خلق الحراك الشعبي الذي بدأ في سوريا عام 2011، فرصة ذهبية وهامة لكوردستان سوريا-غربي كوردستان (روجآفا) حيث تهيأت لهذه البقعة من كوردستان ظروف وفرص مماثلة لما تهيأت لإقليم كوردستان عام 2003.
عندما ننظر لماضي هذه الأعوام الـ 13 نرى أن الكورد لم يستغلّوا الفرص الحالية بل على العكس عانوا من أضرار طويلة الأمد.
فحزب العمال الكوردستاني-بكك قدّمت هذا الجزء من كوردستان قرباناً في سبيل تحقيق مصالحها المتجسّدة في انفراجة سياسية لها وكسب الشرعية الدولية باستثمار الفرص الدبلوماسية، فأرادت البكك إدارة روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا كإدارة أية وحدة عسكرية أخرى أو كمخيّم مخمور، وبسبب هذا التقارب البككي باتت روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا في مواجهة تهديدات اجتماعية وثقافية واقتصادية وديمغرافية وسياسية وعسكرية على حدّ سواء.
فالعملية التي بدأت في 19 تموز 2012 والتي أطلقت عليها البكك تسمية (ثورة روجآفا) كانت في الواقع مراسيم وطقوس استلام وتسليم، فالدولة السورية سلّمت هذه المناطق للبكك وإصداراتها السورية (PYD-TEV-DEM) برعاية إيرانية.
وعلى الرغم من هذه الحقيقة والممارسات الخاطئة، جعلت عموم أجزاء كوردستان قوتها على أهبة الاستعداد من أجل روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، وبالأخص حكومة إقليم كوردستان التي قدّمت جميع أنواع الدعم والمساعدات المادية والمعنوية والدبلوماسية واللوجستية.
ففي عام 2012 عندما اشتدّت هجمات جبهة النصرة عل المدن الكوردية كـ سري كانيي، قدّم إقليم كوردستان بكل قوته الدعم لروجآفا-كوردستان سوريا، وبهذه الطريقة هُزمت النصرة.
في عامي 2014-2015، عندما هاجم داعش كوباني، استخدم الرئيس بارزاني وحكومة إقليم كوردستان كافة منجزاتهم ومكتسباتهم الدبلوماسية والعسكرية والسياسية… وبالتالي تمّ تحرير كوباني.
بل عمل عموم الكورد كلّ ما في وسعهم من أجل روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، لكن البكك ووفق منطقها القائل: “ليكن صغيراً ولكن لي” تعاملت مع عموم هذه المساعي، فأبقت على تنظيماتها وتشكيلاتها والكيانات التابعة لها وحدها، هذا النهج البككي حوّل روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا إلى نظام مركزي استبدادي ككوريا الشمالية، ومتى ما رأت البكك الحاجة… حشدت جموع الناس في الشوارع رافعين صور أوجلان ومردّدين شعارات مناهضة ومعادية لإقليم كوردستان.
ففي البداية، حاولت البكك طرد باقي الأحزاب والتنظيمات الكوردية الأخرى لروجآفا-لكوردستان سوريا من المنطقة، واختطافها وتجريدها من أية تأثيرات، استخدمت البكك نفس الأساليب التي استخدمتها الدولة التركية في تسعينيات القرن الماضي ضد الكورد في باكور كوردستان-كوردستان تركيا، أي جرائم القتل مجهولة الفاعل، اختطفت العشرات من الوطنيين المخلصين أمثال بهزاد دورسون ونصر الدين برهك، عذّبتهم واغتالتهم ورمت بجثثهم على جانب الطريق أو لا يزال مصير البعض منهم مجهولاً لغاية الآن، اعتقل مئات الأشخاص دون سبب وتعرضوا لشتّى صنوف التعذيب وأمام أنظار عائلاتهم، ولا يزال مصير العديد من الأشخاص مجهولاً، فقد أعلن الحزب الديمقراطي الكوردستاني-سوريا (PDK-S) أن 57 من أعضائه قد اختطفوا العام الماضي وحده ولا يزال مصيرهم مجهولاً لغاية الآن!
لا يزال هناك عشرات المعتقلين السياسيين الكورد في غياهب سجون حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومعتقلاته، لم يمثلوا يوماً أمام القضاء، ولم يُفصح لغاية اليوم عن تهمهم! تُدار سجون البكك في الحسكة وديرك وقامشلو مثل سجن دياربكر للدولة التركية في ثمانينيات القرن الماضي.
فبعد انقضاض البكك العنيف على معارضيها من الكورد، جاء الدور على أعضائها هذه المرّة، استاء العديد من مناضلي روجآفا كوردستان سوريا-روجآفا داخل أطر البكك من الإدارة اليومية للبكك، فمارست البكك سياسة شدّ الأذن بحقّ عموم كوادرها في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، وبالأخصّ القادة أمثال مظلوم عبدي، فاستدعت البعض منهم أمثال جوان عرب (مسؤول الأمن العام-آسايش روجآفا) ودوزدار حمو إلى گاره وقنديل، وقضت عليهم وقتلتهم بطريقة ما.
تأسّست مؤسّسة باسم (إدارة البكك-أو قيادة البكك) في روج آفا كوردستان-كوردستان سوريا، تمّ تعيين كوادر البكك من باكور كوردستان-كوردستان تركيا في هذه المؤسّسة- المنسّقية، قيّدت هذه المؤسّسة جميع مؤسسات روج آفا بنفسها، وما الإدارة الذاتية، قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وحدات حماية الشعب (YPG)، حزب الاتّحاد الديمقراطي (PYD) وحركة المجتمع الديمقراطي (TEVDEM) ومؤتمر ستار (Kongra Star) إلا مسرحيات معروضة، وشخصيات المجتمع المدني إنّما يمارسون دور الريادة على وسائل الإعلام فقط، بينما كوادر البكك من باكور كوردستان- كوردستان تركيا يعملون كمفتشين في جميع المؤسسات هناك.
لم تسمح البكك بصعود الرموز الكوردية في روج آفا-كوردستان سوريا، واستُبعدت روج آفا من كوردستان بكل الوسائل وعلى كافة النواحي.
تم حظر العلم الملون هناك تقريباً، ذلك العلم الذي استخدم منذ عشرينيات القرن الماضي، ما زالت الاعتداءات التي بدأت عام 2015 على علم كوردستان في گركي لَكي مستمرة حتى يومنا هذا، حيث تمّ حرق العلم الملوّن وأهين عشرات المرات.
غيّرت البكك اسم روجافا كوردستان إلى شمال شرق سوريا.
رأت البكك الوحدة الكوردية وتنظيم البيت الكوردي خطراً يهدّد وجودها، فوقفت ضدّ كل مفاوضات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مع المجلس الوطني الكوردي في سوريا (ENKS)، قضت على وحدة الكورد-الكورد، بخلاف التنظيمات والأحزاب اليسارية التركية والعربية حيث أهدت لها جميع الأرض والفرص في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا.
فمن الناحية التأريخية، تمتلك روجآفا قوة كبيرة في الأدب والفن الكوردي، لكن لسوء الحظ، جعلت البكك من روجآفا خليطاً غير متجانس من الثقافة والموسيقى والصور والدبكات والألحان الكوردية، وخلقت جيلاً من الشباب لا يتعرف على الألوان القومية الكوردية، ولا يحترم القيم الوطنية القومية، ويردّد الشعارات يومياً في الشوارع ويتعبّد صور أوجلان.
اجتثاث جذور الكوردايتي في روجآفا لم تقف هنا، بل تعدّت هذا… فعدد السكان الكورد في تضاؤلٍ مستمرٍ يوما بعد يوم، فما لم يقدر حافظ الأسد على فعله في مشروع الحزام العربي في ستينيات القرن الماضي، فعلته البكك! فإذا نظرنا إلى البيانات الإحصائية، نجد أن عدد سكان الكورد في قامشلو قبل عام 2012 كان 80٪، واليوم انخفض لـ 40٪! وفي گركي لَكي 95٪ كانوا كورداً، واليوم لم يبق منهم سوى 70٪! وفي تربه سبيه كان 58٪ ليتقلّص اليوم لـ 35٪! بينما كانت نسبة الكورد في عفرين 95٪، ولم يتبق الآن سوى 20٪!! فيما بإمكاننا القول بأنه تمّ ترحيل الكورد وتهجيرهم بشكلٍ كامل من كري سبي، أمّا في سري كانيه فقد تضاءلت نسبة الكورد لأقلّ من 5% في حين كانت أكثر من 55%! كذلك ونتيجة لسياسات البكك المعوجّة والخاطئة نزح أكثر من 250 ألف كوردي من روجآفا لإقليم كوردستان، ولو استمرّ الوضع على هذه الحال فسيكون عدد سكان الكورد والعرب متساويين في روجآفا كوردستان، بعبارة أخرى، سيصبح الكورد أقلية على أرضهم!
بينما يتمتع العرب بجميع الامتيازات، فعلى سبيل المثال، تمتلك روجافا دخلًا ليس بضئيلٍ من البترول، ففي مناطق مثل الحسكة ودير الزور، يتمّ منح 41% من عائدات آبار النفط في المنطقة للعشائر والقبائل العربية هناك، بينما يتمّ الاستيلاء على حصّة الكورد من هذه الأموال من قبل البكك، وفي المقابل ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل متزايد يومياً، ولا توجد لا كهرباء ولا صناعة ولا خدمات… ولا أحد يستطيع أن ينتقد هذه الإدارة!
بات جلياً أن روجآفا التي علّق عليها الكورد آمالهم وقدّموا 11 ألف شهيد و 30 ألف جريح لتحريرها، ودُمّرت مئات القرى والمدن وتشرّد مئات الآلاف من الناس منها، أصبحت الآن جزءاً من أجندات البكك وأنشطتها السرية والمشبوهة…