Skip to contentشيفرات جميل بايك
جميل بايك، شخصية تتحدّث بالشيفرات والألغاز، ولو كان الإنسان يجهل تأريخ الكورد ومجتمعهم، فسيصعب عليه آنذاك فكّ شيفرات جميل بايك وفهم حقيقة أقواله، وبمناسبة يوم العمال العالمي لهذا العام 2023، واقتراب موعد الانتخابات التركية، تحدّث جميل بايك لوكالة فرات للأنباء (ANF) التابعة لحزبه، وعرض بعض القضايا على شكل لعبة مسرحية، ولو أنقينا كلامه وطرحنا منه عباراته اليومية التي لا معنى لها سيتّضح لنا آنذاك نتاج كلامه والذي يقول فيه بايك ويؤكّد بنفسه أنه بعد مقتل حقّي قرار قال السيد آبو: ما دام شهداؤنا أراقوا دماً فلن نتراجع خطوة للوراء من الآن فصاعداً!
كذلك يذكّرنا جميل بايك بأقوال دنيز كزميش في ساحة الإعدام عندما قال: “يحيا النضال المشترك للشعبين الكوردي والتركي”.
وبهذه المناسبة أيضاً، يقول جميل بايك إن عبد الله أوجلان وكمال بير وحقي قرار، كانوا أصدقاءً مقرّبين ورفاق درب، وأنهم أسّسوا معاً أسس إيديولوجية البكك ونضالها.
باختصار، سنحاول هنا تقييم أقوال بايك هذه، وفكّ شفراته، لنعرف ما الرسائل التي يحاول إيصالها إلينا من وراء هذه الشفرات؟!
هناك مربع في مقال بايك، هذا المربع تستند كل زاوية منه على شخص، هم (عبد الله أوجلان، كمال بير، حقي قرار ودنيز كزميش).
أيا تُرى من هؤلاء باختصار؟
كمال بير
كمال بير شخص تركي، كان له إيمان عميق بالفكر اليساري اللينيني-الماركسي، كان يحاول تأسيس نظام اشتراكي في تركيا، ولتعزيز قولنا هذا، عندما ألقي القبض على كمال بير من قبل الدولة التركية لم يكن حزب العمال الكوردستاني قد عقد مؤتمره التأسيسي بعد، بمعنى: بمعنى أنه عندما عقد المؤتمر التأسيسي في أطرف ئامد كان كمال بير في السجن ويتمّ التحقيق معه:
المحقّق: كمال أنت مواطن تركي، ماذا تفعل في رفوف حزب كوردي؟
كمال: نعم أنا تركي وأفتخر بهويتي التركية، وحزبنا (P.K.K) ليس حزباً كوردياً، ولا علاقة له بالقومية الكوردية!
المحقّق: ما دمت لا تملك أية علاقة بالقومية الكوردية، فلماذا تطالبون بحقوق الكورد؟
كمال: لم نطالب بأية حقوق للكورد، ما فعلناه فقط هو أنّنا استخدمنا أرض الكورد وشخصية الكورد لتحقيق استراتيجيتنا، واستراتيجيتنا هو الحصول على السلطة السياسية لإدارة الدولة التركية وفق نظام اشتراكي.
والجدير بالذكر، نُشر نصّ هذا التحقيق بإسهاب في صحافة ومنشورات حزب العمال نفسها بعنوان (نضال أربعة أشخاص) والمعنى أن كمال أوضح هنا أن نضالهم السياسي لا علاقة له بالأمة الكوردية قطعاً، سوى استخدامهم لأرض الكورد والكورد لتحقيق أهدافهم، لأن الشعب الكوردي كان مضطهداً وكان على استعداد لتحمل كافة التكاليف، بمعنى أن حزب العمال استخدم الكورد كتكتيك وليس كهدف.
حقي قرار
حقي قرار، شخص متكاسل ذو فكر يساري، وهو أحد مؤسّسي الجماعة الإيديولوجية اليسارية التي كان يترأسّها عبد الله أوجلان في أنقرة، كان حقي قرار أحد قادة المجموعة الطلابية في جامعة أنقرة، تلك المجموعة التي تأسّست أساساً لمعاداة جماعة الطلاب الكورد في نفس الجامعة، والنتيجة حصل نزاع دموي ضدّ الطلاب الكورد نتج عنه انهيار تنظيم الطلاب الكورد في الجامعة.
كذلك، كان حقي قرار هو الشخص الذي أصبح المشرف على تنظيم البكك في ديلوك-غازي عنتاب بقرار من جماعة أنقرة، ولم ينفّذ إلا عملية واحدة هناك، علماً أن هذه العملية لم تكن ضدّ الدولة التركية بل كانت ضدّ جماعة (ستيركا سور-النجمة الحمراء) وستيركا سور-النجمة الحمراء كان تنظيماً يسارياً يقود كفاحاً ونضالاً سياسياً ضدّ السلطات التركية.
ويُذكر أن هذه العملية كانت عملية عسكرية مسلّحة قتل فيها العديد من أعضاء “ستيركا سور-النجمة الحمراء” كما أصيب قائد المجموع المدعو (علاء الدين كابلان) ونائبه (محمد أوزون) كما قتل فيه أيضاً حقي قرار.
والمعنى، أن أول قطرة دم أريق في أطر حزب العمال كان على يد معارضين للسلطات التركية، ولم يكن على يد السلطات التركية، وعلى هذا الأساس يقول أوجلان أنه بعد إراقة دم حقي قرار “أريقت دماؤنا ولم يعد بالإمكان التراجع للوراء من الآن فصاعداً”.
لذا ينبغي علينا هنا أن نوضّح ونشرح برنامج جماعة أنقرة الإيديولوجية آنذاك لقرّائنا الكرام، يقول جميل بايك في كتابه (تأريخ حزب العمال) في الصفحة 133: “كان برنامج تلك المجموعة النقاط التالية:
1- القضاء على الأحزاب القومية للكورد.
2- العداء والقضاء على المجاميع الماركسية-اللينينية.
3- تصفية واغتيال الشخصيات التي أصبحت رموزاً للقومية الكوردية، وكذلك الشخصيات التي كسبت تقدير واحترام الشعب الكوردي، وتشويه صورة الثورات الكوردية السابقة وتحقيرها.
دنيز كزميش
دنيز كزميش، من أصول تركية وفكر يساري، كان عضواً لحزب العمال التركي في ستينيات القرن الماضي، تدرّب على فنون حرب العصابات في المعسكرات الفلسطينية، وظيفته ومهنته في تركيا كانت سرقة البنوك، عادى أمريكا طيلة حياته وبكل طاقته، كان صاحب إيمان مطلق بالكمالية.
والمعنى باختصار، لا علاقة لهذا الإنسان بالشعب الكوردي ولم يناضل من أجل الكورد إطلاقاً، أما كلماته قبل إعدامه في السادس من أيار 1972 عندما قال: “يحيا النضال المشترك للشعبين الكوردي والتركي” فهي عبارات يكرّرها اليساريين المتطرّفين المعادين للأفكار القومية، وكان عبد الله أوجلان شديد الإعجاب والإنبهار بأفكار دنيز كزميش، وكان يصفه بمعلمه في بعض الأحيان.
عبد الله أوجلان
باختصار، شخص يساري ومكيافيلي، يؤمن بالكمالية وميثاق ملي للدولة التركية-الميثاق الوطني التركي أو اليمين الوطني أو التذكار الوطني- طالما رأى اليساريين المتطرفين رفاقاً له وحلفاءه، بينما يصف القوميين الوطنيين بالعمالة والتجسّس، وقام بتصفيتهم.
بمعنى، أن فكّ هذه الشيفرات الأربعة التي ذكرها جميل بايك يجعل الإنسان يدرك أن البكك قرّرت بناء استراتيجيتها على الأسلوب والنموذج الذي صوّغه أوجلان، والمبني على مفهوم التخلّي عن القضية الكوردية والأمة الكوردية ونبذهما، وتوجيه البكك نحو طبيعتها الحقيقية في إدامة كفاحها ونضالها كتنظيم وحزب اجتماعي كما أنشأته الدولة من أجل إخضاع الكورد.