين الأحزاب والأطراف السياسية والاجتماعية في المجتمع الكوردي، فبهذا تمّ القضاء على الطاقات الكوردستانية وجذورها من جانب الـ PKK والدولة التركية على حدّسواء!
فحادث اغتيال فريد أوزون كانت وراءه أسباب خاصة، تكشف عقلية الـ PKK وسجياها وخصائصها، ولن يكون بمقدور الكورد حقن الدماء التي تراق لغاية الآن ما لم يتمّ الوقوف على حقيقة ملابسات حادث اغتيال فريد أوزون والتنديد بها.