بقلم… ماهر حسن
ما طرحه القائد مسعود البارزانى سابقًا ينخرط في عمل سياسي دؤوب لا يكل الخصام والجدال من داخل العراق، بل ضدّ من يؤشرون بأصابعهم في فتح أبواب جهنم على الكوردستانيين بسياسة إزدواجية المعايير وممارسة الابتزاز، وعلى بعض السياسيين السذج من العراق والإقليم راهنوا على اتّخاذ هذه الإجراءات الصارمة لأسباب واهية وغير موضوعية، مع أنّه يخالف الاتفاقيات المبرمة بين الحكومتين في هولير وبغداد، ومن ضمن طابور من التحريض والدعايات و للأسف حوّلت الكثير ممن يتولون أي مسؤولية إدارية صغيرة كانت أو كبيرة إلى دكتاتوريات قزمية تتّخذ من الخرافات والأساطير والهيمنة البدوية في التفكير والسلوك، ذلك وبغياب دولة المواطنة وهشاشة القانون، في وقت يستوجب حسن إختيار وتوظيف التوقيت الصحيح للتحرّك في دائرة معرفية معنية لتجاوز المنعطفات، وأخذ العبرة من أخطاء وتجارب الماضي لتعزيز الهوية الوطنية.
لئن كان ثمة ما يصحّ أن يقال في الأنظمة التي ما تزال على نهج إلغاء الآخر المختلف قومياً أو دينياً أو مذهبياً، وتهيمن من تناحر مذهبي وعرقي وجغرافي بين المكونات، قد فشلت فشلاً ذريعاً في إقامة دولة المواطنة، واختزلت المواطنة في الانتماء إلى القومية الأكبر والانصهار فيها، كما لم ولا يجمعها قاسم مشترك حتى تشعر بحاضرها البائس ولا ترى بصيص أمل في القادم من الأيام وسرعان ما تنحدر إلى دهاليز التاريخ في محاولة للبحث عن البدائل بفتح النيران على إقليم كوردستان أو حقائق الأحداث لاستنباط ما يخرجها من أزمتها.
ولا بدّ من القول، ما كانت هذه الحكومة أن تنجح وترى النور برئاسة محمد شياع السوداني لأسباب كثيرة، دون أن تحدث على الأرض تغييراً جذرياً في مفاصل المجتمع، فالقوى السياسية في بغداد لم تختلف في مواقفها وخطابها تلك مع الإقليم، فقد استخدمت ذات المصطلحات والتوصيفات للحركة الكوردية التي استخدمتها الأنظمة السابقة وإن اختلفت إيديولوجياً معها. ورغم ما واجهها من تحديات بعد إنسحاب الصدريين من الساحة السياسية والتوقيع على ورقة الإتفاق السياسي من قبل أحزاب الاطار التنسيقي الشيعي والكورد والعرب السنة، وكان الجميع يتوقع أن تغييراً حادّاً سيحصل وما كان الكورد والعرب السنة بجهود المرجعية الكوردستانية مسعود بارزاني يقبلون التوقيع على هذه الورقة والمشاركة في الحكومة دون عهود بإحداث تغيير نوعي في شكل النظام ومكنوناته ومؤسّساته وطريقة تداول السلطة ودون أن تحقّق الحدّ الأدنى مما كان يرتجى منها كما و لو لم يؤمنوا بضرورات إتاحة فرصة جديدة للبحث عن الحلول بالحوار والتفاهم ونبذ العصبية والتطرف، ولو لم يحصلوا على ضمانات موثقة بتنفيذ مطالبهم القانونية والدستورية خلال مدد محدّدة، ولكن وما تزال هنالك جهات متكلّسة لا تُخفي عدائها في الأصل لوجود أي كيان كوردي بأي شكل من الأشكال.
العمل السياسي العراقي يعكس الواقع دون أن تنتبه الحكومة في بغداد جيداً لما آلت الأمور إليه والتي تختصر الوضع الحالي أو ما وصل إليه حالياً هو محصلة المسار السياسي الذي لا ينبض فيه حياة الدستور ومحدّدات القوانين وبذلك تجري عملية تقزيم لمأساة تمتدّ لعشرات أو مئات السنين واستقطبت حولها شتى مظاهر التسلّط الاجتماعي والقبلي والديني المتطرّف والفردية والنرجسية وإلغاء الآخر وتكميم الأفواه وإشاعة العبودية، كما وفّر مساحة تدخل مسار سياسي خارجي أثمر من متبلد الأجواء وبصرف النظر عن الكيفية والآلية التي أسقطت فيها هياكلها.
خلاصة القول إن آليات تسلّق سلالم السلطة أو القفز إليها ببهلوانيات لن تجلب إلا المزيد من الكوارث مهما طال الزمن وحلّ يمكن في الدستور الذي نجح الساسة العراقيون عرباً وكورداً وبقية المكونات في صياغته وتشريعه.