سفسطائية إيران وصراع النفوذ 

سفسطائية إيران وصراع النفوذ 

بقلم… ماهر حسن

ما تطرحه حكومة إقليم كوردستان في مقاربتها لحلّ الأزمة السياسية في بغداد، ولا سيّما مبادرة الرئيس نيجيرفان بارزاني، التي كانت الأكثر إنصافاً وواقعية، كما-يبدو أنَّ سياسيون عراقيون باتوا يدركون هذه الحقيقة، وباتوا على يقين تام بدور الإقليم لخروج سلس ومتدرج للعراق من مأزقها.

على ما سبق، الحراك الدبلوماسي الكوردستاني الذي شهدناه في الآونة الأخيرة، وما رافقه من تصريحات تبدو إيجابية ظاهرياً، فإنَّ إيران بعثت رسالة سلبية باستمرارها في التدخل بشؤون العراق من خلال استهداف إقليم كوردستان بأسلحة ثقيلة، بما يؤكّد إصرارها على العرقلة السياسة، الأمر الذي من شأنه أن يعقّد أيّة فرص أو جهود لإيجاد حلول جذرية للأزمة التي قد تعصف بالعراق.

وعلى الرغم من محاولات إيران الاستمرار في استثمار الموقع الجيوسياسي في الساحة الإقليمية، من خلال المساعدة المادية والعسكرية للعراق، ودورها الفاعل في الساحة السورية إلى جانب الروس، أو باستمرار العلاقة الجيدة مع تركيا، فأنها بدأت تدرك أن خيارات لعبة التوازن لا يمكنها الاستمرار، بفعل إصرار النخبة السياسية في بغداد على سبيل المثال على عدم التدخّل في شؤون البلاد، إضافةً إلى عدم اكتراث الشعب الايراني للحكومة التي انقلب عليها وخرج بمظاهرات حاشدة ضد الحكومة في طهران.

تحتاج المسائل الخلافية الصعبة الحلّ في بغداد إلى وفت طويل حتى يتم الاتفاق، الذي لا يمكن أن يستند إلى معادلة رابح بين الكتل السياسية، ففي ذلك خسارة للعراقيين ولا يمكن أن تتحقق هذه المعادلة إلا بعد رفض التدخّل الإيراني إذ خلقت حكومة طهران سياقاً جديد أغلق عنها رؤية التحديات، وأغرقها في البحث عن مصالحها الآنية، فلا ترى الواقع إلا من زاوية نفسها، لتحمل مفاسد شرعية، وتنتصر لسياسات الاستبداد.

لذلك، وفي ظلِّ تصاعد وتيرة الاعتداءات الإيرانية ونوعية المواقع المستهدفة، هناك عدة تساؤلات تستحوذ على نقاشات الشارع العراقي ولا سيّما الكوردستاني منها: متى يمكن أن تتوقف هذه الاعتداءات في ضوء الواقع الراهن المتخم بالنزاعات العسكرية والسياسية؟ وما طبيعة الضغوط التي يمكن أن تجبر “طهران” على احترام سيادة العراق وخاصة انّ الساحة العراقية تفتقر حالياً إلى مبادرات تبني على المصالح المشتركة وجوانب التفاهم أكثر من تطرقها واهتمامها بنقاط الخلاف القائمة بين الكتل السياسية؟ وهل محافظتها على وتيرة الاعتداءات يعني أنها قد تُدخل مواقع أخرى إلى قائمة الأهداف المراد استهدافها؟ وخصوصاً أن فعل الإدانة الوحيد الذي كان يصدر عن بغداد لم يعد موجوداً، إما مشغولة بمشاكلها الداخلية، أو أنَّها على علاقات جيدة مع إيران، وإما أنها على خلاف سياسي مع إقليم كوردستان، أي ليس ثمة أمل بانتظار موقف حاسم من بغداد حيال الاعتداءات المتكررة على إقليم كوردستان.

لا شكّ في أنّ القوى الخارجية خلقوا سماسرة بين الشعب العراقي يبيعون مبادئهم بمكتسبات مادية ضئيلة لن تعني شيئاً، ولكن لا تكمن المشكلة بهؤلاء، فهم لا يشكّلون إلا القلّة الضئيلة.

المشكلة تكمن في الشريحة الساكتة عن الحقّ، والتي لا تمتلك الجرأة مثقال ذرة لتسمّي الأشياء بمسمّياتها، خوفاً على منصب أو مكتسب أو خوفاً من ردود الأفعال، لذا حتى تحقّق دولة العراق السيادة، فإن عليها تعميق الوعي الجمعي الجيوسياسي بحقيقة ما يجري في العراق، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتحريك المجتمع العراقي ككل للانخراط في إدارة شؤون تحت عنوان ثقافة الصحوة، وتعزيز الولاء الوطني، خصوصاً في أوساط الفئات العراقية المتذبذبة في موقفها من إيران.

مقالات ذات صلة