يوم السبت الماضي، نظّمت الـ PKK تظاهرة في مدينة دوسلدورف الألمانية، الملفت للنظر خلال التظاهرة هو حمل المتظاهرين حذاء من ماركة (MEKAP) والتي كان مسلّحوا الـ PKK “الگريلا” يلبسونها خلال التسعينيات، ففي مقدّمة الحشد رفع المتظاهرون حذاء (MEKAP) كبيراً، بينما حمل المتظاهرون نساءً وشباباً الأحذية فوق أكتافهم، ولو سألتهم: لماذا ترفعون الحذاء؟! لقالوا: تقديراً لنضال الگريلا! غير أنه لا توجد أية علاقة تربط الحذاء بالگريلا أو كوردستان أو المقاومة ضد المحتلّ أو الموقف ضد الاستعمار! بل الارتباط الوحيد لرفع الحذاء في مقدمة المتظاهرين باسم الكورد في أوروبا هو باللقاطة -جهالة النسب والمصدر- وعبادة الأصنام.
اللقاطة-جهالة المصدر- من قيم الابتعاد عن الذات وضياعه
فاللقيط بمدلوله السياسي يعني ضياع الجوهر وغرابة القيم والمبادئ، وإيصال شيء مختلف والانقطاع عن الأصل، بينما عبادة الأصنام بمعنى ضياع الحق والحقيقة وتقديس شيء بلا معنى، فنضال الـ PKK بعد أربعة عقود من المعارك والحروب، أوصل جماهيرها وأتباعها لتقديس حذاء! ذلك النضال الذي تسبّب بحرق 5 آلاف قرية في كوردستان تركيا، وموت 30 ألف شخص ما زالت مقابر الآلاف غير معلومة، بل أصبحت كوردستان تركيا تعاني اليوم أكثر من وطأة الاحتلال، فالشعب نسي التحدّث بلغته الكوردية السائرة في طريق الضياع، كما أن مخاوف عظيمة تهدّد من عملية انصهار نهائية للكورد في كوردستان تركيا، رغم كلّ هذا حشدت الـ PKK جماهيرها من كوردستان تركيا حول حذاء مردّدة بهم شعارات الانتصار!
مصيدة الكورد: أوجلان وموت شباب الكورد
جعلت الـ PKK قدر الكورد في كوردستان تركيا مجهولاً خائباً بين صور أوجلان وحذاء MEKAP، والحق أن التقديس والعبودية كانت لـ “آبو” وحده في الماضي، غير أنه يبدو أن صور أوجلان لا تكفي وحدها، لهذا تحاول الـ PKK تقديم أحذية الگريلا والگريلا كقوالب أبرز، واستغلال الأحداث وتقييمها بشكل أكثر حساسية بقليل.
في الحقيقة، نستطيع القول بأن الفكر العميق والذي يدير الـ PKK نجح إلى حدّ كبير في إيقاع الكورد في مصيدة حذاء MEKAP وصنم عبد الله أوجلان، بحيث وصل الإنسان بين الصنمين لمستوىً لا يفهم الحقيقة أو يميّزها.
فمن جانب، يموت الشباب بشكل يومي، ويقدّس الموت، بحيث يحظر الحديث عنه سوى الدعاء للموتى وطلب الرحمة لهم، وهكذا أصبح تساؤلنا: لماذا تدفعون من في ريعان شبابهم نحو الموت؟! أصبح هذا التساؤل جرماً وجناية لا تغتفر، بشكل طبيعي، فالـ PKK تعدّ الموت بطولة وبلوغ غاية الشرف! لهذا لا يحقّ لأحد الحديث عنه إطلاقاً، فأفطست الـ PKK الكورد في دوامة (الدم-الموت-الإيمان)، والسبب الرئيسي وراء تقديس الـ PKK للموت وتكريمه لهذا الحدّ هو حاجتها إلى يفني ذاته من أجل بقائها هي…
الگريلا هو كبش الفداء
العارف بالـ PKK يدرك جيداً أنها لو جعلت من شيء رمزاً، فمن المؤكّد أن لها مقاصد وراءه، وهي هنا بأمسّ الحاجة إلى الموت لهذا قامت بخلق أسطورة حول قتلى الگريلا فهي من جانب زادت من تشويق الموت للكريلا وشوقهم إليه، كما أجّجت في الوقت نفسه مشاعر الثأر والانتقام لدى جماهيرها.
والحق أن الگريلا ما زالوا صغاراً، مغروراً بهم، فيموت الكريلا الشباب الذين تمّ غسل أدمغتهم وسلبت منهم حريتهم في الحياة والتعبير منذ طفولتهم، فكما الشاة تربط أمام البيت لذبحها وتقديمها قرباناً كذلك يتعامل مع الكريلا الصغار!
فيتمّ ربط الكبش أمام البيت ويتمّ تزينه بالحناء ووضع قلادة حول عنقه لحمايته من العين، ويتمّ ذبحه لدى الحاجة للحمه، فكذلك الكريلا، يتمّ تسجيل مقاطع فيديو لهم، يغنون ويلتقطون الصور، يكتب عنهم القصائد والأشعار يتمّ صنع الأحذية لهم، وعندما يقضي حياته يتمّ نشر هذه المشاهد فالـ PKK تهيؤهم للموت وترسلهم لجبهاته أي أنفاق الحرب، ولا تعلنهم حال موتهم بل تؤجّل إعلان موتهم لسنوات…
ولو قال أحد الكريلا أشعر بالتعب، وحاول ترك التنظيم فمصيره القتل وفي الحال، ويتمّ تخوين من أمضى طيلة حياته في صفوفها وفقد رجله أو يده لدى تركهم لصفوف التنظيم، نعم فالكريلا كبش الفداء، الكريلا جثامين حية تتوارى الـ PKK من ورائها.
أمّا من يعيش في أوروبا فحياتهم مضمونة، ينزلون إلى الشوارع ويقدّمون دعمهم المعنوي لأطفال الفقراء الذين ينتظرون الموت المحتّم في أعالي الجبال!
الكريلا ضحايا وقرابين، تضربهم الدولة، بعد رمي الـ PKK أمام سيف الدولة الفاشية، ولكي تستثمر موتهم جيداً تقوم الـ PKK بتشييع جثامينهم ودفنها بإطلاق الزغاريد، في حين لو أراد هؤلاء الخروج من أطر التنظيم لقتلوا! فلو كانت تلك الجماهير فعلاً تجلّ للكريلا وتعظّمهم لتساءل عن سبب توجيه الـ PKK المعتمد لهؤلاء الأطفال نحو الموت؟! لتسائل عن سبب حشرهم في أنفاق الموت؟! لتساءل عن سبب تأخير إعلان موتهم؟! فيا ترى لماذا لا تُسأل الـ PKK هذه التساؤلات؟! فعوض أن تفتخر عوائل الكريلا بأطفالهم فليتساءلوا (هل كان ضرورياً قتل أطفالنا؟!).
باختصار، موت الكريلا يفتح باب المصالح والفوائد للـ PKK على مصراعيه، فتجري الاحتفالات في أوروبا لهذا الغرض، كلّما مات أحد الكريلا قامت قيادة الـ PKK في أوروبا بقطع الضرائب أكثر، الكلّ ينتفع من موت الكريلا، فكما يقول الكورد من مات فقد خسر نفسه، هذه هي الحقيقة.
فمن الواضح أن جماهير الـ PKK في أوروبا تعتقد أنهم أحرار في رفعهم حذاء MEKAP أحرار، وأن هذا جزء من المقاومة والنضال، نعم بقي الحذاء وحده لم تطف به الكورد المخلصين للـ PKK! يا للأسف!!
علماً أن ماركة حذاء MEKAP ليس رمزاً للنضال والمقاومة أو وجود الكورد! بل يمكن اعتبار هذا العمل رمزاً لمصيادة الكورد بكلّ سهولة! فقد انتهى موضة هذا الحذاء عام 1999!
هذه هي حقيقة كوردستان تركيا شئنا أم أبينا، فبعد 40 عاماً اخترعوا مسألة الحذاء المقدّس! بل جعلوا أبناءهم يقبّلون هذا الحذاء!! أسلوب لا يدلّ سوى على ضياع المجتمع الكوردي في كوردستان تركيا وتيهه، وعدم امتلاكه لوعي راقي حرٍّ على الإطلاق…