فاجعة مؤلمة هزّت إقليم كوردستان يوم أمس، حادثة مؤلمة وقعت إثر قصف دولة الاحتلال التركي لمنتجع (برخ) وأوقعت مجزرة بحق الأبرياء، لو سرّ الحادث أي كورديٍ كإنسان فعليه مراجعة نفسه والتشكيك بذاته، فهي كالمآسي والمجازر التي مورست بحق الكورد على مدى التأريخ… غير أن الحقيقة التي ينبغي توضيحها هنا هو أن حادثة “برخ” بدّدت الشكوك وسحب الغمام حول قضية جوهرية، قضية أنه “لغاية الآن لم تبدي العراق أية مواقف جدّية صارمة حتى أصبح العرب ضحايا القصف التركي!” لذا ينبغي على الكورد طرح هذا السؤال على أنفسهم: أيا تًرى لماذا دماء الكورد رخيصة مهانة بينما دماء العرب غالية مباركة؟!
المقال لا يهدف إلى إثارة النعرات الطائفية، غير أن هناك بعض الحقائق من وراء الأحداث التي حدثت مؤخراً ينبغي تسليط الضوء عليها ليقوم القارئ الكريم بتقييمها بنفسه…
منذ 10 سنوات… يستمرّ قتل الكورد في أحداث مثل حادث “برخ”
لو تحدّثنا عن الصراع الدائر بين حزب العمال الكوردستاني PKK والدولة التركية خلال العشر سنوات الأخيرة على أراضي إقليم كوردستان، لوجدنا أن أكثر من 130 مواطن مدني غالبيتهم من مناطق بهدينان استشهدوا ووقعوا ضحايا هذا الصراع وأحداث ومجازر مثل مجزرة “برخ” غير أنه لم ينطق أحدٌ ببنت شفة! الصمت كان سيّد الموقف دوماً، إلا ما ندر من تبنّي الحكومة الاتحادية في العراق لمواقف مخجلة فعلاً، واستنكارها استنكاراً شكلياً لا مبالياً لاستشهاد الكورد! فلم نر أهمّ وأكثر من ذلك من الدولة العراقية، فلم تتّهم الـ PKK بالوقوف وراء هذه الجرائم، ولم تتّهمها بتبرير انتهاكات تركيا لسيادة العراق؟! ولم تقل لها بأن شعبنا الكوردي في العراق يموت بسببكم وتواجدكم على أراضيهم؟!
حادث “برخ” وسفرة “نيروه”
فمنذ عشرات السنين، يتعرّض شعب إقليم كوردستان من مدنيين أبرياء وموظّفين وقرويين ومتنزّهين… لهجمات طرفي الصراع على أراضي إقليم كوردستان، يصبحون ضحايا حرب شكلية ومعارك وهمية زائفة بين الدولة التركية والـ PKK، ويستمرّ استهداف بيشمركة كوردستان من قبل الـ PKK، فأصوات المدافع التركية وقصفها المستمر في ئاميديي -العمادية- وديرالوك وشيلادزي تعلو أصوات تكبيرات الآذان ومنابر المساجد، رغم كلّ هذا، لم نر يوماً لا كبار المسؤولين العراقيين ولا العراقيين أنفسهم قالوا يوماً للدولة التركية الفاشية وتنظيمات حزب العمال الكوردستاني المرتزقة للدولة التركية المحتلّة: كفى! لماذا تفعلون هذا؟!
فقبل فترة، وقعت مجزرة مماثلة بالقرب من ناحية بامرني، عندما توجّه أهالي قرية زيوا سري التابعة لعشيرة (نيروه) وتمّ استهدافهم بالقصف، واستشهد طفلان، أيا تًرى لماذا لم تبدي الدولة العراقية أية مواقف جدية من الحادث؟! وماذا يقول الكوردي البائس عندما يقارن بين حادثتي “برخ وبامرني” ويرى ذا الاختلاف الشاسع في أسلوب التعامل وطريقته معهما؟! أليس من حقّه أن يتساءل: لماذا ينظر بهذه النظرة المنحطّة لدماء أطفال الكورد؟!
استثمار حادث “برخ”
منذ وقوع مجزرة “برخ” ولغاية الآن، العراق بجميع أطيافه ومكوّناته، والمعارضة الكوردستانية بمجملها، وأتباع إيران في السليمانية عموماً، وأنصار الـ PKK وأتباعها المغطّين ذواتهم بعباءة الإعلاميين والنشطاء المستقلّين، جميعهم تظافروا وتوحّدوا في جبهة انتقاد حكومة إقليم كوردستان، فاستنكروا مواقف حكومة الإقليم وعدّوها “مخجلة”، فقسم من هؤلاء يحاولون استثمار حادث “برخ” لمعاداة حكومة إقليم كوردستان، بينما يحاول آخرون إبداء حكومة إقليم كوردستان وكأنها لا تمتلك اية مواقف في حين يحاولون إظهار الحكومة العراقية بأنها ذات موقف جدّي وقوي! في حين أصبح القسم الثالث منهم امتداداً للخطاب الإيراني والحشد الشعبي والـ PKK عمداً وبتقصّد.
شوفينية بغداد تجاه الكورد لم تنجلي بعد…
باختصار، ينبغي على الكورد ألّا يخدعوا أنفسهم، عليهم أن يدركوا ويعلموا جيداً أن “بغداد لم تتّخذ أية مواقف جدية تجاه تركيا حتى أصبح العرب ضحايا صراع تركيا والـ PKK” ينبغي على الكورد أن يعرفوا جيداً مستوى الفكر الشوفيني لبغداد تجاه الكورد، فعندما قتل الكورد في حادث مثل حادث “برخ” لم تصل أية لجان بهذه السرعة وعلى هذه المستويات العالية لموقع الحادث في دهوك! ولم نر أية احتجاجات غاضبة أمام القنصليات التركية وسفارتها في بغداد، ولم نر أية أعلام تركية تحرق! أيا تًرى ألا تكشف كلّ هذه الأمور مدى الاختلاف الشاسع والواسع بين دماء الكورد والعرب؟!!
ختاماً، نقول، أنه ينبغي على إعلام إقليم كوردستان أن ينأى بنفسه عن محور الخطاب الشوفيني العنصري للعرب، وألّا يبقى امتداداً له، أو للحشد الشعبي والـ PKK، ينبغي ألا ننخدع بمواقف وتصريحات ساسة بغداد ونتعلّق بها هذا التعلّق، فمن يجب إدانته وشجبه ليست الدولة التركية المحتلة وحدها، بل عملاؤها ومرتزقتها في قنديل أيضاً، فلا تختلف العراق وإيران وتركيا وسوريا عن بعضها البعض سوى اسماً، فأربعتهم ذات الشيء ونفسه، محتلّون لكوردستان ولا يرتوون من دماء الكورد أبداً.