خلال الآونة الأخيرة، برزت تعقيدات واضطرابات جمّة، بين القوى المسلّحة التابعة للـ PKK والمنضوية تحت راية ميليشيات الحشد الشعبي وقوات حماية شنگال (YBŞ) من جهة، والجيش العراقي من جهة أخرى.
ورغم أن هذه التعقيدات والاضطرابات والتوترات قد تبدو لأول وهلة وكأنها متعلقة بالجانب الأمني لقضاء شنگال، غير أن الحقيقة هي أن الأسباب الرئيسية لهذه الخلافات متعلقة بالسياسة الإقليمية والساحة الدولية.
بداية حدوث التوترات -الاضطرابات-
بدأت هذه الإشكاليات والتعقيدات تشتدّ منذ كانون الأول للعام المنصرم 2021، حيث حشدت الـ PKK مجاميع من أهالي غربي كوردستان -كوردستان سوريا- وبعض أطفال الإيزيديين، ودفعتهم لمهاجمة مؤسّسات الدولة العراقية في شنگال، ومنعت المؤسّسات الرسمية للدولة من العمل وفق بيانات أصدرتها، متذرّعة بالاعتداءات المتكرّرة للغارات الجوية للدولة التركية التي استهدفت قياديها في المنطقة.
غير أن التعقيدات والاضطرابات التي حدثت إثر الانتخابات العراقية المبكّرة كانت ذات معان ودلالات أخرى، ولمعرفة الأسباب الحقيقية للأحداث لا بدّ من الإلمام بهذا الوضع المستحدث.
فقد حصدت الـ PKK وبشقّ الأنفس أصواتاً قلائل خلال في الانتخابات البرلمانية العراقية والتي جرت في 10-10-2021، وقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الـ PKK لا تمثّل شعب شنگال من الناحية السياسية، ولهذا تحاول الـ PKK التغطية على فشلها الشنيع في هذه الانتخابات وانتكاستها السياسية بهذه الجماعة الصغيرة من المحتشدين والمعتدين والتي يقودها كوادر للـ PKK من غربي كوردستان -روج آفا- وكوردستان تركيا، فهذه المظاهر والفعاليات إنما هي للتغطية على انتكاستها وفشلها الشنيع، ولا تسمح لغاية اليوم لممثّلي شنگال الحقيقيين والذين انتخبوا من قبل شعب شنگال مباشرة بالتواجد في المدينة وممارسة مسؤولياتهم التي كلّفهم بها أهالي شنگال بأصابعهم البنفسجية، وهذا ما يدلّ وبدون أدنى شكّ أن الـ PKK احتلّت شنگال، وتحاول التربع على المدينة المنكوبة ومصادرة إرادة الشعب الإيزيدي فيها بقوة السلاح وقسراً، وهذا رغم كونه ركيزة أساسية وجانباً مهماً للموضوع إلا أن الموضوع بمجمله أوسع وأكبر وأخطر بكثير نظراً لارتباطه الوثيق بالسياسة الإقليمية والدولية.
الخلافات بين العراق وتركيا
لم تكن تنظيمات حزب العمال الكوردستاني الـ PKK هي الوحيدة التي ذاقت مرارة الخسارة وطعم الهزيمة في الانتخابات العراقية فحسب، بل كان هذا المصير المشترك لكافة الأطراف والميليشيات والمكونات السياسية المرتبطة بالدولة الإيرانية وميليشيات الحشد الشعبي، فصناديق الاقتراع كانت كأبواب جهنم لها في هذه الانتخابات.
فمنطلق تمسّك القوى والأطراف الولائية لإيران بدفة الحكم في العراق والتربع على عرش الدولة كانت نتيجة الحكومات الشحّة والضعيفة الهزيلة التي تحكم العراق منذ 2004، فمنذ التأريخ المذكور استولت إيران على العراق بالكامل، وكانت تحاول تجريد العراق من سيادتها عن طريق هذه الحكومات الولائية، ومصادرة أية إرادة وطنية، والسير بالعراق وفق مصالحها وأهدافها بيد هذه الحكومات المتعاقبة، غير أن الحكومة العراقية المقرّرة تشكيلها جديداً من الكتلة الصدرية والمكون السنّي والكورد يبدو وبوضوح أن اليد الطولى لإيران منذ 2003 كان غائباً هذه المرة، بل بات ضعيفاً لدرجة لا تصدّق، والحكومة القوية في بغداد هي بمثابة كابوس رعب لكافة الميليشيات المسلّحة الولائية، والـ PKK جزء من هذه القوى والميليشيات، وهذا أيضاً سبب بارز ورئيسي وراء استهداف الـ PKK لحكومة الكاظمي خلال وسائل إعلامها والوقوف بوجهها، فالقوة التي تسمح بإطلاق الصواريخ على بغداد هي نفس القوة التي تسمح للـ PKK بخلق المشاكل والتوترات والاضطرابات والفوضى في شنگال.
الـ PKK: شنگال جزء من العراق!
لا يزال قادة منظومة المجتمعات الكوردستانية (KCK) وحزب العمال الكوردستاني (PKK) ومنذ عام 2015، يحاولون وبشقّ الأنفس استقطاع شنگال من إقليم كوردستان، فقادة الـ PKK أمثال بسي هوزات وآيدن ديرسم ومصطفى قارسو وغيرهم، كثيراً ما ظهروا على شاشات التلفاز وصرّحوا قائلين ودون خجل بأن (شنگال جزء من العراق، ونحن نريد أن نعيش في ظلّ علم العراق) ورفعت قوات الـ PKK وأجنحتها أعلام العراق في كافة أزقة وأحياء مدينة شنگال، غير أنهم الآن يرفضون الآن السلطة العراقية على المدينة! وتعيش في خلافات وتهاوشات مع الحكومة العراقية والجيش العراقي، علماً أن الـ PKK ليست قوة إقليمية، فيا تُرى ما هي أهداف الـ PKK في شنگال؟!
الإيزيديون لا يطاوعون تواجد الـ PKK في شنگال
موضوع أن تواجد الـ PKK في شنگال هو من أجل حماية الإيزيديين فيها بات مكشوفاً للجميع كذبه وبطلانه، وهو دعاية لمن لا يفقه السياسة الإقليمية، فسبب بقاء الـ PKK في شنگال إنما مرهون بموقع شنگال السياسي والهامّ.
فالشعب الإيزيدي لا يطاوعون ولا يقبلون بقاء الـ PKK في شنگال، وغير راضين عن هذا الاحتلال لمناطقهم، كما أن السلطة الدينية للإيزيديين ترفض احتلال الـ PKK لمناطقهم، فالبنية الاجتماعية للشعب الإيزيدي ترى هذه التنظيمات غريبة ودخيلة عليها، نعم تجمعت بعض العوائل حول الـ PKK من أجل الحفاظ على مصالحا إلا أنها لا تمثّل لا شنگال ولا الشعب الإيزيدي، بل جلّ ما في الأمر أنها تحاول الحفاظ على مصالحها الاقتصادية من وراء هذه التنظيمات، علاوة على ذلك، فلا تقبل الحكومة العراقية تواجد تنظيمات ومسلّحي الـ PKK في شنگال بأي شكل من الأشكال، كما لا تقبل بها حكومة إقليم كوردستان، بل القوى الوحيدة التي توافق على بقاء الـ PKK في شنگال هي إيران وتركيا، فكلتا القوتين تحاولان الاستيلاء والهيمنة على العراق، وتبذلان كافة جهودهما من أجل هذا الهدف، وكلتا القوتين في أمسّ الحاجة لمبرّر يبرّر تواجدهما في العراق، ووجود قوة متّهمة بالإرهاب على الأراضي العراقية مبرّر كافي وذريعة جيدة للبقاء في العراق وانتهاك سيادته، فإيران باقية في العراق بحجة تنامي داعش، وهجمات داعش في الآونة الأخيرة على مناطق متفرقة في العراق لها ارتباط وثيق بهذا الملف بشكل لا يُنكر! كما أن هناك أدلة ووثائق تؤكّد وبلا أدنى شكوك أنه كانت لإيران اليد الطولى في قضية فرار سجناء داعش الإرهابيين من سجن الصناعة بمحافظة الحسكة، فالقوة الوحيدة والتي تبرّر بل وتشرعن بقاء إيران وميليشيات الحشد الشعبي في العراق هي داعش وحده.
بلا شكّ، لن تبقى تركيا مكتوفة الأيدي في هذا المجال، سواء من أجل آبار النفط التي لم تحفر بعد، وكذلك من أجل الوقوف بوجه تحويل شنگال لحلقة في سلسلة الهلال الشيعي لإيران، فركيا باقية مهما كان! والقوة الوحيدة التي تشرعن بقاء الدولة التركية في العراق وإقليم كوردستان هي الـ PKK.
شنگال ساحة حرب مفتوحة بين تركيا وإيران
نعم، أصبحت شنگال ساحة حرب مفتوحة ولكن غير مباشرة بين تركيا وإيران، كما هي سوريا، فقد أعلنت منظمة (أحرار سنجار) أو سنجار الحرة والتي يُسمع بها لأول مرّة، أعلنت مسؤوليتها عن استهداف القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة، وهذه المنظمة هي في حقيقتها المتحدّث غير المباشر للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكأنها تقول لتركيا إياك والاقتراب من شنگال! وقد تبدو هذه كإرهاصة لتحويل شنگال لساحة حرب طاحنة.
بلاد الكورد الإيزيديين ستتحوّل مجدّداً لساحة حرب!!
ممّا يندى لها الجبين ما قامت بعض القوى من توجيه داعش نحو كوردستان وبالأخص مدينة شنگال، لإتمام فرماناتهم بحق الشعب الإيزيدي، نعم، هذا الشعب البائس أصبح ضحية مؤامرة دولية إقليمية، والأمرّ أن يتحوّل مرّة أخرى لضحية مؤامرة إقليمية أخرى، حيث ستجري حرب إقليمية شرسة بين كلّ من إيران وتركيا على أراضي شنگال المقدسة، فالآن يعاني أهالي شنگال، فكيف ستكون أحوالهم آنذاك؟! فأهالي شنگال يحصلون الآن على 4-6 ساعات فقط من الكهرباء يومياً، وما زالت معضلة ماء الشرب قائمة لديهم على قدم وساق،
وما زال الآلاف من أهالي شنگال يتذوّقون الأمرين في حياة المخيمات لغاية الآن ولا يقدرون على العودة لديارهم لانعدام الأمن والأمان والاستقرار، بل على النقيض فما زالت الحركة العكسية مستمرة، فما زال أهالي شنگال يتركون قراهم ومناطقهم ويتوجّهون للعيش في جحيم المخيمات، وأما الإيزيديين في جبل شنگال فيعيشون على المساعدات التي تؤمّنها بعض المنظمات الدولية ومنظمة البارزاني الخيرية! فبلاد الكورد الإيزيديين يعاني البؤس والبطالة والجوع وجهالة المستقبل والمصير! من جابها تحاول كلّ من إيران وتركيا تحويل شنگال لساحة حرب مفتوحة وشرسة وذلك عن طريق وكلائها من الحشد الشعبي والـ PKK، فالـ PKK تحفر الأنفاق دون انقطاع أو كلل في جبال شنگال، وتنقل المقاتلين من غربي كوردستان -كوردستان سوريا- لهناك، بينما يتمّ وبالتزامن مع مجريات هذه الأحداث مصادرة إرادة الشعب الإيزيدي وإرغامه على عيش الذلّ والمهانة والبؤس!
هذا وقد وقّعت كلّ من بغداد وأربيل اتفاقية برعاية ممثّل الأمم المتّحدة، في الـ 9 تشرين الثاني عام 2020، من أجل تطبيع الأوضاع في مدينة شنگال المنكوبة، الهدف من الاتفاقية تجسّد في عودة أهالي المدينة لديارهم وقراهم ومنازلهم، وعودة الحياة إلى المدينة من جديد، غير أن المدينة ما زالت تحت سطوة القوى المسلّحة والوكيلة لهذه الدول (الـ PKK وأذرعها وأجنحتها والحشد الشعبي وفصائله وميليشياته) فينبغي طرد هذه القوى وإبعادها عن المدينة وإخراج المدينة المنكوبة من سطوتهم المسلّحة لإبعاد شنگال من تحويلها لساحة حرب وصراع على المصالح بين الدول الإقليمية، وكلّ هذا مرهون بتنفيذ بنود الاتفاقية المبرمة بين حكومة إقليم كوردستان وحكومة العراق الاتحادية، آنذاك ستتيّم شنگال نحو كوردستان الأم، كما سيتوجّه الكورد الإيزيديون نحو الوطن الأم وسينجون من مصيدة القوى المسلّحة غير الشرعية على حدّ سواء الـ PKK أو الحشد الشعبي، ولهذا فتنفيذ الاتفاقية بكافة بنودها ضرورة تأريخية ووطنية لمستقبل شنگال والشعب الإيزيدي.