إعلام إقليم كوردستان ومعضلة عداء الذات!

تتواصل العملية العسكرية (المخلب-القفل) التي أطلقها الجيش التركي نيسان 2022، وينشر طرفا الصراع حصيلة المعارك خلال العملية بشكل يومي، ولو راجعنا الإحصائيات التي نشرها طرفا الصراع لوجدنا أن عدد القتلى زاد عن 3000 شخص لغاية اليوم…

ولكن الأمر يختلف بالنسبة للخبراء المختصّين في المجال السياسي والاجتماعي والعسكري، فهم يدركون جيداً لدى رؤيتهم هذه الإحصائيات أنها غير صحيحة وأن الأعداد الواردة فيها مبالغ فيها حتماً، وأن الطرفين ينشران معلومات كاذبة مضلّلة لخداع جماهيرها، وأن ما يجري لا يعدو سوى حربٍ إعلاميةٍ دعائيةٍ يتغنّى كلّ طرف على هواه.

وبالأخص الـ PKK فنستطيع القول إنها تلقّت هزائم وانتكاسات عظيمة عسكرياً خلال السنوات الأخيرة في شمالي كوردستان-كوردستان تركيا، غير أنها تفوقت في تضليل الرأي العام الكوردي بالأخبار الكاذبة والمفبركة وكسب المعركة الإعلامية، والحق كما يقال بأن الـ PKK سخّرت 60% من قوتها الحزبية في الحرب الإعلامية، أي أنها تحاول الظهور بمظهر المنتصر الغالب على الإعلام أكثر منه في الواقع…

الموقف الهشّ لإعلام إقليم كوردستان

في هذه الأثناء، يدير الطرفان حرباً إعلامية شرسة، ولكن المؤسف هنا هو الدور الهشّ للمؤسّسات الإعلامية في إقليم كوردستان والمتمثّل في (نسخ-لصق) الأخبار التي ينشرها طرفا الصراع (الـ PKK والدولة التركية!) وخدمتهما، وعدم القيام بمهامها المتمثّلة في إعلام الرأي العام بحقيقة الأحداث الجارية، فعند إطلاق رصاصة في جبهة ما… ينتشر الخبر على منصات التواصل الاجتماعي كخبر عاجل، ويتحوّل فجأة على هذه المنصات إلى عناوين بارزة كـ “الگريلا تستهدف قاعدة تركية!” أو “تحييد 2 من مقاتلي الگريلا” دون أن تتمكّن المؤسّسات الإعلامية لإقليم كوردستان من التحقّق من صحة الخبر أو نشر حقيقته أو الكشف عن حقيقة الصراع وأهدافه وماهيته!

لهذا، يعتقد من يعيش بعيداً عن ساحة الصراع أن الدعايات والإشاعات الواردة هي حقائق، وبالأخص إذا كانت موثّقة بفيديوهات مصورة ينشرها أنصار الأطراف المتعاركة، آنذاك، فأصوات بعض القذائف تحدّد مستوى حدّة المعارك هناك.

آنذاك، تتعرّض الأطراف التي تنتقد الـ PKK، أو حتى التي تحاول نشر محصلات حقيقية للحرب الدائرة بين تركيا والـ PKK على أراضي إقليم كوردستان، تتعرّض لهجمات عنيفة من الطرفين، وخصوصاً من الـ PKK التي تدير حرباً خاصة في هذا المجال، وتسبّبت بضغط نفسي عنيف على الإعلام الكوردي، فهي اعتادت إخفاء انتكاساتها وهزائمها، ولهذا يتمّ تقييم محاولات الكشف عن زيفها وأكاذيبها ضرباً من الخيانة بالشعب الكوردي! غير أن الدور الحقيقي لإعلام كوردستان يجب ألّا ينحصر في نشر أعداد القتلى والجرحى وصور المعارك ومشاهد الاشتباكات، بل واجبه الأساسي هو الكشف عن أهداف هذه الحرب ومقاصدها ونتائجها المدمّرة على كوردستان.

دحض الدعاية السوداء للـ PKK

لغاية اليوم، لم يتمكّن إعلام إقليم كوردستان من كشف الأسباب الرئيسية وراء الحرب الدائرة بين الدولة التركية والـ PKK، دعك من هذا، لم يستطع حتّى توضيح قضية أن إيقاف هذه العمليات ليست من مهام إقليم كوردستان، بل هي من مهام وواجبات الدولة العراقية، فلم يتّضح بعد للرأي العام الكوردي ماهية بنود المعاهدات التي تطلق الدولة التركية هذه العمليات وفقها وعلى أساسها!

بهذا أصبحت الساحة خالية أمام إعلام الـ PKK، فواصل ادّعاءاته ومزاعمه بتعاون ومشاركة إقليم كوردستان في العمليات العسكرية التركية، وأن بيشمركة كوردستان يحارب الگريلا، دون أن يردّ إعلام كوردستان على هذه الادّعاءات لغاية الآن ويدحضها.

فعلى سبيل المثال، نشر إعلام الـ PKK في الآونة الأخيرة أن الجيش التركي توجّه من إقليم كوردستان للتمركز في تلة هكاري تلك التلة التي ترى من مركز مدينة ئاميديي-العمادية، فوفق إعلام الـ PKK أن العساكر الأتراك قدموا لمركز ئاميديي وعبروا هناك لمنطقة نهيلي، حينذاك، كان لزاماً على عموم أهالي منطقة ئاميديي ونهيلي رؤية هذا الشيء، فالكورد الذين يتابعون وسائل إعلام الـ PKK وخصواً أهالي كوردستان تركيا-شمالي كوردستان ممّن لا إلمام لهم بخريطة المنطقة، يعتقدون صدق هذه الأكذوبة، غير أن الحقيقة هي أنه لم يحصل شيء كهذا، بل هاجمت الدولة التركية تلة هكاري عن طريق المقاتلات التي كانت تقلع من ئامد، وتمّ إنزال الجنود في منطقة نهيلي عن طريق الهيلوكوبترات التي كانت تقلع من جلي، ولو توجّه مراسل لمنطقة ئاميديي ونهيلي والتقى بالقرويين هناك وسألهم: “هل عبر جنود الأتراك قراكم للتوجّه إلى قمة متينا؟” لانفضحت أكاذيب الـ PKK وافتراءاتها في الحال، ولكن للأسف الشديد لم نر أي إعلامي أو صحفي قام بهذا العمل!

إعادة التنظيم من جديد…

مهما بلغ إعلام إقليم كوردستان من التطور والتقدّم التقني، إلا أنه بحاجة ماسّة إلى تولية اهتمام خاص بالجانب الإعلامي من حيث الكشف عن حقيقة الخبر، وتقديم الإجابات الصحيحة لكافة المسائل، ولتحقيق هذا الغرض ينبغي على إعلام إقليم كوردستان إعادة صياغة جوهره من جديد وفق التطورات المستحدثة، وتثقيف ذاته وإحداث تغييرات جذرية وجدّية على مسيرته، نعم هو يمتلك نية صافية خالصة، غير أن التثقيف والتغيير ضرورة لا بدّ منها.

ماهية العلاقات بين الـ PKK وقوات الجيش التركي المتواجدة في كاني ماسي وشيلادزي؟

لو كانت هناك مقاومة أسطورية بهذا الحجم فعلاً فلمَ لا نسمع ولو صوت طلق ناري في جبال كوردستان تركيا؟! فحتّى قارايلان بنفسه قال خلال كلمته لوكالة ANF والتي نشرت في الأول من آب، أن الهجوم على القاعدة التركية في شيلادزي إنما كان هجوماً تحذيرياً!

فقال قارايلان: “ولهذا كان تحذيراً لقوات الاحتلال المتمركزة في الجنوب-إقليم كوردستان- سابقاً، لئلا تتدخّل هذه القوات في هذه الحرب، فلو تدخّلت هذه القوات في الحرب، آنذاك ستصبح أهدافاً لقواتنا أينما كانت، لدينا هذه الفرص، وأنا على يقين أنّ رسالتي ستصل للجهات المعنية والمسؤولة” فقارايلان الذي تحدّث على جهاز اللاسلكي الكبير، أوصل رسالته غير المباشرة هذه للقوات التركية المتمركزة في إقليم كوردستان، وهذا بمعنى أن الـ PKK تحارب بعض قوى الدولة التركية المحتلة في إقليم كوردستان دون بعضها الآخر، فلا تحاربها! فعلى سبيل المثال لم تكن تحارب القوات التركية المتمركزة في شيلادزي بل كانت بينهما لقاءات واتّفاقيات ومعاهدات، وكانت قد أبرمت معها هدنة وقف إطلاق النار، غير أن هذه المعاهدة القديمة ألغتها العملية العسكرية الأخيرة في الزاب ونقضتها.

مقالات ذات صلة