من الذي اغتال “بيريتان” ومن حوّل قصة حياتها وموتها للوحة خيالية؟!

كولناز كاراتاشيا والتي تعرف بـاسمها الحركي (بيريتان) إحدى الشخصيات التي أحيكت العديد من القصص والأخبار الكاذبة والمفبركة حولها، فلو قرأنا قصّتها لرأينا الكثير من الأقاويل والأحاديث قد قيلت بشأنها منذ يوم مقتلها في الـ 25 من تشرين الأول عام 1992، ولوجدنا أن تصاريح قادة البكك قد تباينت وتغيّرت وفق متطلبات وقتية وظروف آنية وقتها آنذاك، فأية جهة عادتها الـ PKK خلال مسيرتها السياسية كانت تتّهمها بمقتل بيريتان وتلفق بها تهمة القتل وقت عداوتها لتلك الجهة، فهي تحكي كلّ مرة قصة مغايرة تماماً للقصة التي حكتها من قبل! كون قصّة مقتل بيريتان قصّة رمزية منذ بدايتها تخدم مصالح الـ PKK السياسية الوقتية.

فلا كرامة لا للأموات ولا لحياة الإنسان لدى هؤلاء، فلو شاءت الأقدار أن تُبعث بيريتان من مرقدها لبصقت أولاً بوجه من استثمرت حياتها وموتها لمصالحهم، فقد كانت فتاة غيورة، ناضلت منذ نعومة أظافرها، لم تنحني لأحد، بل حتى للـ PKK نفسها، فحتى خلال فترة العام والنصف التي أمضتها في صفوف الـ PKK لم تنحني أو تخنع أو طأطأت رأسها لأحد حتى لمسؤوليها من قادة الـ PKK الميدانيين، لهذا، تمّ التشهير بها دوماً وانتقادها نقداً لاذعاً، كما أبعدت عن الكفاح وقتها! آنذاك، استثمرت الـ PKK موت بيريتان الصامدة، وجعلت من قصّتها منطلقاً لتحقيق مصالحها…

من يعرف كيف قضت بيريتان الحياة؟!

الصراحة هي أنه لا أحد يعلم كيف ومتى رحلت بيريتان، فقد صنعت الـ PKK سيناريوهات مفبركة حول قضية موتها، فيروى بأن البيشمركة نادوها وطلبوا منها الاستسلام فأجابت: “لن أسلّم نفسي للخونة” وأنها ألقت بنفسها من أعلى الجبل!

غير أن الحقيقة هي: أصيبت بيريتان في محور (ليلكان) بجروح بليغة، وهناك كان يتمركز بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني، انسحب عموم الگريلا من التلّ -الجرحى والمتعافين منه- ونزلوا منه، إلا بيريتان الجريحة فبقيت في حالها، كونها كانت طويلة القامة والتلّ الذي تواجدت عليه شديد الوعورة، ولم يحاول أحد إنجادها، في نفس اليوم، كان قائد ذلك المحور “عثمان أوجلان” في لقاء مع ممثّلي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني، بصدد توقيع اتفاقية، أي بمعنى أنه في الوقت الذي تركت فيه بيريتان للموت كانت هناك هدنة وقف إطلاق النار بين الـ PKK وبيشمركة كوردستان.

فنجى كلّ من تواجد في المحور الذي تواجدت فيه بيريتان، وانسحبوا من التلّ، وتمّ إنقاذ كافة الجرحى هناك، وأمضى عثمان أوجلان بنفسه الاتفاق مع البارتي واليكتي، حيث نصّ الاتفاق بتوجه عموم الگريلا لمخيم (زَلي) الحدودي مع إيران، وتمّ نقل عموم الگريلا من كلّ من حفتنين وجلي (جوكورجا) وخواكورك بعجلات أمّنها البارتي واليكتي إلى المخيم، وتلقّى كافة الجرحى العلاج في مستشفيات أربيل، فحتى من جرح بجانب بيريتان تمّت مداواة جروحه.

بعدما تُركت بيريتان في أعلى التلّ، لم يتوجّه بعدها أي عضو للـ PKK لموقع الحادث، ولم يُعرف أي أثر لها، وما نعرفه نحن هو أن البيشمركة جمعوا العديد من الجرحى والمصابين الذين تُركوا في الجبال وقاموا بتداويهم، ومن أراد بعدها التوجّه لصفوف الـ PKK أعادوه لمخيم زلي.

فبصدد قصة بيريتان، فالمعلومات الصحيحة الوحيدة هي ما ذكرناها، وما يقال بأن فلان قال كذا وأن آخر يقول كذا فكلّها سيناريوهات مزيّفة، غير أن أوجلان وبعد فترة ورغم بعده مئات الكيلومترات عن موقع الحادث، قيّم الحدث وفق ميوله وكأنه كان متواجداً في خضم الأحداث فصنع من بيريتان أسطورة ورمزاً!

ذكرى بيريتان تتحوّل لـ “أداة” سياسية

كانت قوات الـ PKK التي تحارب بيشمركة كوردستان في “كوزكا” في وضع صعب للغاية، لم يبق باستطاعتها الصمود أمام البيشمركة، خسرت كافة الجبهات الأمامية، آنذاك، كانت الدولة التركية قد وقّعت اتفاقاً مع الدولة العراقية وشرعت بعملياتها خارج الحدود.

عندما كان كلّ شيء يسير نحو الانهيار والزوال بالنسبة للـ PKK، أطلقت قوات البارتي واليكتي مبادرة لعقد اجتماع وتوقيع اتفاقية مع الـ PKK، أنقذت هذه الاتفاقية حياة ما يقارب من 2000 من الگريلا، فقد تحدّث الكاتب (روشَن جاكر) في مقال له عام 2008 عن قيادي أمني رفيع في الدولة التركية حيث قال: “لولا إنقاذ الجنوبيين للـ PKK من أيدينا لكنّا قد قضينا عليها تماماً”.

أوجلان مستاء من الاتفاقية رغم إنقاذها لقوات الـ PKK من الانهيار

عملية جذب المناضلين وإيقاد الكفاح المسلّح يدفع بآبو لصنع أساطير ورموز، كلّ ذلك من أجل اللعب على معنويات مقاتليه وحماسهم، فيصدر فجأة تعليمات حول بيريتان ويقول: “”نادى بيشمركة الطالباني بيريتان وطالبوها بالاستسلام، إلا أنها لم تستسلم، وقالت للطالبانيين: “لن أسلّم نفسي لكم أبداً، أنتم خونة، جئتم من الجنوب للقضاء على ثورة الشمال” وهذا ما أسّر الجنوب ووقع تحت تأثير شهادة بيريتان، والكلّ يتحدّث عنها”.

بعد مقولة أجلان هذه، تحوّلت حياة بيريتان وموتها للوحة خيالية، وما بين عامي 1994-1998 وبعد توثيق العلاقات بين الاتحاد والـ PKK قيل بأن بيريتان كانت قد قالت: “لن أسلّم نفسي للرجعيين المتخلّفين!” بهذا تمّت إزالة اسم الاتحاد الوطني من حادثة بيريتان، وبعد تأزّم العلاقات بينهما من جديد عام 1999 صرّح أوجلان من سجنه بإيمرالي بأن رجال طالباني اغتالوا بيريتان وقتلوها!

ولدى اندلاع المواجهات بين الاتحاد والـ PKK عام 2000 تذكّرت الـ PKK من جديد أن المحور الذي قضت فيها بيريتان الحياة إنما كان محور بيشمركة الاتحاد الوطني، فبقي الاتحاد مسؤولاً عن مقتل بيريتان لغاية 2013، غير أنه وبعد ترميم العلاقات بينهما من جديد وبالأخص بعدما أصبح جميل بايك (الرئيس المشترك لمنظومة المجتمعات الكوردستانية KCK) ووقّع اتفاقية استراتيجية مع الاتحاد وإيران، غيّرت الـ PKK هذه المرّة مسار مقتل بيريتان نحو الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- وقالت (آيلا ئاكات ئاتا) في 2015 بأن بيشمركة البارتي قتلوا بيريتان، ولكنها تراجعت ونفت أنها قالت قولاً كهذا بعد ردود أفعال غاضبة، وهكذا خطوة بخطوة نفت كافة مؤسّسات الـ PKK (KCK – PJAK- KJK) خلال منشوراتها استسلام بيريتان للبارتي.

بعبارة أخرى، أعادت الـ PKK صياغة سيناريو قصة “بيريتان” كلّ عشر سنوات بثوب جديد، هذه التناقضات والنفاق وعبادة المصالح في قضية مقتل بيريتان توضّح جوهر الـ PKK وتكشفه، فـ “بيريتان” تُستثمر كسنبلة ورمز في إطار الحرب والاقتتال بين الكورد، والملفت للانتباه هو التغاضي عن زيلان (زينب كناج) ونسيانها، تلك المقاتلة التي فجّرت نفسها بالجيش التركي! لاقتضاء العلاقة الاستراتيجية بين الـ PKK وتركيا نسيان فداء زيلان!

وقد أبرزت الـ PKK قضية بيريتان على وسائل إعلامها هذا العام لرفع معنويات مقاتليها لدى إعلانها الحرب على إقليم كوردستان وتهيئتهم لها.

يا قادة الـ PKK: كيف ستواجهون بيريتان؟! وماذا ستقولون لها؟! وكيف ستبرّرون كذبكم بشأن موتها؟!

مقالات ذات صلة